CET 00:00:00 - 11/05/2010

مساحة رأي

بقلم : نبيل المقدس
إفتكرت أغنية لا تكذبي لنجاة الصغيرة من كلمات كامل الشناوي وتلحين الموسيقار عبد الوهاب "بالهمس , باللمس , بالآهات ".... وذلك عندما إشتدت المناقشات في هذه الأيام الأخيرة عن تغيير أسلوب مناهج  المواد الدينية والتي يتم تدريسها في المدارس في جميع مراحلها . وكأن الطلبة ليست لديهم أية معرفة  عن دياناتهم  مثل باقي المواد التي تُدرس لهم وتؤهلهم إلي المستقبل الذي يحلم به كل منهم وأمنية كل أسرة أن تجد أبنائها وبناتها في احسن تعليم . تذكرت بعد كل هذا الجدل الذي ظهر أخيرا عندما كنت طالبا وكانت مادة الديانة مقررة علينا ... فقد كانت مُدرجة في الجدول الأسبوعي علي أساس حصة واحدة في الأسبوع , وكانت هذه الحصة مجدّولة دائما  في آخر اليوم الدراسي. وسوف أسرد عليكم ماذا كان الحال قبل وبعد حصة الدين ... بالرغم أن المناخ العام في مصر وقتها كان لا يعرف التطرف . 

كنت انا واصدقائي المسلمين والمسيحيين لانهتم بنوعبة الديانة لكل منا ... كنا دائما في صداقة حميمة , وكان وقتها موضوع هواية جمع طوابع البريد لجميع الدول قد إنتشرت علي نطاق واسع , فلا يخلو بيت وإلا تجد إبنهم أو إبنتهم لا يتكلمون إلا عن الطوابع ... كانت هواية جميلة ... إستفدنا منها الكثير ... فقد عرفنا أسماء بلدان وملوكها وسلاطينها , بسرعة وبفهم أعمق مما كان المدرسون يلقنونه لنا . كما تعلمنا منها نظم الحكم والنظم السياسية و الفرق بين النظام الملكي والنظام الديموقراطي والجمهوري والفردي ... إلخ .

وكنا نتزاور لكي نتمم عمليات صفقات تبادل الطوابع بيننا والمتفق عليها من قبل ...  ربما كانت تحدث بعض المشادات لكنها كانت تنتنهي بسرعة طبقا للإتفاقية التي عقدناها وشهود عيان الذين حضروا الإتفاقية ... كانت الأيام تمر في منتهي السهولة والسلام حتي مجيء ميعاد حصة الديانة , حيث تفترق كل مجموعة الي الأماكن المحددة لحصة الدين . لكن بعد ماتنتهي الحصة ... تتغير نظرات إخوتنا إلينا ... وتتوقف الصفقات التبادلية بيننا , وتظهر علي وجوههم علامات الغضب والإشمئزاز وبدلا من تبادل الطوابع كنا نتبادل الهمز  واللمز . 

ثم يأتي اليوم الذي يليه ... ويادوب ما ينتهي طابور الصباح وتحية العلم , ترجع نظراتهم الباسمة الينا مرة اخري ونبدأ في عمل الصفقات لتبادل طوابع البريد النادرة ... ويبقي هذا الحال الجميل الممتع إلي أن ياتي ميعاد حصة الدين الأسبوعية ويتكرر مشاهد الهمز واللمز والغمز , وتتوقف الصفقات والسلامات ... وهكذا حتي نهاية الدراسة ... ثم نقضي صيف جميل مملوء ثقافة ورياضة وتبادل طوابع , ورحلات بالعجل . فقد كان وقت الإجازة الصيفية من أجمل الأوقات نقضيها مع إخوتنا حيث لا يتخللها أي منغصات أو إحتكاكات . 

فعلا كانت فترة الأجازة فيها راحة خالية من أي منغصات  ... كنا جميعا ونحن طلبة نذهب إلي أماكن عبادتنا , لكننا لم نكن نأتي بأي سيرة أو نتكلم عن أي مفارقات أو مقارانات بين الأديان . من هنا إكتشفت  أن حصة الدين هي كانت أساس بلاوي النزاعات والمُنغّصَات التي كانت تحدث بيننا أثناء السنة الدراسية . كنا نجتمع في حصة الدين المسيحي , تحت إشراف إحدي مدرسي المدرسة المسيحيين ليقرأ لنا ما هو مكتوب في الكتيب إن كان تأملا أو آية... وبعد ما ينتهي من الشرح ,  نبدا نشتكي إليهِ عما يقوله الآخر عننا  مع سرد البعض من أحاديثهم عنا والمغالطات التي يتهمون بها الكتاب المقدس والتي كانوا يعلنون عنها في خطبة الجمعة , فعندما تنتهي الحصة نكون قد إمتلأنا ببعض من  الضيق والتي كانت تظهر علي وجوهنا ....

كذلك و كما كان يحدث في فصلنا من حوارات أكيد كان يحدث نفس الشيء مع المجموعة الثانية في فصلهم مع مدرسينهم والذين هم أصلا مدرسي اللغة العربية ( شيوخ) ... فكان اللمز والهمز عننا أكثر واصعب حيث يبدأ المدرس في شرح آياتهم والتي كانت تحتوي علي صفات ومعاني التكفير والكراهية إتجاهنا من وجهة نظره...  فكانت الطلبة تخرج من الفصل بنظرات  مُصوبة نحونا وكأنها شظايــا نارية يريدون حرقنا بها. لكن سرعان ما كانت تنطفيء كما ذكرت سابقا.   

هذا كان في الزمن الجميل في حياة مصر , واشكر الرب انه جعلني من هذه الآجيال , حيث كانت حصة الدين لا تُشكل خطورة أو فتنة بين عنصري الأمة , كنا لا نتحدث عن الديانات ... ولا كنا نسمع عنها لا من الراديو ولا نشاهدها في التليفزيون , فقد كان كان التليفزيون يكتفي بكتابة " حان وقت الصلاة وعلي المحافظات مراعاة فروق التوقيت ".

 بدأ موضوع التعصب يظهر من إخوتنا المسلمين نتيجة لأسباب كثيرة كلنا نعرفها ولا داعي لتكرارها وذكرها ... فنحن الآن في صدد  وجوب مادة الدين في المدارس عبر جميع مراحلها , لكنني وهذا هو رأيي الشخصي أن المناخ الذي يعيش فيه الشعب الآن بجميع طوائفه مُلغم بحيث لا نسمح لأي شيء يُسبب في إشعال فتيل هذه الألغام الموجودة فعلا لكنها متسترة في شكل إنفجرات أخري وهي ممارسة الأغلبية حق التحزب والتعصب وحرية حماية عقيدتها فقط , علي حساب الأقلية الموجودة معها والشريكه في ترابها ونيلها .   

لماذا يصر المسئولون علي وجوب مادة الدين في المدارس , في هذا المناخ الجديد , حيث كثرت  ثقافات جديدة تشمل : المعارك الفضائية , وحروب الماتشات الكروية , ولعلعة الفتاوي الدينية , و الجلوس في منتديات القهاوي الجاهلية وإضطهادات الأقلية , والحجر علي الإبداعات الفنية , ومصادرة الكتب الأدبية ...

كل هذه الثقافات الجديدة والتي بدأت تنمو من أوائل السبعينات حتي وصلت الآن لأوج مجدها  جعلت ان لا يكون هناك وقت ولا مجال لأي حديث هاديء , ولا حوار بناء  بين عناصر الأمة , فكيف نضع مادة الديانة في ظل هذه الثقافات الجديدة السابقة  حتي  ولو قام وزير التربية و التعليم بوضع مناهج الدين علي أسس لا تحض بالأديان ؟ ألا يدري سيادة الوزير ما هو الحال العام الموجود بين الكبار , وبين العائلات وبين افراد المدرسة  الواحدة ؟؟. أليس هذا الطالب أو مدرس الدين كيان يعيش في وسط هذا المناخ المسموم ؟؟... هل تضمن ياسيادة الوزير أن لا يحدث اللمز والهمز في حصص الدين , حيث كل فريق يتكلم عن الآخر تاركين المنهج الأصلي الموضوع بمعرفتكم ؟؟ أم سوف تضع كاميرات خفية في حصص المواد الدينية !!!!!!!!؟. 

هناك أماكن متخصصة لدراسة الدين ... فالكنائس مفتوحة لأبنائها , وكذا المساجد ... الا يكفي هذا ؟؟ لكن أحب أن أستفهم ... ما فائدة دراسة الدين بأساليب خالية من أي إزدراء علي الآخر بينما الفضائيات تبث تعاليم متناقضة عن ما هو موجود في المناهج التعليمية . ؟؟ دراسة الديانة ( واقصد التي تُدرس في المدارس) سوف تبقي العقبة في إقامة الدولة المدنية الحديثة والتي تكلم عنها الرئيس في خطابه الأخير والموجه للعمال ...  علينا أن نحل المشكلة من جذورها ... فنحاول أولا أن نجعل التلاميذ يعيشون في مدارسهم بقدر الإمكان بدون غمز ولمز وهمز ... حتي يعتاد التلاميذ علي قبول الآخر , وينسي أن هناك كلمة أسمها (الآخر) يشاركه محبة الوطن الواحد . 

دولة مدنية علي اساس مواطنة قوية .... هي الدولة الخالية من الهمز واللمز والغمز  بين جميع أفراد شعبها والمختلفين إما في الجذور أو الديانة أو اللون . 
نرجع إلي صغيرتنا نجاة لكي نستمر في سماع أحلي أغانيها بالهمس , باللمس , بالآهات ..... بدلا من بالهمز , باللمز , بالكلمات ...........!!!!!!!!!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٤ صوت عدد التعليقات: ٢٧ تعليق