CET 00:00:00 - 14/05/2010

مساحة رأي

بقلم : عاطف نوار
ظاهرة تفشت فى الأونة الأخيرة فى المجتمع المصرى .. ففى ظل أحداثه المتواترة العصيبة لا يجد الحقوقيون و المحامون و النواب و غيرهم وسيلة للشكوى غير البلاغ للنائب العام .. و الظاهرة التالية للأولى هى أننا نجد البلاغ للنائب العام قد انطبق عليه القول " بعثتت بلاغا للنائب العام و بعد عام وجدته قد عام ".. ما حقيقة هذا الأمر و ماهى ابعاده ؟ ... إن النائب العام هو الذى يوجه الإتهام للجناة و المجرمين نيابة عن المجتمع بعد التحقيق الدقيق المدقق الشامل معهم تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة .. و هذا التحقيق هو الأساس الذى تبنى عليه المحكمة تعاملها مع الجناة .. و النائب العام  بسلطته الحبس على ذمة التحقيق و بيده إطلاق السراح من سراى النيابة تبعا لرؤيته و تقديره و إقتناعه. .

لذا كان على النائب العام ان يكون عادلا نزيها و أيضا على الدولة أن تحترم حرية النائب العام دون قيود على قراراته .. هذه نبذة عن طبيعة عمل النائب العام و مهامه التى تُعد درع يحمى المجتمع من الجناة و البلطجية الذين يهددون أمنه ..  و النائب العام بهذه المهام جدير  بالتقدير و التوقير من الحكومة و الشعب كما أن قراراته لابد أن تكون ذات هيبة و إجلال تسرى على الكل و يخضع لها الجميع.. و لكن ..
 
فى مصرنا الحبيبة لا كرامة للنائب العام و لا هيبة لقراراته .. لقد كانت مذبحة نجع حمادى  ضوءا مُبهرا كشف خفايا الأمور و أظهر حقيقة النائب العام كمنصب .. لقد أشادت د . جورجيت قيللينى الجريئة  بشخص المستشار عبد المجيد محمود  كرجل قضاء  عادل  بقولها " الراجل ده هدية من السما" .. و لكن ليست المشكلة فى شخص المستشار محمود بل فى  احترام الحكومة و مجلس شعبها لمنصب النائب العام ..

إن نزول النائب العام بشخصه إلى نجع  حمادى فورا بعد المذبحة بعث الأمل فى نفوسنا أن العدل سياخذ مجراه  و لكن  خاب أملنا .. فبعد أسبوع فقط أنهى النائب العام تحقيقاته و احال الجناة للمحاكمة مُصرحا أن لا مُحرض ثبت ضلوعه فى هذه المجزرة التى فاقت صابرا و شاتيلا و جنين فى شراستها .. هل اقتنع النائب العام باعترافات الجانى الهزيلة بان السبب وراء إرتكاب المجزرة كان ثأرا لفتاة فرشوط ؟..

لقد وضح للجميع أن النائب العام تحرك بأوامر عُليا و أنهى التحقيق طبقا لما أملى عليه مما يُعد إهانة لهذا المنصب القضائى الرفيع و المهيب .. لقد علق عمرو أديب على هذا قائلا " التحقيق لسه مخلصش .. فيه مُحرض لازم يتحاكم " و أيضا طالب قداسة البابا شنودة بالبحث عن المُحرض بل أن العالم كله فى إنتظار الكشف عن المُحرض و تقديمه للمحاكمة ..

لقد تجاهل النائب العام معلومة كان لابد أن يتحقق منها بدقة و عدل حيث كان تصريح نيافة الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادى فى أعقاب المجزرة مباشرة أن اعضاء مجلس الشعب هم المحتضون للكمونى و هم الذين  أطلقوا صراحه من السجن بنفوذهم و تردد اسم الغول مرارا و تكرارا فى ذلك الوقت و بعد ذلك تم الضغط على نيافة الأسقف لتغيير مجرى التصريحات  .. ألم يدر بخُلد النائب العادل أن هناك شُبهة تحريض يجب أن يبحث وراءها ؟.. ألم يسترع إهتمامه تصريحات الأسقف و تغييرها فى ساعات ؟ .. هيهات ..

فالآوامر الصادرة له كانت أقوى من هذه الإعتبارات مجتمعة .. و لايليق بهذا المنصب السامى الخطير المنوط بحماية المجتمع أن يعمل تحت وطأة الأوامر العليا و على هوى أصحاب تلك الأوامر .. كان يتعين على النائب العام أن يأخذ البلاغات المُقدمة له للتحقيق مع الغول مأخذ الجدية و العدل .. ألم يسترع إهتمام سيادة النائب العام تصريحات الغول فى جريدة الدستور فى 29 يناير 2010 أنه " سيكشف المستور إذا استمر ذكر اسمه فى هذه القضية " ؟ ..

كان هذا التصريح جدير بأن يُعيد فتح التحقيق والإصرار على رفع الحصانة عن الغول رغم رفض فتحى سرور و حاشيته بعدم رفع الحصانة عنه .. ألم يسترع إهتمام النائب العام إنكار الغول المستمر علاقته مع الكمونى ثم فجأة تظهر الأدلة الدامغة على إسطوانتين تحملان علاقة حميمة بينه و بين المُجرم بل و إعترافا بلسان الغول أنه سيتوسط لدى إخوانه رجال الأمن لإيقاف تعقبهم للكمونى ؟..

ألم يسترع إهتمام النائب العام غضب فتحى سرور عندما طولب بالمثول أمام المحكمة كشاهد لما أدلى من تصريحات بأنه يعرف المُحرض ؟.. ألم يسترع إهتمام النائب العام إستخفاف فتحى سرور بالقضاء بقوله " لو طلبتنى المحكمة للشهادة مش هاروح طبعا " ؟ .. كان يتعين على سيادة النائب العام أن يطلب التحقيق مع فتحى سرور شخصيا.. إن الجميع سواسية أمام العدل و رجاله .. أ لم يسترع إهتمام النائب العام رفض مجلس الشعب رفع الحصانة عن الغول للتحقيق معه فى البلاغ المُقدم من د. جورجيت تتهمه فيه بسبها و قذفها علنيا على شاشات الإعلام ؟ ..

أ لم يتبادر إلى ذهن سيادة النائب العام أن هناك أن مجلس الشعب يتستر على الغول ؟ .. ألم يربط النائب العام بين رفض المجلس رفع الحصانة عن الغول و بين تصريحات الأخير بأنه سيكشف المستور ؟ ألم يشعر بحاسته القضائية أن هناك كارثة وراء الستار  لابد أن توارى الثرى عندما زار أحمد عز الغول فى بيته ؟ .. أين النائب العام من هذا كله ؟ .. أ لم تكن كل هذه الملابسات  كفيلة بأن يفتح النائب العام باب التحقيق ثانية فى مجزرة نجع حمادى و هذا من حقه بل من واجبه ؟ .. إن  تجاهل النائب العام لهذه الثغرات الواضحة يؤكد صدور أوامر مشددة له بتجاهلها وإخراجها بالصورة المأمور بها و هذا فى حد ذاته إهانة للمنصب و له شخصيا ..
 
إننا نتوقع من شخص نزيه عادل كالمستشار محمود أن يرفض إهانة فتحى سرور للقضاء برفضه المثول أمام المحكمة  و إهانته لمنصبه برفضه رفع الحصانة عن الغول  و إهانة الدولة له بإجباره  أن يعمل و يقرر طبقا لأوامر صادرة له .. إن مصرتنتظر منه وقفة مهيبة إما بالإصرار على  التحقيق  مع كل من له صلة بالقضية  مهما كان منصبه و نفوذه .. و إما أن يعلن إستقالة مُسببة ترد للمنصب و للقضاء هيبتهم و إحترامهم.

bolapavly@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق