CET 00:00:00 - 17/05/2010

مساحة رأي

بقلم: أيمن عبد الرسول
في حوار إذاعي مع الصديق شريف حافظ على راديو المحروسة تحاورنا على مدى ثلاث حلقات في  أكثر من قضية شائكة، منها: العلمانية بين الإسلام والمسيحية، والتطرف الديني بينهما أيضًا، وأخيرًا صراع الأسلمة والتنصير على أرض مصر، وقام كاتب هذه السطور بتحليل هذه القضايا ومناقشتها من خلال التجربة المصرية الخاصة التي عانت كثيرًا من هذه الصراعات، المهم أنني حيال الحديث عن دور النظام في حل المشكلات الطائفية تحدثت عن تراخي يد النظام مع مثيري الفتن من الجانبين، واستشهدت على هذا التراخي بأننا في حاجة إلى "العين الحمراء"، تلك التي كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات يظهرها عند انهمار المحن، وللجميع، يتساوى في ذلك البابا شنودة والشيخ عبد الحميد كشك، عندما يتعلق الأمر بأمن الوطن!!

هذه الفلسفة حضرتني عندما تحدثت في المقال السابق عن حتمية وجود سلاح ردع قبطي في وجه العداء المجاني الذي يستثمره المتطرفون الإسلاميون ضد القبط، مستغلين حائط الجهل والكراهية والتعصب المبني سلفًا بين الأقباط والمسلمين، واكتشفت أننا لا بد أن نكون مع الشرعية ضد الخروج عليها، وأنه يجب التعامل مع الحوادث الطائفية أيًا كان مصدرها على أنها خروج على شرعية النظام، وأن الأمن عندما يعالج مثل هذه الحوادث بجلسات الصلح العرفية، يرسخ دون وعي هذا الخروج على الشرعية، ويظهر العين الحمراء فقط للأقلية القبطية حتى وهو- أي الأمن-  يظن أنه يحمي النظام بهذا الخروج المنظم على الشرعية الدستورية، فيمنح المعتدي حصانة بعدم الاحتكام إلى القضاء الرسمي للدولة!!

هل في ذلك خروج على دور الأمن في الملف الطائفي؟

في الواقع المصري الأمر معقد ومربك خصوصًا حيال التوترات الطائفية في الصعيد الذي يعاني منذ سنوات طويلة من الحرب على الإرهاب، وتلجأ الجهات الأمنية فيه لوضع أولويات غاية في التعقيد نظرًا إلى التركيبة شبه القبائلية المسيطرة عليه، و"الأساطير المؤسسة للطائفية" تجد في ظل هذه البنية المتشابكة المناخ الآمن والمواتي للازدهار، مما يجعل يد الشرعية الدستورية ذاتها غير قابضة بكامل قوتها على الأوضاع هناك، وكأننا نتحدث عن جغرافيا وتاريخ مستقلين عن تطور الشرعية الدستورية كاملة، إلا أن مبررات اللجوء إلى القضاء العرفي أو الشعبي ليست كافية في ظل دولة المؤسسات ومؤسسات المجتمع المدني، التي لم تزل تحرث في البحر إذا تعلق الأمر بالملف الطائفي!!

يرى كاتب هذه السطور أن العين الحمراء فيما يتعلق بالشأن الطائفي أحد أهم أسلحة الردع الحاسمة في هذا الملف، وهي شرعية النظام في مواجهة الخارجين على شرعيته، ولا داعي لمقارنة بين وضع الأقباط في مصر، ووضع دولة إسرائيل وسط الشرق الأوسط أو العرب، وإلا لبنينا جدارًا عازلاً لحماية الأقباط من هجمات الإسلامجية، ومصطلح "الإسلامجية" مصطلح جديد اخترعه بعض الناشطين على الـ"فيس بوك" في سياق معاركهم مع بعض الإسلاميين الشبان وهو الوصف الأكثر شعبية وديناميكية من الإسلامويين مثلاً!!
فامتلاك الأقباط لسلاح ردع في الكنائس والأديرة يبقى تمامًا أسطورة تماثلها أسطورة امتلاك إسرائيل لسلاح نووي يمكنها به نسف المنطقة كلها وقتما تتعرض لخطر قاتل من جيرانها العرب الذين يظهرون الود خوفًا من مثل ذلك السلاح، أعرف أنها مقارنة تبدو مستفزة، إلا أنها رُمَّانة ميزان الأمن الوقائي في الشرق الأوسط، ولا تجاوبها سوى محاولة إيران النظير الشرقي لدولة إسرائيل في امتلاك سلاح نووي، والكل يحاول إقامة حائط ردع ضد الآخر المُفترى عليه من كلا الطرفين!!

فلو أننا نظرنا بين وضع الأقباط في مصر ووضع إسرائيل في المنطقة العربية، سنجد أوجه تشابه لا تخطئها العين الفاحصة، فالإسلامجية يرون أن الأقباط يستقوون بالخارج الأمريكي لفرض مطالبهم، وإسرائيل تتمتع فعلاً بالحماية الأمريكية وسط جيرانها العرب، إلا أن الأقباط لا يقومون في الداخل بما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وإذا كانت إسرائيل تشكو دومًا من الخطر العربي حولها، ولذلك أظهرت العين الحمراء بوصفها سلاح ردع نوويًّا قادرًا على حمايتها ضد خطر عربي منتظر، فكذلك الأقباط لديهم من مساحة الأساطير الكثير من أسلحة الردع المختلفة حتى لو كانت على سبيل التخويف، في النهاية لا الأقباط ولا إسرائيل ينويان الدخول في حرب ضد جيرانهم بالتأكيد سيخرجون منها منكسرين، ولو على المستوى السياسي!!

تمشيًا مع الفانتازيا التي نجربها علينا.. تخيل تحويل العداء الذي دشنته شرعية نظام يوليو ضد اليهود والصهيونية إلى عداء للآخر القبطي بعد خروج اليهود وانقضاء عهد الحرب العربية ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين واعتراف الدول العربية المجاورة لإسرائيل بقيام دولتهم، هذا العداء الذي تم استبدل بالعدو فيه الأقباط، الذين لا يسعون في مصر لحل الدولتين، وإنما يطالبون فقط بمعاملتهم كمواطنين مصريين والحصول على حقوقهم المدنية تحت مظلة الشرعية، وتبقى العين الحمراء هي العين الساهرة على أمن هذا الوطن لا المتعسفة في استخدام الحقوق ولا المُرهبة للمواطن الذي يحترم الشرعية، أو هي عين الشرعية وعصاها على من تسوِّل له نفسه الخروج عليه!!
العين الحمراء هي السلاح الرادع والواقي من الفتن، بشرط ألا تكون لصالح الأغلبية ضد الأقلية، بل يجب أن تكون عين الشرعية، التي يفصل لها وفيها الدستور المدني الذي يقر بأن جميع المواطنين متساوون أمام القانون، لا فضل لمسلم على قبطي إلا بتقوى الشرعية ولا مزيد!!
والله والوطن من وراء القصد!!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق