بقلم: عساسي عبد الحميد
أعلنت أربعة دول منتمية لحوض النيل وهي (أوغندا وإثيوبيا وتنزانيا ورواندا) دعوتها الصريحة لإعادة النظر في تقسيم الحصص المائية لنهر النيل واعتبرت التقسيم المعتمد سنة 1929 مجحفًا في حقها، في حين رفضت كل من مصر والسودان التوقيع على إطار الاتفاق الذي وقعه رؤساء تلك الدول بمدينة "عنتيبي" الأوغندية منذ أيام قليلة واعتبرته الخرطوم والقاهرة بالغير الملزم...
من الناحية العملية والتقنية يصعب على هذه الدول المضي في تنفيذ هذا المشروع -أي إعادة تقسيم الحصة المائية لنهر النيل- فهذا يتطلب إقامة خمسة أو ستة سدود عملاقة بحجم السد العالي أو سد أتاتورك تقدر تكلفتها بمليارات الدولارات، وهذا مشروع لا يمكن إنجازه في سنة أو سنتين بل يتطلب قرابة عشرين سنة. فمن يا ترى هذه الجهة المانحة من هي قادرة على انجاز هذا المشروع الخيري لفائدة هذه الشعوب؟؟ ومن يا ترى من رق قلبه لحال الجياع والمعوزين بأثيوبيا لبناء لهم سد في المستوى على النيل الأزرق لري الأراضي لتنتج من قثائها وفولها وعدسها وبصلها؟؟
لا أظن أن جهة ما ستغامر وتعرض مصالحها وعلاقاتها وفي ظل الأزمة الراهنة التي أثرت على اقتصاديات الدول الكبرى، ولنفترض جدلاً أن المشروع لقي الآذان الصاغية والسيولة الكافية وأصحاب القلوب الحانية فإن الورش سينسف في مهده بواسطة متفجرات خاصة وسيتعرض الفنيون ومهندسو المشروع لتسمم غذائي أو كما يصطلح عليه بلعنة الفراعنة التي ستطال كل مَن سولت له نفسه المساس بالأمن الغذائي لـ 80 مليون من المصريين.
أنا لست هنا متحيزًا لمصر في هذه القضية -أي قضية ماء النيل- والتي من شأنها أن تشعل حربًا من أخبث وأخطر الحروب التاريخية، بقدر ما أنا مندهش لتسرع ساسة وقادة دول من المفروض إحاطة دواوينهم ومكاتبهم بخبراء ومستشارين في الاقتصاد والسياسة في المستوى!!
ومن المضحك والمحزن في نفس الوقت أن أثيوبيا والتي يتزعم رئيسها هذه المهزلة لا تستفيد بكل المياه النابعة من أراضيها، فأكثر من 90 في المائة منها تهدر ويكون مصيرها المستنقعات الراكضة التي تتوسع على حساب الأراضي الزراعية وتحتضن فيروس "الملاريا" الذي يفتك بالمواطن.
كان على رؤساء الدول الأربعة طلب معونة المصريين لاستغلال المياه التي تذهب هدرًا من أجل إقامة مشاريع إنمائية تعود بالخير على شعوب بلدان المنبع بدل التهور والتسرع وافتعال الأزمات...
عندما استولى الضباط الأحرار على الحكم يوم 23 يوليو 1952 وأطاحوا بالنظام الشرعي في مصر لم يعطوا أية أهمية لبعد مصر الإفريقي البالغ الأهمية والحيوية فبدل الاهتمام بمنابع النيل التي هي مصدر رزق المصريين وتطوير علاقات مصر مع بلدان المنبع تبنى عبد الناصر ورفاقه قضايا العروبة الخاسرة والتي كلفت المواطن المصري أربع حروب خاسرة، ما زال الشعب المصري يدفع ثمنها إلى حدود هذه الساعة.
لقد أجرم النظام حينها في حق شعبه عندما أهمل البعد الإفريقي، لو كان رواد ثورة يوليو قد أولوا الاهتمام بتمتين العلاقات مع بلدان شرق أفريقيا لكنا نشهد اليوم ملايين المصريين وقد استوطنوا ببلدان المنبع وأصبحوا حملون جنسياتها، ولأصبح المصري يملك ضيعات نموذجية تنتج الحبوب والقطاني والخضروات والفواكه واللحوم والألبان ومؤسسات صناعية وسياحية تشغل المئات الآلف من العمال والتقنيين والكوادر ولصعد المصري لمركز القرار في حكومات هذه البلدان ولأصبح منهم الوزير والسفير والرئيس الإثيوبي والرواندي والأوغندي من أصول مصرية.
لكن بُعد النظر كان شبه غائب أمام أعين الباشاوات الذين استهوتهم البزة العسكرية وشعارات العروبة الجوفاء التي لا تسمن ولا تُغني من جوع.. فماذا استفادت مصر من إرسال جنودها لليمن في الستينيات من القرن الماضي غير استنزاف مالية الدولة وجيب المواطن؟؟
وماذا ربح المواطن المصري من السلاح والمعونة التي قدمت لجبهة التحرير الجزائرية غير الجحود ونكران الجميل ووصف الجزائر ببلد المليون شهيد ومصر ببلد المليون راقصة؟؟
المغرب
assassi_64@hotmail.com |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|