بكثير من الجمال والحكمة والاتزان شاهدنا فيلما فرنسيا قويا مؤثرا في المسابقة الرسمية لمهرجان كان. فيلم عنوانه {رجال والهة} للمخرج إكزافييه بو فوا، ويتحدث عن خطف ومذبحة سبعة رهبان مسيحيين كانوا يعيشون في دير منعزل في الجبال الجزائرية، ولهم علاقات طيبة مع الجزائريين المسلمين، ينصرفون للصلوات والأغاني الدينية. أحداث الفيلم مستوحاة من المجزرة الفظيعة التي وقعت عام1996 والتي كتبها بحرية من أفكار الرهبان التيبيين الذين عاشوا في الجزائر منذ عام 1993 وحتى خطفهم. والرهبان الذين خطفوا ثم ذبحوا هم الأب كريستيان دو شيرجي 59 سنة وكريستوف ليبريتون 45 سنة وسيلستين رينغارد 62 سنة وبرونو لومارشوند 66سنة والاخوة لوك دوشيير 82 سنة وبول فافر ميفيل 57 سنة وميشيل فلوري 52 سنة.
كان الرهبان الثمانية يعيشون بهدوء وسط المسلمين بتفاهم من دون اية مشكلة، لكن الأزمة السياسية فجرت العنف المتزايد وقد حاول المتمردون المسلحون طرد الاجانب من الجزائر، لكن الرهبان القائمين هناك لم يعتقدوا انهم مهددون، خصوصا وان بعض المسلحين، احتاجوا الى الأدوية، فاعطوهم، والمخرج لم يتول عن القتلة، أو عن الذين قاموا بعملية الخطف وكأنه يعتبر الارهابيين هم الذين قاموا بذلك، انسجاما مع الرواية الرسمية، وقد اثيرت اسئلة كثيرة حول هذا الموضوع بين اراء مختلفة ومتناقضة. وان كان الكراس الصحافي قد نشر سلسلة من التواريخ للأحداث السياسية من الانتخابات التشريعية في 26 ديسمبر 1991حيث فازت الجبهة الاسلامية للانقاذ بها، ثم حالة الطوارئ عام1992 ثم مقتل الرئيس محمد بوضياف بعدها بايام والاعلان عن الجماعة الاسلامية المسلحة الارهابية، وتبني هذه الجماعة المسلحة الارهابية لاختطاف الرهبان في 18 ابريل 1996 والاعلان عن قتلهم بعد شهر ويومين من ذلك، وقد وجدت رؤوس الرهبان مقطوعة مرمية على الطريق يوم 30مايو 1996 ووقعت مذبحة فظيعة في بن طلحة خلفت عددا كبيرا من الضحايا الأبرياء يوم 22 سبتمبر 1997.
وفي عام 1998 خف العنف نسبيا، وبدأت العدالة الفرنسية التحقيق حول اختطاف الرهبان وقتلهم، من دون التوصل الى نتيجة، وفي 29 سبتمبر 2005 اعلن الرئيس الجزائري بو تفليقة المصالحة الوطنية، الأمر الذي اعفى بعض الجمعيات المسلحة عن اعمالها التي قامت بها بعد 1990 في اطار شروط خاصة. ويوم 20 نوفمبر 2009 رفعت اسرار الدفاع، ما سمح بكشف وثائق للمستشار العسكري الفرنسي في الجزائر بان الجيش الجزائري هو الذي قتل الرهبان السبعة عن طريق الخطأ. وقد حاول بعض الممثلين الفرنسيين المشاركين في الفيلم اتهام العسكريين الجزائريين بالفساد مثل ليمبيرت ويلسون. رغم الأحداث السياسية ومآلها، فان الفيلم كان اكثر واوسع افقا من الحدث السياسي الضيق، فالفيلم ليس سياسيا مغلقا. او ليس مغلقا فقط. وليس في الفيلم اية حساسيات دينية بين مسيحيين والمسلمين، فهو يميز بين المسلمين والتزمت الضيق. الفيلم جميل من هذه الزاوية وفيه افاق رحبة عن المحبة والتسامح، تبين ان معاناة المسيح كانت طريقا للخلاص والمحبة والتسامح. والفيلم صور بحساسية مرهفة، وباداء تمثيلي رائع، وقد اثار تصفيق النقاد الأمر الذي يسمح بالتطلع إلى جائزة من جوائز المهرجان. وكان مخرج هذا الفيلم قد حصل على جائزة التحكيم عن فيلمه السابق الذي عنوانه لاتنسى انك ستموت. عام1995.
كما حمل قميصا عليه دفاع عن المخرج البولوني رومان بولانسكي. وكان المدافعون عن بولانسكي في بداية المهرجان قد صمتوا اثر الفضيحة الجديدة التي اتهمته الممثلة البريطانية شارلوت، وشاركت في فيلمه {القراصنة}، باغتصابها له قبل ثلاثة ايام من تصوير فيلم القراصنة وكان عمرها انذاك ستة عشر عاما فقط، وقد رفعت قضية ضده بواسطة اشهر محامية بالدفاع عن النساء، وكان وزير الثقافة الفرنسية فردريك ميتران قد دافع عنه بحرارة، لكنه التزم الصمت بعدها. كما رفض نجوم كبار الدفاع عن بولانسكي مثل مايك دوغلاس، اما رئيس مهرجان جيل جاكوب فقال {ان بولانسكي مخرج كبير لكن الجميع يخضعون للمساءلة } ان الفضيحة الجديدة تبدو غريبة لان بطلتها مثلت فيلمه بعد ثلاث سنوات من اغتصابها حسب قولها، وينفي المخرج هذه التهمة، ويرفع دعوى قضائية ضدها، خصوصا ليس عندها ما يثبت التهمة، وليس عنده ما ينفيها، وتجدر الاشارة إلى ان التونسي طارق بن عمار هو الذي انتج فيلم القراصنة، وبتمويل الشيخ صالح كامل، وقد فشل هذا الفيلم من الناحية الفنية والنقدية والتجارية، بل انه افشل فيلم للمخرج البولوني رؤمان بولانسكي، وهو مخرخ كبير جدا سواء يحب الفتيات الصغيرات، ويغتصبهن او لا. |