بقلم : يحيى الوكيل
قرأت على موقع مصراوى الإلكترونى مقالاً عن خبر تناوله برنامج ( 90 دقيقة) على قناة المحور الفضائية مساء الأربعاء التاسع عشر من مايو الجارى، و فيه أعلنوا عن حصول "الداعية الإسلامى" الأستاذ "عمرو خالد" على درجة الدكتوراة بإمتياز مع مرتبة الشرف من جامعة ويلز فى الشريعة الاسلامية، و كان موضوع الرسالة "الإسلام والتعايش مع الآخر".
كان المقال قصيرًا لكنه كان مليئًا بالعديد من الشواهد التى دقت نواقيس الخطر فى رأسى، فقد أحسست بكارثة تطال قيمة درجة الدكتوراة العلمية و الأدبية؛ وسأناقش فى السطور التالية كل مآخذى على ما نشر فى هذا المقال.
أولا: أى جامعة بالضبط منحت درجة الدكتوراة؟
هناك عدة جامعات تسمى جامعة ويلز، منها على سبيل المثال لا الحصر جامعة ويلز- نيو بورت، و جامعة ويلز-لامبيتر، وغيرهما بما فيها جامعة الثالوث القدوس Trinity University College ،وكلها على صلات بجامعة ويلز.
أنا لم أجد فى المقال، أو المداخلة التليفزيونية، ما يشير إلى الكيان الجامعى الذى تفضل بمنح الأستاذ "عمرو خالد" الدرجة العلمية المذكورة، وبالتالى كان من الصعوبة بمكان التأكد من وجود اسم الدكتور "عمرو" فى قائمة خريجى الجامعة (Alumni)، حيث أننى لا أعلم فى أى جامعة أساساً أبحث.
ثانيًا: أى قسم بالجامعة منح درجة الدكتوراة؟
الخبر يقول أن درجة الدكتوراة ممنوحة فى "الشريعة الإسلامية"، فهل هناك قسم فى "جامعة ويلز" يعنى بتدريس الشريعة الإسلامية، وبه قسم للدراسات العليا،والبحوث فى هذا الفرع من العلوم – إن اعتبرنا أن تدريس الشريعة الإسلامية يعتبر علمًا؟
أنا بقدر ما بحثت على الإنترنت فى المواد المتاح تدريسها فى الجامعات المسماة بجامعة ويلز ، أو المرتبطة بها أكاديميًا، لم أجد مقررًا أكاديميًا واحدًا يُعنى بالشريعة الإسلامية كفرع من العلم قائم بذاته – كما تُعامل الشريعة الإسلامية فى جامعة الأزهر مثلاً.
و بتلخيص شديد: مَن مِن أهل العلم بالشريعة الإسلامية بجامعة ويلز ليناقشوك و يعطوك الدكتوراة؟؟؟
الصورة التالية من موقع الدكتور "عمرو خالد"، وفيها يقف بجانب دكتور "ماول عز الدين" مشرف الرسالة .. وبجانبه الدكتور"حسين عبد الرؤوف" الممتحن الخارجي من جامعة ليذ البريطانية Leeds.
أول ما يتبادر للذهن أن الدكتور "عمرو خالد" فى إجتماع لمكتب إرشاد الأخوان المسلمين، وليس فى قاعة مناقشة رسائل دكتوراة فى جامعة فى إنجلترا؛ أسماؤهم و ذقونهم تشهد عليهم.
ثالثًا: الأستاذ عمرو خالد محاسب، فأى تدريب حصل عليه للبحث فى مجال الشريعة الإسلامية؟
وهل يجوز له مثلاً أن يحصل على الدكتوراة فى الكيمياء من جامعة ويلز تلك، لمجرد أن يقدم لها بحثًا دون أن يحمل من أوراق الإعتماد ما يؤهله للبحث فى مجال الكيمياء؟!!
هل حصل الأستاذ "عمرو خالد" على إجازة الدبلوم أو شهادة الماجستير فى الشريعة الإسلامية سابقا؟ وإن كان فمن أى جامعة؟ وماذا كان موضوع بحثه فى رسالة الماجستير؟
أسئلة ليس لها عندى إجابات.
رابعًا: بدون أن نضحك على أنفسنا، فالشريعة الإسلامية تنظر للآخر على أنه "كافر"، و لا مجال للتعايش فى الشريعة الإسلامية بين المسلمين و الكفار.
هل أعتمد الأستاذ "عمرو خالد" الأمانة العلمية، وضَمّنَ رسالته هذه الحقيقة الشرعية؟ لا أظن أنه فعل ذلك، والإ ما كانت رسالته قد قُبلت، ولا كان لموضوع البحث المذكور من وجود فى الأساس.
فإن كانت حقيقة "علمية" كمثل نظرة الشريعة الإسلامية إلى الآخر قد أُهملت، وهى فى صلب موضوع الرسالة، فأى وزن علمي لدرجة الدكتوراة تلك؟
خامسًا: أنقل نصًا عن المقال المشار إليه سالفًا:
"وأكد الداعية "عمرو خالد" أن هذه الرسالة بداية جديدة لإنفتاح الإسلام علي المثقفين والجامعات الأوربية والعالمية، حيث سيتم نشر نص الرسالة في كافة الجامعات الغربية، وعدد من دور النشر الأوروبية".
المبالغة هنا رهيبة، فلا شئ اسمه "كافة الجامعات الغربية"، ككيان واحد مثل الجامعات المصرية الحكومية مثلاً، والتى يمكن لها فعلاً أن تقوم بطبع رسالة دكتوراة، وتوزيعها عليها كلها، بجرة قلم من وزير، أو بقرار من المجلس الأعلى للجامعات، والذى فقد كل قيمة علمية له بتبعيته للحكومة.
الدكتور"عمرو خالد" يطبق هنا ما يعلمه عن مصر، ويصرح بما يعلم أن المستمع المصرى سيلقى له أذنًا صاغية، ويلقى منه قبولاً و استحسانًا.
أن رسائل الدكتوراة والماجستير وما فى حكمهما، تنشر لها ملخصات فى الدوريات العلمية، وتتناقلها الجامعات – فى الحقيقة الأقسام العلمية المختصة التابعة للجامعات – فيما بينها، متبعين بروتوكولات معينة لضمان اتساع المعرفة، وفى ذات الوقت الحفاظ على الحقوق الفكرية والأدبية بلا تفريط فى أيهم.
الحقيقة أن هذه النقطة يطول شرحها بأكثر كثيرًا مما أوجزت، و لكن أظن أن ما شرحت كان موجزًا، وفى نفس الوقت كافيًا لتوضيح أن ما يعرفه الدكتور عن بروتوكولات رسائل الدكتوراة فى انجلترا أقل مما تعرفه "أم السعد" الطيبة الأصيلة عن مفاعلات الإندماج النووى.
سادسًا: أنقل مرة أخرى نصًا عن المقال المشار إليه سالفًا:
" وأثبت في دراسته أن الرياضة من أكثر العوامل التي تؤدي إلى التقارب والتعايش مع المسلمين".
جاء هذا فى اليوم التالي مباشرة للعقوبات الموقعة على مصر على خلفية مباراتها مع الجزائر – و الاثنتان دولتان مسلمتان – و ما نعلمه جميعًا عما نجم عن هذه المباراة من التناحر والتراشق، وتباعد من كانوا فى يوم من الأيام "أشقاء"؛ هذا ما نراه من دور الرياضة فى "التعايش مع الشقيق" فى الدول الإسلامية، فكيف بدورها فى "التعايش مع الآخر"؟ اعلان الحرب؟؟
فى الحقيقة إن كانت رسالته عبارة عن مثل هذه الإثباتات، فلا يهم حتى إن كان قد حصل عليها من "كامبريدج" أو "أوكسفورد"، و المعنى واضح.
سابعا: لا يوجد شئ اسمه الدكتوراة "بإمتياز مع مرتبة الشرف" فى جامعات انجلترا، فنظام تقدير الأبحاث العلمية يختلف جذريًا فى انجلترا عن مصر.
مرة ثانية يطبق الدكتور ما يعلمه عن مصر، ويصرّح بما يعلم أن المستمع المصرى سيلقى له أذنًا صاغية و يلقى منه قبولاً و استحسانًا.
أن الأستاذ "عمرو خالد" يطبق ما تعلمه من سطوع نجمه فى سماء الفضائيات، والشعبية التى وصل اليها، وذلك بأن يتقرب للآخر بما يحبه الآخر.
فقد بنى لنفسه قاعدة شعبية بين الشباب عندما خاض فى موضوع يهمهم و لا يجدون من يروى عطشهم إلى المعرفة عنه وهو الدين، فاستعمل لغتهم و تزيا بأزيائهم، ورفع عن نفسه عباءة "العالم" – و التى لازال غيره من شيوخ الإتجاه الجديد يحنّون لإستعمالها – فاقترب من نفوسهم، وأحبوه و صاروا يستمعون إليه.
هذا ما كان من علو مكانته بين الشباب، أما عن قدراته العلمية فقد وقع فى أخطاء تاريخية رهيبة، أذكر منها أحدثها إلى علمى فى قصصه التى نقلها عن القرآن و تناوله لقصة النبى موسى؛ لو كان هذا المستوى العلمى هو نفسه الذى طبقه للحصول على "الدكتوراة" لما قبلت بها أى جامعة معترف بها فى العالم.
وبإعتماد نفس الأسلوب، فقد اختار رأس موضوع يعرف أن له بريقاً عند الغربيين و قبولا عند الحاكمين، ورضا عند المحكومين، و اعتبره رسالة دكتوراة، بينما لما سبق من أسباب سقتها، لا يمكن أن يكون هذا بحثا علميًا يعتمد أسلوبًا منهجيًا متخصصًا، بل الأغلب أنه مجرد تجميع لحوارات بشكل أقرب للصحافة – و هذا واضح من المقال حيث ذكر "قام بإجراء مقابلات مع عينة الدراسة"، ولم يذكر اعتماده على الشريعة الإسلامية نفسها فى التوصل للنتائج التى جاء بها عن دور الرياضة!
أقصى ما يمكن أن تكونه هذه "الدكتوراة"، هى دراسة ميدانية فلسفية بحتة، أى مجرد استقصاء لرأى بعض الناس، وتنسيق هذا الرأى وجمعه على هذا الشكل لا يطرح قضية فقهية ولا عقيدة ولا لها أصل فى الدين، و لا لها مكان بين رسائل الدكتوراة الحقيقية، التى تعتمد المنهج العلمى التجريبى، ثم أنه ليس مكان الدراسة هو المهم، بقدر من هم الذين أشرفوا على الرسالة، و قد رأيتم صورهم سلفا؟؟؟؟
من كل ما سبق أجدنى "أستغرب" موضوع درجة الدكتوراة التى "تم منحها بامتياز مع مرتبة الشرف" للداعية "عمرو خالد"، و أكتفى بهذا الإستغراب إلى أن يثبت لى عكسه، أو ما يرفعه إلى مستوى الرفض – و الأمر فى التصديق أو التكذيب متروك للدليل.
فهل يتفضل علينا الدكتور "عمرو خالد" بتقديم البراهين على أصل الدرجة العلمية، ولو يزد من فضله أن يتفضل علينا بنسخة من بحثه القيم نثرى بها موقعنا؟ |