CET 00:00:00 - 31/05/2010

مساحة رأي

بقلم : نبيل المقدس
تصورت نفسي أني أعيش في دولة  "الولايات النيلية المتحدة ...   United States of Nile  U.S.N " وهي عبارة عن إتحاد فيدرالي لدول حوض النيل التسعة .... وبناء علي هذا التصور , أخذت بعضي إلي مطار القاهرة عاصمة بلد الأهرامات , قطعت تذكرة لأديس ابابا لكي ازور إبني الذي فَضّل العمل هناك عن شرق العوينات ... ومن حلاوة الرحلة أنها أنها خالية من تعب الحصول علي تأشيرات ... ولا حتي زهق إجتياز مكتب الجوازات ...  لقيت نفسي بعد ساعات ....

في أديس أبابا  إللي كانت عاصمة لأعظم الإمبراطوريات . زُرتُ بعدها منابع نيل مصر العظيم . نيل فيكتوريا , نيل ألبرت , النيل الأبيض , والنيل الأزرق , وأخذ فكري يتأمل في إحدي أعمال الله العظيمة , فقد وحد مجموعة الأنهار النيلية في نهر نيل واحد , ووضعهم جميعا علي سلم موسيقي واحد لكي تمتعنا بألحان متنوعة , مرة بأصوات زائير الشلالات , وبعدها بنغمة خرير المياه , ثم صوت انسياب النيل في بعض البلدان حتي أن الأحباب أتخذوا من ضفتيه مكانا لهم يتبادلون فيه أجمل عبارات الحب والآهــات . 

يُقال أن حياة الفرد تمر من خلال مراحل ثلاث... مرحلة الطفولة حيث الإتكال علي الوالدين ... مرحلة المراهقة والشباب حيث الإستقلالية ... وأخيرا مرحلة الإنسان الكامل حيث الإتكال او الإعتماد أو الشراكة المتبادلة كل مع أخيه الإنسان , وربما نسميها مرحلة النضوج , هذا بالنسبة للفرد . كذلك بالنسبة للشعوب عامة واختص بشعوب حوض نهر النيل .... فعليهم أن يتركوا مرحلة المراهقة او المرحلة الإستقلالية . فكل بلد تتباهي بإستقلاليتها فهي بلدة مراهقة وكل حماسها ينصب علي شعور غير إيجابي وخالي من الخبرة لتفيد شعبها...

علي التسع بلدان لحوض النيل من منابعها إلي مصباتها أن تصل إلي مرحلة الإعتماد المشترك الذي لم يتم إلا بإتحاد فيدرالي فيما بينهم ... ولا يسمحوا لبلدة أخري أن تشترك معهم ... لأن هناك شيء واحد يربط هذه البلدان التسع وهو النيــــل العظيم . فهو واهب الحياة لكل هذه البلدان .  هذه الفيدرالية لا تستهين أو تزدري بإستقلالية وحرية كل بلد محليا , ولا تدخل في ثقافتها أو تحاول محو تاريخها القديم , بل هي تكملة لهذه الإستقلالية في ظل الإتكال المشترك الذي يعمل علي سمو وعظمة كل بلد منفردة , وايضا عليهم أجمعين.

فلنتخذ من الدول الأوربية مثالا لنا ... فقد تم عمل وحدة فيما بينهم وهي وحدة إقتصادية كاملة ... حتي وصلوا ان لهم عملة موحدة لجميع الدول الأوربية ... لكن كل بلد لها استقلاليتها وحريتها وثقافتها وتاريخها العظيم ... هم إجتازوا مرحلة الإستقلالية المنفردة ولم يبقي إلا أن يبدأوا في المرحلة الثالثة وهي الوحدة أو الإتكال المشترك . وهناك الكثير من التجمعات حدثت بين مجموعات دول تربطهم مصالح خاصة فيما بينهم ...

وانا لا اقصد ان نقيم إتحاد فيدرالي كامل لدول حوض النيل علي شاكلة الولايات المتحدة الإمريكية .. بسبب أن من شروط هذا النظام أن كل دولة تكون اصلا متمتعة بالحرية الحقيقية , وأن يكون نظامها علماني , لا تفرق بين اسود وأبيض أو بين دين ودين أو طائفة وطائفة أخري . هل لدي دول حوض النيل هذا الشرط ؟؟؟ لا أظن !!! واولهم مصر ودولة السودان , حيث أن كل منهما لا ينطبق عليهما شروط العلمانية الحقيقية . كما أنهما دولتان عنصريتان يميلان إلي انتسابهما بأنهما من البلدان العربية ... وهذا ما سوف يعوق هذا الإتحاد .

انا لا افترض ابدا وجوب وجود هذا الإتحاد بل هذا  مجرد تصور وأحلام ... لكن كان علي الأقل أن تتنبه مصر التي كانت الرائدة منذ نصف قرن لهذا الأمر ... ولا تصمت معتمدة علي إبرام معاهدات مع دول حوض النيل , عندما كانت هذه الدول من الدول التي تعيش في الظلام ... وكان وقتها تفرح وتفتخر بأنهم جلسوا علي مائدة مفاوضات مع الزعيمة مصر وكانت تكتفي بهذا , وكانوا يوافقون بدون إدراك ووعي .  نامت مصر معتقدة ان هؤلاء الذين يعيشون في الظلام سوف لا يأتي اليوم ويتكاثروا ويتقدموا علميا وإجتماعيا ويزدهروا في جميع النواحي الحياتية حتي السياسية , فقد نبغوا فيها وبدأت تظهر نتائجها علي الساحة الدولية في الخمسين السنة الماضية تدريجياً...

وفي نفس الوقت بدأت مصر الزعيمة تجري وتلهث وراء شعوب مختلفة تماما عنها ولا تربطها معها اي منفعة , حتي وصل بها الحال أنها تمد ايديها لهم بعد ما كانوا هم الذين ترعاهم وتأتي لهم بالخير علي شكل فواكه وخضروات ومعلمين واطباء ومهندسين ... وبناء جامعات ... بالإضافة إلي أنها تستقبل شبابها لتعليمهم في جامعاتها ومعاهدها .

كان المفروض كل هذا المجهود يكون موجها لدول حوض النيل ... كان المفروض ان تراجع وتتبع المستوي التقدمي لهم أول باول , وتكون هي البادئه في تغيير المعاهدات ... كان عليها أن تعمل شراكة في جميع نواحي الحياة ... وخصوصا استقبالهم في جامعاتها ... فقد توجهت في إستقبال فقط الطلبة الإفريقيين والذين ينتسبون إلي الدول الأسلامية مثل جزر القُمر والصومال والسودان الشمالية و ونيجيريا بالإضافة إلي الدول الأفريقية والتي تنتمي إلي العنصر العربي

كان لزاما علي مصر أن تتقدم نحو البلدان التي تشترك معهم في النيل و وتُكوَن حلف تجاري أو تبادل تجاري بينها وبينهم ... كان من الواجب عليها أن تكون علي الإتصال بهم بإستمرار ليس من منطلق الكبرياء والتعالي عليهم , بحجة ان القانون الدولي معها والذي يحمي المعاهدة المبرمة بينها وبينهم .. بل من منطلق أنها مصر الأم ... !!

هناك مشاريع هائلة وكثيرة ومتنوعة كان المفترض علي مصر التقدم بها قبل أن تدخل بلدة أخري من خارج الكيان الأفريقي وتقوم هي بعمل هذه الصفقات ... كفي لو كانت مصر تعاملت مع هذه الدول في التبادل السياحي , كفي لو أقمنا دورات أولومبية  في جميع الألعاب الرياضية خاصة بدول حوض النيل ... كفي لو اقامت مصر علي اراضيهم مصانع طبقا لإحتياجات السوق الخاصة بهم .

علينا أن نعترف أن مصر أهملت دبلوماسيا وسياسيا في كيفية التعامل مع أكثر الدول أفريقية نفعا لمصر....!!!
اخيرا أعتذر هلي هذا التصور الذي تصورته بانني اعيش في " ولايات النيل المتحدة " من اصل مصري افريقي , وأن العملة التي استخدمتها هي الجنيـــه النيلـــي ....... خسارة فقد إاتضح انه مزوووور !!!!  

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٣ صوت عدد التعليقات: ١٤ تعليق