CET 00:00:00 - 02/06/2010

مساحة رأي

بقلم: د. عبد الخالق حسين
من الحقائق التاريخية المعروفة أنه لم يكن للعرب، ناهيك عن الشعب الفلسطيني، أي دور في اضطهاد اليهود في أوربا عبر قرون، هذا الاضطهاد الذي بلغ أوجه على يد النازية الألمانية  بقيادة هتلر إبان الحرب العالمية الثانية، والذي استغلته الحركة الصهيونية أبشع استغلال لتبرير اغتصاب بلاد أخرى هي فلسطين، وتأسيس الدولة العبرية على أراضيها، واضطهاد شعبها وطرده من أراضيه، وتشريده في الشتات. فمنذ الثلاثينات من القرن العشرين والشعب الفلسطيني يتعرض باستمرار إلى القتل والتشريد على أيدي الصهاينة.

لا نريد هنا أن نستعرض سلسلة الجرائم الإرهابية البشعة التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل منذ مذابح دير ياسين إلى حادثة اسطول الحرية، فهذه الجرائم باتت معروفة للعالم كله، ولكن الملاحظ أن إسرائيل اتبعت مع الفلسطينيين نفس النهج العنصري البغيض الذي اتبعته النازية الألمانية مع اليهود في أوربا. وهذه مفارقة، فبدلاً من أن توجه إسرائيل نقمتها ضد من اضطهدوا شعبها في الغرب، راحت تنتقم من شعب بريء لم يكن له أي دور في إلحاق أي أذى باليهود عبر التاريخ.

ونظراً لما تتمتع به إسرائيل من إمكانيات مالية وإعلامية وسياسية فائقة في العالم، لذلك نجحت لعشرات السنين في كسب الرأي العام العالمي إلى جانبها، وإعلان نفسها بأنها الضحية، وأنها واحة الديمقراطية محاطة بصحارى الأنظمة العربية المستبدة، وأنها الحمل الوديع تواجه خطر الإبادة من الدول العربية. ولكن مع الزمن، وتزايد جرائم إسرائيل، بدأت الحقيقة تتكشف للعالم أكثر فأكثر، وما العملية العسكرية التي نفذتها القوات الإسرائيلية فجر الاثنين ضد إسطول قافلة الحرية إلا الجزء المرئي من الجبل الجليدي في سلوك إسرائيل الإجرامي إزاء الشعب الفلسطيني، وهي قرصنة بكل معنى الكلمة حيث راحت ضحيتها العشرات من الأبرياء بين شهيد وجريح من شتى الجنسيات المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني في غزة.

لم يكن لإسرائيل أية حجة شرعية للتعرض لسفن اسطول الحرية، إذ كانت هذه السفن تمخر في المياه الدولية في البحر المتوسط في طريقها إلى غزة، ولم تحمل أسلحة، بل كل ما فيها من حمولة هي مواد غذائية، ومواد بناء، وأدوية للمرضى من سكان غزة، كذلك كان على ظهر هذه السفن نحو 700 ناشط في حقوق الإنسان من مختلف المنظمات الخيرية والإنسانية في العالم، من بينهم أعضاء في البرلمان الأوربي، بل وحتى سفير أمريكي سابق، كحملة رمزية وسلمية للتعبير عن التضامن العالمي مع أهل غزة، وكسر طوق الحصار الظالم الذي فرضته إسرائيل على هؤلاء الناس الأبرياء منذ سنوات.

إذ كما أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أن اسطول الحرية "تم تفتيشه بشكل صارم (قبل إقلاعها من ميناء في قبرص) ولم يكن يحمل أي شيء آخر غير المساعدة الإنسانية ومتطوعين مدنيين... وكان هناك أيضا علم أبيض على هذه السفن خلال الهجوم... ولم يكن هناك أي راكب مسلح على متن سفن "أسطول الحرية" لذلك وصف أردوغان الهجوم الإسرائيلي بأنه "إرهاب دولة لا إنساني".

لم يكن لإسرائيل أي عذر أو مبرر لضرب هذه السفن، ولذلك لجأ المتحدث الرسمي للحكومة الإسرائيلية لتبرير الجريمة، إلى أكاذيب مضحكة لا يصدقها كل ذي عقل سليم، مثل قوله أن بعض المدنيين انتزعوا السلاح من الكوماندوز الإسرائيليين وبدؤوا بالرمي عليهم مما اضطر الجنود الدفاع عن أنفسهم!!. فكيف يمكن لمدنيين عزل أن ينتزعوا السلاح من كوماندوز محترفين ومجددين بالسلاح؟

وهكذا فقد كشفت إسرائيل عن وجهها الحقيقي كدولة إرهابية متلبسة برداء الديمقراطية المزيفة، فالدولة الديمقراطية الحقيقية لا تصادر حرية شعب آخر، ولا يمكن أن ترتكب جرائم ضد الإنسانية وبهذا الحجم المريع. ولذلك فقد قامت إسرائيل بتمريغ سمعتها في الوحل، وبدأ العالم ينتبه ولو متأخراً، إلى جرائمها، وإلى حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. فهاهو معظم أعضاء مجلس الأمن ساخطون على سلوك إسرائيل، وقد توصلوا إلى صيغة بيان، ولو صيغة مخففة مع الأسف، يطالبون فيه إسرائيل برفع الحصار الذي فرضته على غزة، إذ المطلوب هو إدانة سلوك إسرائيل بأشد لهجة، وليس الاكتفاء برفع الحصار عن القطاع فقط.

لا شك أن السلوك الإسرائيلي الغاشم بالهجوم على اسطول الحرية يصب في خدمة حماس وكل المتطرفين في المنطقة من أمثال النظامين: الإيراني والسوري، وعزل المعتدلين الراغبين في إيجاد حل عادل وشامل للمحنة الفلسطينية، وللصراع العربي- الإسرائيلي، وبالأخص لضرب منظمة فتح وحكومة الرئيس محمود عباس. وهذا دليل على أن إسرائيل لا تريد حل هذا الصراع، بل تريد إبقاء دول المنطقة مرتعاً للمتطرفين ولمنظمات الإرهاب مثل القاعدة التي تتخذ من القضية الفلسطينية مبرراً لمواصلة إرهابها وعدم الاستقرار في المنطقة.

خلاصة القول، إن إسرائيل ومنذ تأسيسها، تبنت نهج النازية الألمانية الهتلرية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وبجريمتها الأخيرة ضد أسطول الحرية أثبتت أنها لا تريد حل الصراع العربي-الإسرائيلي. لذلك فالمطلوب من أحرار العالم في كل مكان، الوقوف صفاً واحداً ضد النازية الصهيونية الإسرائيلية وإدانتها بكل قوة، وحث المجتمع الدولي على تبني سياسات رادعة ضد الدولة العبرية العنصرية، وإلا سيصبح عالمنا أشبه بغابة تجتاحها الوحوش الكاسرة من أمثال إسرائيل والمتطرفين ومنظمات الإرهاب، يكون فيه البقاء للأقوى والأكثر همجية ووحشية، وليس للإنسانية المتحضرة.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق