CET 08:44:09 - 07/06/2010

مساحة رأي

بقلم: د.صبري فوزي جوهرة
تستعيد الايام الاولى من شهر يونيو من كل عام  احداثا حزينة مؤلمة لذاكرتى. فما من احد من ابناء جيلى الا و تركت هذه الايام من عام 1967 ندبة عميقة فى وجدانه.  ما زال الوقع الكارثى لهذه الايام يؤثر فى حاضر مصر و ما يحيطها من الشعوب و البلاد البائسة  الى الان, و سيمتد هذا الوقع الى مدى بعيد يلقى بظلاله الكثيفة على مستقبل المنطقة و يعرقل جهود السلام فى العالم باسره. فمن المؤكد ان ظهور الاسلام السياسى و ارهابه انما يرجع الى الفشل المزرى الذى لاقته امة كانت, ومازال البعض منها يعتقد, انها خير ما اخرج للناس.  ترجع كارثة 5 يونيو عام 1967 فى نظرى الى رغبة غير مفهومة, و بطبيعة الحال لا داعى لها, فى ايذاء الذات         self inflicted injury        ربما لم   ترتقى بعد الى مستوى الوعى العام  فى بلادنا. فعلى سبيل المثال هددنا الولايات المتحدة بينما كنا نستجدى منها قمح  الخبز لجيشنا و شعبنا و القينا اليها بالقفاز تحديا و داعين اياها لشرب ماء البحر الاحمر ان لم تكتفى بالبحر المتوسط, و كانت النتيجة المحتمة هى اننا اصبحنا نحن نشرب مياه المجارى فعلا و ليس مجازا  ناهيك عن معارك الحصول على رغيف العيش. شعوب بائسة يسوقها "زعماء"  من هزيمة الى اخرى فى تتابع مؤكد دون التعرف على اصول الداء وهو الاصرار على الحاق اكبر ضرر ممكن بالذات.

مازالت الغمامة على الاعين, و ما زالت الدولة المتهالكة المتصابية طامعة فى ابدية السيطرة على مستقبل البلاد و حاضرها. تكيف الدساتير حسب الهوى و تسيس القضاء بما يعزز قبضتها على السلطة. و بالرغم مما يقال احيانا علنا من قبيل "الحكمة السياسية" فليس هناك بين المصريين من يعتقد او يثق حقا فى نزاهة القضاء المصرى . فساد القضاء ووقوعه فريسة للرغبات وتطويعة  لظروف بعينها لصالح السلطة و استجداء رضاء المشاكسين الاقوياء الطامعين فى كراسيها هو آخر و اقوى و اخطر علامات انهيار الدولة. تبنى القضاء لمشروعات محددة و تغاضيه عن روح القانون واحلال العدل القائم على المنطق هو ما رايناه فى محاولة اجبار البابا البطريرك على "تزويج المطلقين" حسب احكام  محكمة.  فاذا كان من المعلوم ان احكام القضاء العالى لها وضع القانون, واذا كان من المعلوم ايضا ان القانون المجحف يدعو الى احتقاره و تجاهله ومن ثمة  المساس بهيبة القضاء, كان من المحتم ان يكون هذا هو مصيرالحكم  الصادر بالزام الكنيسة القبطية الارثوذكسية بزواج المطلقين. لن ترضخ الكنيسة لهذا الحكم. كان من الاجدر بالمحكمه الا تقع فى نمط ايذاء الذات باصدارها مثل هذا القرار. لن تستطيع قوة ان تلزم الجالس على الكرسى المرقسى ان يخالف تعاليم المسيح الواضحة غير المنسوخة او المعدلة باحاديث او اجتهادات او تفاسير.

من جهة اخرى لن تستطيع قوة على الارض المساس برأس كنيسة مصر. انتهى عهد الرئيس المؤمن, و زمن كان الاقباط فيه لقمة سائغة يبتلعها المغامرون و طالبى الشهرة و المجد الارضى مع رئاستهم الدينية. لن تكون هناك اعادة لمهزلة و تمثيل المؤمن. و ان استساغ احدهم الامر فلن يجنى سوى المزيد من ايذاء الذات. دعنى اقولها بوضوح لا لبس فيه:  لقد مضى عام 1981 و نحن الان فى عام 2010. لقد كف الاقباط عن الصمت, و تبين لهم انهم فى عصر ثان للشهداء  تهدر فيه دمائهم بلا عقاب للقتلة, يدفعون فيه ما لا يقدر بثمن دون مقابل, فما بالكم ان كان هناك ثمار ارضيه للشهادة هى الحفاظ على عقيدتهم وكنيستهم و كرامة رئاستها؟

مثال اخر على الاصرار على ايذاء الذات هو التأجيل و التسويف فى احكام اخرى بالرغم من حتمية التاريخ و السلوك الانسانى المتحضر و الظن بامكان ايقاف عجلة الزمان او اعادتها لايام مظلمة لن تعود. و اليكم الاتى:

1.    قضية مذبحة نجع حمادى: القتلة معروفون و الادلة لا شك فيها, فعلام المماطلة؟ لن يجدى "التسويف" شيئا سوى تصاعد احتمالات كشف من هم وراء المذبحة ممن ما زالوا فى السلطة.
و هنا اعرض على اولياء الامردرسا من التاريخ: فبعد ايام قلبلة جدا من اغتيال الرئيس الامريكى جون كنيدى ارسل مستر روبى المصاب بسرطان قاتل انهى حياته بعد ايام (موته طبيعى) لاغتيال قاتل الرئيس المدعو لى هارفى اوزوالد. و بموت القاتلين اصبح الحديث عن اسباب الاغتيال بعد اختفاء مرتكب الجريمة مجرد "نظريات"  وتحقيقات مبتسرة لا تؤدى الى حقائقيوثق بها! الدرس المستفاد للسلطة هنا هو: اسرعوا فى الانتهاء من محاكمة عادلة و اعدام القتلة المجرمين حيث ان فى بقائهم على قيد الحياة ما "سيجر" ورائه المحرضين من اكابر القوم و دعائم السلطة المتهاوية. و المفروض ان  تظهر هذه "الاكتشافات" فضائح بجلاجل تسقط اقوى الحكومات فى بلاد الناس اللى بحقيقى.

2.    قضية جرجس بارومى بفرشوط: هى وصمة عار فى جبين القضاء المصرى. حيث اجبر السيد القاضى على التخلى عن القضية. فهل كان ذلك لان ضميره قد ايقظه عندما امر مسبقا باصدار حكم بعقاب انسان برىء؟ ام ان ذكائه و "العوبيته" لم تستطع "تلفيق" حيثيات حكم ظالم لا "حيثية" له, فقال لروحه يا عم اطلع من اللعبة دى احسن تغلط غلطه  تيجى على دماغك ؟ 

3.    قضايا "المرتدين" عن الاسلام الذين يمارسون المسيحية فعلا و عقلا و قلبا. عايزين تعملوا فيهم ايه؟ اليست حرية المعتقدات مكفولة بالدستور, حتى الدستور المهلهل الذى بين ايديكم الان؟ سيبوهم يعبدوا ربهم كيفما شاؤا. دعوهم يتركون البلاد اذا ارادوا, و طبعا اول ما يفكوا سيكونوا من ضيوف الاب الموقر زكريا بطرس. و كلما ازداد تحرشكم و ظلمكم كلما "احلوت قعدة ابونا زكريا!"

4.    لقد فشلت المحاكم فى اجبار السيد بوب العادلى على اصدار وثائق ثبوتيه للعائدين الى المسيحية بعد رحلة غير موفقة الى الاسلام و ذلك بالرغم من صدور احكام تلزم دولته بالاعتراف بمسيحيتهم فى وثائق جديدة, حتى لو كانت "بشرطة" زى اوتوبيس 9  (او هو 1) بتاع قصر العينى على ايامى!  فلماذا البكاء على تجاهل البابا البطريرك لاحكام مشبوهه بينما لم يمس احد من هو اقل منه قدرا و قامة عندما اتخذ ذات الموقف؟

5.    و مأساة اندرو و ماريو اول شمامسة مسلمين فى تاريخ امة لا اله الا الله.

كان ما سبق مجرد "عينات" من تفنن دولتنا الرشيدة فى الحاق اكبرضرر ممكن بذاتها السامية. فهل من متبرع لوجه الله و حب الوطن  من الزملاء الاعزاء اطباء الامراض النفسية يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه من نفس هذا الدولة المعذبة, ليس من قبيل الشفقة عليها فهى ليست جديرة بها, بل رحمة بضحاياها من عباد الله الذين يعانون من مرضها و لا حول لهم و لا قوة.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق