CET 00:00:00 - 18/04/2009

مساحة رأي

بقلم: د. رأفت فهيم جندي
في مارس عام 1979 وقع السادات مع مناحم بيجن باشتراك جيمي كارتر معاهدة كامب ديفيد التي أنهت عداوة وحروب بدأت بين مصر وإسرائيل منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، ثلاثون عاماً مرت على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فماذا حدث خلالها؟
السادات حل لمصر مشكلة كبيرة كانت تستنفذ شبابها وطاقاتها, ولكنه وضع مصر أيضاً في مأزق أكبر ينخر في عظامها من الداخل، الكل كان ينتظر من مصر أن تعود إلى زهرة شبابها بعد أن انتهى كابوس الحروب التي خيم عليها، ولقد كانت إسرائيل بالحقيقة تخشى من ترك مصر في حالة سلام لكى لا تزدهر إقتصادياً وثقافياً وتبتلعهم، ولكننا خيبنا ظنهم..

فسرعان ما عبر الجراد والذباب البحر الأحمر قادماً لمصر, فاحتلت القباقيب والجلاليب وافتراش الأرض الدوائر الحكومية لكى يعودوا بمصر القهقري لأكثر من ألف سنة، تبدل الحديث في المقاهى من أدب وشعر وثقافة وتحول بين حجاب ونقاب ودخول الحمام بالرجل الشمال أم اليمين، بعد أن كنّا ندرس اتيكيت الموائد صاروا يأكلون الأرز بالأصابع وينادون بشرب بول البعير واستثمار جناحي الذبابة، الصناعة الوحيدة التي ازدهرت كانت صناعة الحجاب لقسم الشارع المصري قسمين، دخل الدولار إلى مصر من باب وخرجت الأمانة والنزاهة من الباب الآخر، تخلصت مصر من زائر الفجر, وصار بعدها هناك زائر في كل أوقات النهار وليس الفجر فقط وبأنياب الديمقراطية ومخالب القانون كما كان يقول, ولكن من حفر حفرة وقع فيها, ونشبت رجليه وكل جسده بالفخ الذي نصبه.

وبعد أن كان الإعتداء على الكنائس ظاهرة قليلة صارت بالجملة, وبعد أن كان البوليس يغض الطرف عن جرائم الإعتداء على الأقباط صار أيضاً مدبراً لها في الكشح، قضاء مصر أيضاً لم يفلت من قبضتهم وتكررت مسرحية قاضي العدل الفكاهية مرات عديدة, ولأول مرة في تاريخ مصر يُحكم على كاهن بالسجن بسبب جريمة لم يرتكبها, زادت مديونية مصر بالرغم من المعونات الأمريكية ولأول مرة نسمع في مصر الحديثة عن موت أفراد في طوابير الخبز، صار شيوخ الفتاوى المضحكة هم نجوم البرامج التلفزيونية، صارت جوائز الدولة تُعطى لمن يتهم الأقباط زوراً كما في رواية عزازيل، بضعة بهائيين لا يستطيعون العيش بسلام في مصر ويفقدوهم أبسط حقوق المواطنة بل يُحرض على قتلهم في التلفزيون والجرائد ويحرق الغوغائيون بيوتهم والبوليس يكتفي بالفرجة وفرك الأيدى للتدفئة بهذه النار، المستوى الخلقي وصل لرفع الجزم في مجلس الشعب ونائب يشك أن تليفونه المحمول قد سُرق وهو في مجلس الشعب, وبالرغم من كل ذلك يصرخون ويقولون وهم يصدقون أنفسهم أن أقباط المهجر يشوهون سمعة مصر.

والذي أقام لعازر من قبضة الموت بعد أن انتن في القبر يستطيع أن يقيم مصر الحبيبة من قبضتهم, ولقد استمرت الوثنية في مصر خمسة آلاف سنة وانقضت أيضاً، تهانينا لكل من يحتفل بالذي بالموت داس شوكة الموت وأعطانا الحياة، ولنصلي أيضاً جميعنا من أجل مصرنا.
رئيس تحرير جريدة الأهرام الكندية
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق