بقلم: نبيل المقدس
تكشف الأيام الكثير من الحقائق التي تكون مغمورة في نفوس الكثير من الذين يتشدقون بالعلمانية , ويهللون لها , ويكتبون المقالات التي تدل علي أنهم يريدون تطبيق العلمانية في بلادنا , حيث هي الملاذ الوحيد أو الحل الفريد في إقامة دولة مدنية قائمة علي أسس المساواة بين عناصر الأمة وفصل الدين عن الدولة ... إلخ , حتي آخر التعبيرات الرنانة والجذابة عن الحياة العلمانية ... لكن هذا في الظاهر فقط و وربما يتشدقون بها من أجل خدمة نواحي معينة تخصهم .... حتي لو كان علي حساب عقيدة الأقلية .
فقد قرأت مؤخرا مقالا للدكتور خالد منتصر في عموده الأسبوعي " خارج النص " في جريدة المصري اليوم بتاريخ 7 - 6 - 2010 العدد رقم 2185 تحت عنوان السبت من أجل الإنسان . ويبدأ المقال بان القبطي ( المسيحي) الذي يصفق للبابا شنودة في معركته مع القضاء المصري حول حكم الطلاق هو لا يدري انه يصفق لتكريس الدولة الدينية , وللأسف سينتهي تصفيقه بلطم علي الخدود لأنه يستدعي الدولة الدينية , ويستدعي معها في الوقت نفسه علي الشاطيء الاخر الدولة الدينية الإسلامية التي سيكون من حقها أن تفرض مفاهيمها وتفسيراتها الخاصة من غير المسلمين وايضا المسلمين غير المتفقين مع تفسيراتها وهنا ستأكل نار الطائفية الأخضر واليابس .
من قال ان هذا الحكم لو تم تطبيقه انه سوف لا يأكل الأخضر واليابس ؟؟؟ بل العكس , فهذا الحكم هو الشعرة التي قسمت ظهر البعير . كذلك ... المؤسسات الدينية جميعها بجميع طوائفها لا يهمها أو لا تضع في فكرها نوعية نظام الحكم ... لكن شغلها الشاغل فقط هو الحفاظ علي مقدسات كلمة الله والتي جاءت في كتابنا المقدس . وكما يحدث في المؤسسات الدينية الإسلامية بأنها تحافظ علي اساسيات ديانتها فلماذا تبخل علي المؤسسات الخاصة للحياة المسيحية بأن تقوم بواجبها ايضا . كما ما دخل السياسة بالدين , حيث أن اول مفاهيم العلمانية هو ان كل شخص له دين يعتنقه , ولا تتدخل الدولة في نوعية هذا الدين . لكن ليس معني هذا أن الدولة تتدخل في تغيير معتقدات الأديان , وبالأخص دين الأقلية عن طريق احكام قضائية ... قمة الإستفزاز ...!!
الحياة المسيحية هي اول من نادت بالعلمانية الصحيحة بعد تجربة تطبيق سياسة الدين في اوربا في القرون الوسطي ... وانتقل هذا الفكر اخيرا كمحاولات في البلاد العربية , وحتي الآن لم تستطيع اي دولة عربية تدين بالإسلام تطبيقها , وان طبقتها فهي تُطبق جزءا بسيطا لأن تطبيقها سوف تتباين مع كثير من نصوص كتابهم , وهي فقط تجتهد في اضيق الحدود لكي تُظهر للعالم أنها من البلدان المتطورة فكرية وسياسية . هل تري سيادتكم أن الحكم الذي اصدرته المحكمة الإدارية العليا هو يجعلنا ننجرف وراء العلمانية , وانه علينا لكي ننول ونحظي بالسياسة العلمانية علينا ان نلوي آياتنا وكلمات الوحي الإلهي علي حساب ان نحيا حياة الخطية و كسر وصايا الله. ؟؟؟ .
لماذا تصبح العلمانية والتي فعلا فيها حلول كثيرة لنا , تكون علي حساب معتقداتنا فقط ؟؟؟ لماذا لا يكون علي حساب الديانة الإسلامية ايضا , حيث تقوم شريعتكم بسماح زواج المسلمة بمسيحي بدون ان يبدل دينه ؟؟؟ . إذ كانت شروط العلمانية التي نسعي وراءها علي حساب قدسيات اي ديانة , فليس لها داعي . !!! ونحن في غني عنها ..!! .
احب ان اعرف الدكتور خالد منتصر , كما يحدث في الإسلام ان لا قوة تستطيع حزف او زحزحة نص مما هو مكتوب لدي كتابكم وأحاديثكم , حتي ولو كان النص غير منطقي ولا يلائم او يجاري الحياة التي تتغير يوميا من حال إلي حال ... نحن ايضا لا يستطيع اكبر رتبة دينية ان يقوم أيضا بتغيير نصا واحدا من كتابنا ... بل العكس فواصايا الإنجيل الخاص بنا يجاري جميع متغيرات الحياة ... ويتماشي مع اي عصر من العصور ... كما تلاحظ أن حياتنا المسيحية أعطت الحرية لكل شخص أن يتصرف بما يكمن في ضميره ... فنحن لا نحجر علي أحد أن يذهب خارج الكنيسة ويقوم بعمليات الطلاق والزواج الثاني مدنيا ... نحن لا نكفره , ولا ندينه , ولا نعايره , ولا نقتله , ولا نحبسه , ولا ننفيه و لانحجر عليه حتي ولو بدل دينه .... كل ما تعمله الكنيسة مع شعبها أن ترفع صلاة طلب الغفران له .
جميع المسيحيين بإختلاف مؤسساتها تسعي إلي العلمانية , بل تريد أن تمنع تدخل السياسة بالدين لأن هذا الفكر هو اساس المسيحية وهي اول من نادت به , حيث أوصانا الرب " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " متي 22 : 21 .. بهذه الوصية تضع المسيحية أحد المباديء الهامة ولأول مرة في تاريخ البشرية , عن حق الله وحق الإنسان في حياته السياسية ... فالمسيحي يحمل في قلبه الولاء لوطنه الأرضي , ووطنه السماوي ... فهو مواطن في دولته الأرضية ومدين لها بالكثير ... فسلامته وأمنه المفروض ترعاهما الدولة من العابثين , غير الخدمات التي يتلقاها من الدولة بشرط ان تكون متساوية مع من يعيش معه او ما يُقال عنهم الأغلبية والمختلفة معه في الفكر او الطائفة أو الديانة .
لذلك نحن المسيحيين نراعي دائما بأن نكون مواطنين صالحين نتحمل المسئولية .. لأنه لو فشلنا أن نكون صالحين للوطن نُعتبر فاشلين في ادائنا الواجب المسيحي. وفي الوقت نفسه , فالمسيحيين لهم وطن سماوي حيث هناك امور تتعلق بالضمير والمباديء المسيحية وعقائدها , فهو مسئول عنها أمام الله . فالولاء المسيحي لا يتعارض مع ولائه لله , وهذا هو هدفنا ... لكن إذا حدث واقتنع المسيحي أن امرا ما يخالف عقيدته ولا يستريح له ضميره فمن واجبه أن يرفض عمله . كما في حالة الطلاق والزواج الثاني .
سيادتكم اعطيت النصيحة فقط للفئة المسيحية ... هل تستطيع أن تعطي نفس النصيحة للأخوة المسلمين ...؟؟ لا تستطيع ..! هل تستطيع ان تطالب حكومتك بحرية الأديان وان علي الحكومة اعطاء الحرية لكل من يتنصر ... لا أظن .
تقول سيادتكم .. لم تتقدم اوربا إلا بالتمرد علي الفهم الحرفي للنصوص وبناء الدولة المدنية التي اساسها المواطنة واحترام القانون . لكن من جعلهم يتحررون من تقييد الحرف ... هم بأنفسهم وليس بغزاة جاء عليهم وحرروهم من هذا التقييد الحرفي ... ولولا تمسكهم بالمسيحية التي تنادي بالتحرر الفكري لما تحرروا من الحرف , كل ما هنالك أن بعض من رجال الدين والملوك استغلوا الحياة المسيحية وشددوا علي الحرف للحصول علي منافع لهم فقط. تعالي بنا إلي الشاطيء الثاني حسب تعبيرك في المقال وتقصد بهم اخوتنا المسلمين ... الم يزالوا متمسكين بالحرف منذ 1500 سنة ... قل لنا مثالا أو دليلا علي تحررهم من حرف واحد . بل بالعكس نحن نجد ان كل يوم يتقهقرون إلي الخلف حتي وصلوا إلي التحجب والنقاب وأسلمة كل الأمور الحياتية ... لدرجة ان الكثير من إخوتنا المسلمين يقرأون آيات معينة عند صعودهم اي وسيلة مواصلات .
بإختصار لم تتوفق يا دكتور خالد منتصر في مقالك هذا ... ولأول مرة عندما قرأته .. أخذت اقرأ من كاتبه ؟ عدة مرات لأنني لم اصدق ان كاتبا مثلك له من المقالات السوية الكثير يقع في هذا الخطأ او اللبس .
نحن مطالبون وبنص الانجيل ان ندافع عن انفسنا وعن اسرنا وعن مصالحنا الوطنية والدينية وعن مقدساتنا بدولة تدوس عليها باقدام رجال الوهابية يوميا فى لوثة مرضية لاسلمة الماء والهواء والتعليم و البشر والدواب و الاعلام والجامعات والجيش والشرطة والخارجية و كل ما تصل اليه ايديهم مستخدمين بل متمسكين بحرفية كتابهم ...!! وفي نفس الوقت متمسكون بالعلمانية لأنها فكر مسيحي اولا ...!
أرجو يادكتور خالد منتصر أن تتحمل ما كتبته , ولكم أسفي الشديد , فواجبي الوطني والديني يلزمانني أن اكتب لك. |