CET 00:00:00 - 10/06/2010

مساحة رأي

بقلم: جرجس بشرى
أطاح الحُكم الصادر مؤخرًا عن المحكمة الإدارية العُليا بإلزام الكنيسة المصرية بالزواج الثاني، بكثير من الأقنعة التي كان يتستر ورائها كثير من المُدافعين عن حقوق الأقباط، والمواطنة، والدولية المدنية. حيث رأينا بأم أعيننا هجومًا غير مسبوق على الكنيسة القبطية الإرثوذكسية، وعلى قداسة البابا "شنودة الثالث"، الذي رفض الحكم الصادر عن المحكمة جملة وتفصيلاًً، مؤكدًا أنه لا يقبل أحكامًا ضد الإنجيل، ولا تلزمه سوى تعاليم الإنجيل المقدس.

 الغريب أن بعض الأقلام اعتبرت الكنيسة في رفضها لهذا الحكم  تعرقل قيام الدولة المدنية، وتهدم المواطنة، وتكرس فكرة الدولة الدينية، وتعُارض أحكام   القضاء.

 وهناك من تساءلوا: كيف يصر البابا على تطبيق الشريعة المسيحية ويغضب عندما  يطالب الإخوان بتطبيق الشريعة؟ ولقد أفرز هذا الحُكم - في رأيي- إلى السطح مصطلحات غريبة تساوي بين الأقبطة والتأسلم!، في محاولة بائسة  للمساواة بينهما، مع أن"الأقبطة" شئ غير معيب،  ويؤكد على هوية مصر الحضارية والتاريخية، أما التأسلم فهو الذي أوصل دول العالم العربي والإسلامي إلى هوة عميقة من التطرف، وجعل الذهنية الغربية تربط  ( ذهنيَاً)، وبشكل مباشر بين الإسلام  المُعتدل والإرهاب، فيا ليت مصر تتأقبط كلها، لأن الأقبطة تختلف مطلقًا عن الأسلمة، كما انها ليست هى "الأمسحة"، ولكنها تؤكد على الهوية المصرية الخالصة لمصر!

أما الأسلمة أو التأسلم، فإنهما يشيران  إلى صبغ "مصر" بصبغة دينية إسلامية، واقتصار هويتها الدينية على دين واحد فقط.

 أما أولئك الذين تساءلوا - وما زالوا- عن  لماذا يُصر البابا على إقرار الشريعة المسيحية، ويغضب  عندما يطالب الإخوان بتطبيق الشريعة الإسلامية؟ فأنهم قد تناسوا أن الإسلام هو دين الدولة والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر! وهذا معناه أن الشريعة تطبق في "مصر" على الجميع، وأي قرارات أو سياسات أو قوانين تتنافى مع الشريعة الإسلامية فلا يمكن إقرارها أو الموافقة عليها بأي حال من الأحوال. وليس هذا رأيي بل هو رأي الدكتور "مفيد شهاب نفسه"- وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية - عندما أعلنها بأعلى صوت في البرلمان المصري عند مناقشة قانون الطفل بقوله: " ... ومن الضروري أن لا نُقِر أي نص فيه أي خروج على أحكام الشريعة الإسلامية...إحنا عندنا حُكم دستوري أسمى من أي قانون .. مادة ( 2 ) .. مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ومن الطبيعي ونحن نناقش إذا تبين أن هناك أي نص فيه خروج على أحكام الشريعة الإسلامية فيجب أن لا نوافق عليه بأي حال من الأحوال!!

 فإذا كانت الدولة نفسها  بكل سُلطاتها لا تقر ولا توافق على أي نص فيه خروج على أحكام الشريعة الإسلامية، فمن حق الكنيسة كمؤسسة دينية روحية أن لا تقر هي الأخرى ولا توافق أبدًا  على أي نص فيه خروج على أحكام الشريعة المسيحية والكتاب المقدس. فواجبها الديني يحتم عليها هذا.

 وبالتالي فإن الحكم الصادر مؤخرًا عن المحكمة بإلزام الكنيسة الأرثوذكسية بالزواج الثاني  يحمل تحريضًا مباشرًا من القضاء لمخالفة تعاليم الإنجيل المقدس، وأستطيع أن أقول أنه ضد السلام الإجتماعي، لأنه سيخلق مزيدًا من التوتر والإحتقان  الديني بين  الغالبية العظمى من أبناء الكنيسة، خاصة وأن  الكاهن الذي لا ينفذ  الحُكم سيتم سجنه وإذا نفّذه سيتم  شلحه، ولا يوجد خيار ثالث!

 إن موجة الغضب القبطي ستكون مرشحة للتزايد في الفترات المُقبلة؛ بسبب هذا الحُكم الظالم، إذا لم يتدخل الرئيس مبارك شخصيًا بما يمتلكه من صلاحيات دستورية وسلطات واسعة،  وبصفته الرئيس الأعلى له.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق