أقدم أحد أشهر البنوك في العالم واسمه «سيتي غروب» على طرد موظفة تعمل لديه لأنه وجد - حسب قوله - أن جمالها الأنثوي الشديد وارتداءها لتنانير وكعوب عالية وبزات ضيقة صار يشتت انتباه الموظفين الذكور. وبحسب محامية الموظفة المطرودة فإن المسؤولين في البنك قد «اضطروا إلى وضعها في مكتب منعزل لكثرة شكاوى التحرش التي تقدمت بها الموظفة، ثم طردت بعد شهر واحد من ذلك».
عندما قرأت هذا الخبر، الذي بثته إحدى وكالات الأنباء الأسبوع الحالي، تذكرت أن معرفة معايير الزي أمر مهم للموظفين، لتفادي الدخول في مواجهة مع الإدارة، مثلما حدث مع المذيعات الخمس في قناة «الجزيرة» عندما قررن الاستقالة بعد معرفتهن لمعايير اللباس والمكياج التي ستطبق عليهن، والتي بررها أحد المسؤولين بأنها تتماشى مع ما تطبقه قناة «C.N.N» الإخبارية و«B.B.C» البريطانية.
بعد قراءة هذين الخبرين وجدت تفسيرا منطقيا لردة فعل زملائي الأميركيين الذين كانوا معي في رحلة عمل إلى إسطنبول، حيث كنا واقفين أمام مصعد كهربائي، في بهو إحدى البنايات الشهيرة بالحي المالي هناك، ولما فُتح باب المصعد خرجت مجموعة من الموظفات بملابس لفتت انتباه كل من كان في البهو يتبعهن شذى عطور نسائية فواحة وأصوات كعوب عالية، أحدثت جلبة في رواق المبنى، فسألت الزملاء الأميركيين: ما الذي أثار استغرابكم؟ فقالوا هذه ملابس «فاضحة جدا» Too Revealing، وأضاف أحدهم قائلا: «إنني عملت نحو 19 عاما في نيويورك وأتردد على معظم الأحياء المالية في أميركا، على مدار العام، لكنني لم أجد نساء يرتدين هذه الملابس في العمل، والتي تكشف معظم أجسادهن وكأنهن يقضين نزهة على شاطئ البحر»! ومضى يقول «ليس في هذا البلد فقط، بل شاهدت في عدد من بلدان الوطن العربي ملابس فاضحة أيضا لا تتناسب مع أجواء العمل التي يفترض أن تكون ملابسها ذات طابع مهني Professional Dress».
لا يختلف اثنان على أن اللباس هو قرار شخصي محض، لا يحق لأحد مصادرته، لكن عندما يتعلق الأمر بالعمل فلا بد أن تلتزم الموظفة وحتى الموظف بالآداب واللوائح السائدة في بيئات العمل، ففي معظم المنظمات يوجد ما يسمى بمعايير اللباس Dress Code، حتى تكون أجواء الوظيفة مهيأة للعمل وليس مكانا لعرض الأزياء وتشتيت انتباه الموظفين.
اللباس في العمل مسألة محرجة جدا للمسؤولين، خصوصا في مجتمعاتنا العربية، وأذكر أن أحد المسؤولين في بنك عربي عريق قال لي إن لديهم موظفة منتجة ومثابرة لكنها عملت «بلبلة في جميع الإدارات» حسب تعبيره، إذ أنها ليست جميلة ولكنها ترتدي ملابس فاضحة حتى أن إدارة شؤون الموظفين صارت ترد إليها من هذه الموظفة الفاتنة شكاوى عدة من تحرشات جنسية. وبعد شهور طويلة نفد صبر الإدارة فقرر المسؤول المباشر مصارحتها بأنها إذا استمرت في هذا اللباس فإنه سوف يطلب منها أن تستقيل طواعية.
وبحسب ما فهمت من كلامه فإن هذه الموظفة لا ترى في زيها أمرا فاضحا، إذ يبدو أنها نشأت على هذا الأمر منذ صغرها، وهذه حرية شخصية، ولكن حتى تُخرج الشركات نفسها من هذا المأزق وتتجنب أن تعلم الناس ماذا يرتدون، فقد وضعت لوائح تحدد صفات اللباس المهني اللائق. أما بعض المؤسسات فليس فيها لائحة مكتوبة لكن اللباس المقبول يمكن معرفته بسؤال المسؤولين هناك.
ومطلوب من الموظفة وحتى الموظف التأكد من طبيعة اللباس المقبول حتى لا يقع في الخطأ الذي وقع فيه أحد الأصدقاء، وهو دكتور في علم الاجتماع، حينما ذهب للعمل في مركز استشاري في الغرب فدخل عليهم ببدلته الأنيقة، وبعد مدة جاءت إليه مسؤولة المركز فأبدت إعجابها بلباسه بلطافة الغربيين المعهودة وقالت «أود أن أخبرك أننا لا نرتدي هنا ملابس رسمية، لأن معظم المراجعين هم من كل أطياف المجتمع، ومنهم الفقراء، ولذا لا نريد أن نشعرهم بأننا أكثر أناقة منهم»!
ما ترتديه في العمل يعكس جانبا من شخصيتك ومهنيتك ومدى احترامك لبيئة العمل والعاملين فيها
نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط. |