بقلم: منير بشاي – لوس أنجلوس
أحسب نفسي واحدًا من المعجبين بكتابات الأستاذ "إبراهيم عيسى"، ولذلك أشعر بالأسف إذ أكتب اليوم مقالاً أنتقده فيه.
تعجبني جرأة "إبراهيم عيسى"، وأقدر عدم تعصبه، وأتمتع بخفة ظله، وأحب أسلوبه المستنير، وأحترم أفكاره التقدمية، ولكن هذه المرة يبدو أنه قد جانبه التوفيق في مقال له بعنوان "الإخوان الأقباط".
حاول "إبراهيم عيسى" أن يثبت أنه لا يوجد فارق بين توجهات الأقباط الذين أطلق عليهم اسم "الإخوان الأقباط"، وتوجهات الإخوان المسلمين، والذي قاده إلى هذا الاستنتاج؛ هو موقف الكنيسة الأخير الخاص برفض الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا، والذي يلزم الكنيسة بإصدار تصاريح زواج للمطلقين.
ويبني "إبراهيم عيسى" رأيه هذا على أساس أن الإخوان المسلمين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو يرى أن الأقباط يفعلون نفس الشيىء عندما يرفضوا تنفيذ الحكم القضائي؛ لأن هذا معناه -في رأيه- أنهم يسعون لتطبيق الشريعة المسيحية.
وبدون الدخول في تفاصيل تحليل فلسفة وأهداف وأسلوب كل من الطرفين، أظن أن الأستاذ "إبراهيم عيسى" على قدر كبير من الدراية بها، وهو بدون شك يعرف تاريخ الإخوان المسلمين الدموي تجاه مَنْ يخالفهم في الرأي، وعلى النقيض يعرف أنه لا وجود لهذا الاتجاه الدموي بين الأقباط الذين كانوا دائمًا ضحية العنف، ولم يكونوا يومًا طرفًا فيه.
ولكن.. سواء عن قصد أو بدون قصد، أرى أن الأستاذ "إبراهيم عيسى" يخلط الأوراق، فالتباين بين موقف الإخوان وموقف الأقباط الأخير واضح مثل الشمس، فالإخوان يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية عن طريق تغيير القانون الوضعي، ليصبح القانون والشريعة شيئًا واحدً،ا يصرون على تطبيقه على جميع المواطنين، حتى من غير المسلمين، بينما الأقباط يطالبون بالعكس تمامًا، وهو عدم خلط عقيدتهم بالقانون، وما اعتراضهم على حكم المحكمة الإدارية العليا الأخير إلا لسبب محاولة المحكمة تقنين العقيدة في مسائل تتعلق بالزواج والطلاق، أي تنفيذها بقوة القانون.
كما أن الأقباط لا يحاولون إجبار أحد على اتباع تعاليم دينهم، سواء كانوا ينتمون إلى دين أخر، أو حتى من الذين وُلدوا في نفس الدين، فتعاليم الإنجيل موجودة داخل الكنيسة لمَنْ يقبلها، أما مَنْ يعترض عليها.. فلا أحد يجبره على تطبيقها.
وهنا أريد أن أسأل الأستاذ "إبراهيم عيسى": هل كان المطلوب من الكنيسة -لتنفي عن نفسها شبهة التطرف ومحاكاة الإخوان- أن تترك مهمة تطبيق العقيدة المسيحية للقضاء، ليحدد لهم ما يصح وما لا يصح؟ وبالتالي عليهم إطاعة القضاء في شؤون عقائدية صميمة، حتى وإن كانت قرارات القضاء تناقض نصوص الإنجيل المقدس وتعاليم السيد المسيح؟؟
هذا والمعروف أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر، وإذا قبل الأقباط تفسير القضاء في واحد من أسرار الكنيسة -وهو سر الزيجة- فإلى أين يمكن أن يؤدي بنا هذا الطريق؟ فمثلاً.. هل سيجيء يوم يُفرض على الكنيسة تعدد الزوجات؟ وهل سيؤدي هذا إلى أن تصبح بقية الأسرار الكنسية، بل وكل العقيدة المسيحية خاضعة لتفسير القضاء؟
ولكن الأستاذ "إبراهيم عيسى" يضيف حجة أخرى أكثرغرابة ليثبت بها التشابه المزعوم بين ما يسميه "الإخوان الأقباط"، و"الإخوان المسلمين" فيقول: ‘‘ربما تقول أن الأقباط يطلبون الشريعة فيما يخص الأحوال الشخصية فقط وقواعد الطلاق والزواج، لكن الإخوان يطلبون الشريعة في كله‘‘! يؤسفني أن أقول لك أن هذا ليس له علاقة بالفرق بين الإخوان الأقباط والإخوان المسلمين، بل الفرق بين الإسلام والمسيحية، فالإسلام يقول أن لديه شريعة لكل شيئ من الأحوال الشخصية للأحوال غير الشخصية، بينما المسيحية تفتح دائرة الحياة العامة لتطبيق بشري دون الزامات دينية، بينما تقتصر شريعتها وضوحًا على الأحوال الشخصية، فلو كانت هناك شريعة مسيحية في البنوك، وقطع يد السارق، وجلد شارب الخمر، لطالبت الكنيسة بتطبيقها ورفضت أي قانون يمنع تنفيذها... إذن المنهج واحد.
أولاً: كيف وصلت -سيدي- إلى الاعتقاد بأن المسيحية لا يوجد بها التزامات إلا في الأحوال الشخصية فقط؟ إن المسيحية عقيدة متكاملة، وأن المسائل الحياتية الأخرى مثل التعامل مع المال والسرقة والمُسكر هي جزءٌ لا يتجزأ من التعاليم المسيحية، الفارق بين الإخوان والكنيسة هو أن الكنيسة تؤمن أن دورها بالنسبة لهذه الأمور هوالوعظ والإرشاد فقط، وتترك التعامل مع الجانب الجنائي الناتج عن تداعيات هذه المسائل للدولة، كما تترك الحكم النهائي فيها لله في اليوم الأخير، أليست هذه هي العلمانية بعينها، والتي يرفضها الإخوان المسلمين شكلاً وموضوعًا؟
وأظن أن كاتبنا كاد أن يضع إصبعه على الداء عندما أقر بوجود اختلاف بين المسيحية والإسلام، وكان ينبغي عليه أن يدرك أن هذا هو الذي يفرق بين الديانتين وبين أتباع كل من الديانتين، ولكنه -وللأسف- يعود إلى عمل افتراضات، ثم يصل بها إلى استنتاجات!
يقول أن المسيحية لا تهتم إلا بالأحوال الشخصية، ولذلك تشرع لها، ولو كانت المسيحية تهتم بقضايا الحياة الأخرى، (ويضرب مثلاً لذلك؛ البنوك وقطع يد السارق وجلد شارب الخمر)، لكانت قد طالبت بتشريعات لها... ثم ينتهي إلى الاستنتاج أن المنهج واحد ولا فرق بين الإخوان الأقباط والإخوان المسلمين!!
يا سلام!! إيه ده ياأستاذ؟ كيف وصلت إلى الاستنتاج أن الإثنين واحدٌ بناء على مجرد إفتراض؟ وكيف تفترض أن المسيحية كان يمكن أن تكون ديانة تشريع تُفرض على الناس بقوة القانون؟ وتستنتج بذلك أن المسيحية مشابهة للإسلام؟؟ لو افترضنا مسيحية تقوم على مبادىء تختلف عن مبادئها الحالية؛ لأصبحنا نتكلم عن ديانة أخرى تختلف عن المسيحية التى نعرفها، وفي هذه الحالة سيكون مَنْ يتبعونها أيضًا أُناس غير مسيحيين، فالمقارنة بين الإسلام وبين مسيحية افتراضية لا معنى ولا منطق لها.
بنفس هذا المنطق الغريب يمكن إدانة برىء على جريمة قتل لم يقترفها، على أساس أنه كان من الممكن أن يرتكبها لو افترضنا أنه كان قد عاش في بيئة شريرة؟ وأيضًا بنفس هذا المنطق يمكن تبرئة قاتل إذا افترضنا أنه لو كان قد نشأ في بيئة طيبة، وتربى على المبادئ السمحة لما كان قد اقترف جريمته.
صراحةً.. أنامصدوم في رأي الأستاذ "إبراهيم عيسى" هذه المرة، ومجرد كونه يقارن الأقباط بجماعة مازالت تُسمى بالمحظورة، جماعة الإخوان المسلمين، يتخذون شعارًا لهم: "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، فالفارق بينهم وبين الأقباط جوهري، وهو فارق بين ثقافة الموت وثقافة الحياة، بين مَنْ يتمنى الموت ومن يعشق الحياة. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|