CET 00:00:00 - 16/06/2010

مساحة رأي

بقلم: هشام منور

ثمة تناقض غريب في ملامح السياسات الأمريكية حول العالم وفي منطقة الشرق الأوسط على نحو خاص، فكلما اتجهت المنطقة نحو فرز قوي قادرة على ضبط إيقاع المخاوف من توتير الأجواء وتصعيدها من قبل الكيان الصهيوني، أو القدرة على حلّ المشاكل العالقة والأزمات البنيوية الخانقة بأسلوب سلمي وديمقراطي يعود بالنفع على الجميع، أو تطورت العلاقات البينية بين دول الجوار الإقليمي لمنطقتنا، توجهت مراكز صنع القرار واللوبيات الداعمة لمراكز القوى في واشنطن لتبديد أجواء السلم وعرقلة جهود القوى الإقليمية لتنفيس الاحتقانات المتحملة بل ومحاولة تهديد تلك القوى والدول في أمنا واستقرارها وتعطيل نشاطها نحو التقدم والازدهار.

ما تقدم يكاد ينطبق في الآونة الأخيرة على سياسة واشنطن تجاه واحدة من أكبر حلفائها في الماضي (ولا تزال) تركيا. فتركيا التي تمكنت من تجنيب المنطقة حرباً إقليمياً (وربما عالمية) جديدة من خلالها توسطها في الشأن النووي الإيراني، وتحقيقيها بالتعاون مع البرازيل، تلك القوة الدولية الصاعدة، نجاحاً باهراً في توقيت قاتل والتوصل إلى صفقة لتبادل اليورانيوم المخصب على أراضيها، باتت تشكل من وجهة بعض القائمين على صنع القرار في واشنطن "خطراً" داهماً ومعرقلاً لتوجهات وسياسات الولايات المتحدة في المنطقة بعد أن اتضح حجم الإرباك الواضح للموقف الأمريكي من الصفقة المعقودة.

فقد كشفت مصادر صحافية تركية النقاب عن سيناريو أمريكي لإضعاف حكومة رجب طيب أردوغان، رئيس حزب العدالة والتنمية. وذكرت صحيفة "أكشام" أنه في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار في تركيا إلى ما سوف يسفر عنه المؤتمر الطارئ لحزب الشعب الجمهوري المعارض، حيث يتوقع أن يتم انتخاب (كمال كليتش) خلفًا (لدنيز بيكال) الذي قدم استقالته قبل أسبوع إثر فضيحة جنسية، تولي الولايات المتحدة اهتمامًا خاصًا بالتطورات الحاصلة الآن على الساحة السياسية التركية.

وأضافت الصحيفة أن واشنطن باتت ترغب في وجود حزب منافس قوي للعدالة الحاكم، وأن إدارة باراك أوباما عازمة على إضعاف حكومة أردوغان لممارساتها المناوئة والمناهضة لـ"إسرائيل"، وفي نفس الوقت الاقتراب من محور إيران - سوريا المعادي للولايات المتحدة الأمريكية‏، بحسب وصف الصحيفة التركية.

وكانت وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة (هيلاري كلينتون) قد أعلنت أن الولايات المتحدة توصلت إلى اتفاق مع روسيا والصين حول مشروع قرار يفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، وذلك في أعقاب تهديد وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو بانسحاب بلاده من الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران والبرازيل بشأن مبادلة الوقود النووي بيورانيوم عالي التخصيب على الأراضي التركية، في حالة إقدام الدول الكبرى على فرض عقوبات جديدة بحق طهران، فيما دعا أردوغان خلال قمّة الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينيّة في مدريد "المجتمع الدولي إلى دعم البيان الختامي (للدول الثلاث إيران والبرازيل وتركيا) باسم السلام العالمي". وأضاف: "علينا الكفّ عن التحدث عن عقوبات ضد إيران بعد هذا الاتفاق".

وبحسب مصادر أمريكية مطلعة، فإن إدارة أوباما "قلقة" جدًا من سياسات أردوغان تجاه "إسرائيل" ومن التقرّب التركي المتنامي من سوريا. ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن مصادر أمريكية قولها: "إن الولايات المتحدة لم تحدد بعد ما إذا كان التقارب التركي السوري هو دليل على قرار إستراتيجي تركي بإعادة توجيه السياسة التركية بعيدًا عن الغرب، إلاّ أنها تراقب السلوك التركي بقلق".

وكان اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأمريكي قد بدأ التحرك ضد تركيا، وذلك في أعقاب صفعات أردوغان المتتالية لـ "إسرائيل"، وتم عرض مسودة قرار على مجلس الشيوخ الأمريكي للاعتراف بما يسمى "بالمذبحة العثمانية ضد أرمن الأناضول" عام 1915.

وكان زعماء يهود أمريكيين قد التقوا، في وقتٍ سابق، مع السفير التركي في واشنطن، نابي سينسوي، وأعربت القيادة اليهودية عن قلقها العميق من الاتجاه الذي تسلكه تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية بعد سنوات من العلاقات الوثيقة المثمرة" على حد وصفها.

وكانت مصادر صحفية قد أماطت النقاب عن رفض تركيا لرسالة بعثت بها "إسرائيل" إلى أنقرة تحدثت عن الخطر الذي تمثله سوريا على استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط، وضرورة الإبقاء على مسافة معينة بين تركيا وسوريا، وقالت مصادر مطلعة إن أنقرة أبلغت "تل أبيب" بأن تركيا لن تسمح لأي طرف وأية جهة مهما كانت بتحديد ورسم سياسة علاقاتها الخارجية مع السوريين أو غيرهم.

وكان رئيس الحكومة التركية (رجب طيب أردوغان) قد اعترض على الانتقادات "الإسرائيلية" والأمريكية لتركيا بسبب استبعاد "إسرائيل" من المناورات العسكرية الدورية المشتركة "أود أن يعلم الجميع بأن تركيا دولة قوية تتخذ قراراتها بنفسها وتركيا لا تتلقى تعليمات من أي كان لاتخاذ قراراتها". وكشفت تقارير صحفية عبرية عن خوف متنامٍ داخل "إسرائيل" من قيام أردوغان بما سمته عملية "أسلمة" للجيش التركي، ونقلت عن مصدر سياسي "إسرائيلي" رفيع المستوى قوله "تراودنا، ومعنا بعض الدول الغربية، مخاوف من أن يكون أوردغان يقوم بصمت وبحزم بعملية أسلمة لتركيا". وأكدت مصادر سياسية "إسرائيلية" بأن هذه المخاوف مشتركة أيضًا لعدد من الدول الغربية المهمة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا. وقال مصدر أمني "إسرائيلي" رفيع المستوى "إننا نشهد حركة تعيين واسعة لضباط متدينين في الجيش التركي في السنوات الأخيرة، وهو توجه لم يكن في السابق، وبالتالي فإن علينا أن نفكر مرتين في طبيعة المعدات التي نبيعها لتركيا".

والحال أن نزوع تركيا التدريجي للانضواء في مسرح الشرق ولعب دور فعال ومهم على صعيد حل إشكالاته، وتعزيز علاقاتها الإقليمية مع جميع دول الجوار، العربي منهم على وجه الخصوص، لم يكن ليريح مبعث التوتر والاحتقان في المنطقة "إسرائيل"، فلجأت إلى تحريك العواصف وإثارة الزوابع في وجه السياسة الخارجية الجديدة لتركيا في ظل عدم انسجامها مع أجندتها العدوانية على دول المنطقة، فكان أن بدأت دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة في مؤازرة الغضب الصهيوني من التصرفات التركية بتخبط في التصريحات والمواقف تعكسه تضارب مراكز القوى في توجهاتها إزاء حليف قديم ومهم (تركيا)، وهو ما يعني في النهاية أن المشكلة كانت وستظل في ظل المعطيات والظروف القائمة، أمريكية داخلية بكل المقاييس.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق