CET 00:00:00 - 16/06/2010

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر

يقول الشهيد "فرج فودة" -الذي قُتل بيد أحد المتأسلمين- عن حقوق الأقليات في مصر الآتي:
إن مشكلة الأقليات الدينية المسيحية أصبحت متداولة ومعروفة الآن، بعد أن وقعت حوادث الفتن الطائفية المتلاحقة للمسيحيين لأول مرة منذ أوائل القرن إلي التعبير بوضوح عن مشكلات حقيقية يعيشونها في مصر. إن هذه المشكلات باختصار تتمثل في :
1- قانون الخط الهمايوني وقرارات العزبي باشا (وكيل وزارة الداخلية) التي تحظر بناء الكنائس إلا بقرار جمهوري والتي تحظر أيضا ترميمها بقرارات جمهورية وقد نشرت جريدة وطني قرارا جمهوريا صدر في العام الماضي لترميم دورتي مياه بكنيستين .
2- التعصب الوظيفي علي المستوي الحكومي والذي تحول إلي ما يشبه العرف في بعض القطاعات مثل الشرطة والجيش وفي كثير من مناصب الإدارة العليا .
3- تشجيع تحول المسيحيين إلي الإسلام ومقاومة العكس وهي مقاومة تصل إلي حد الاعتقال دون أحكام قضائية، وهناك وقائع موثقة بالأسماء في هذا الشأن .

إن المشكلة هنا ليست أجهزة رسمية فقط بل مشكلة رأي عام شعبي يفهم حرية الاعتقاد بأسلوبه الخاص، والتحرك الرسمي متغير تابع لهذا الرأي العام وليس متغيرا مستقلاً أو مطلقا، فمن السهل جداً أن تزان هذه القرابة أو المدينة الصغيرة بالزنيات، وأن تمتلئ بالانفعالات إذا تحول مسيحي إلي الإسلام ومن السهل جداً في المقابل أن تحترق بالفتنة وأن تشتعل بالنزاع المسلح والتخريب إذا حدث العكس، وقد حدث في السبعينات أن اشتعلت مدينة الإسكندرية ( التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين) بمشاعر الغضب والمظاهرات لمجرد أن إشاعة انطلقت عن تحويل أربعة من المسلمين إلي المسيحية وقد تحريت القصة فاكتشف أنها حقيقة لكنها تتحول اثنين من المسلمين إلي المسيحية وقد اعتقلتهما أجهزة الأمن لفترة بهدف حمايتهما واستتباب الأمن ثم أفرحت عنهما وانتهي الأمر بأحدهما إلي الهجرة خارج البلاد .

إن أي اتجاه لدعوة المسيحيين لاعتناق الإسلام في مصر يجد ترحيباً شعبيا ويعتبره الكثيرون واجبا دينيا وتغمض السلطات أعينها عنه بل وتساعد عليه في كثير من الأحيان وفي المقابل بالطبع فإن أحداً لا يتخيل حدوث جهد منظم في الاتجاه العكسي ولو حدث ما يشبه ذلك بجهد فردي لأصبح تندرج تحت بند (إثارة القلاقل)، وخطورة ما أذكره هنا أن فهم حرية العقيدة علي المستوي الرسمي سوا كان الحكومي أو الإعلامي أو التعليمي، الدعوة إلي تحويل مصر إلي دولة دينية يحل في الانتماء الديني محل انتماء الوطني أو يسبقه علي الأقل، ويتم إلزام غير المسلمين بإتباع شرائع المسلمين وبالدفاع عن ( دول الإسلام) .

إن كاتب هذه السطور يعتقد أن علمانية مصر أو مدنية الحكم فيها هي التي حفظت الوحدة الوطنية متماسكة فيها خلال القرن الأخير رغم كل المشكلات، وهو يعتقد أيضا أن الدعوة لتحويل مصر إلي دولة دينية هي السبب الحقيقي في توتر المشكلات الطائفية وتتابعها خلال ربع القرن الأخير وهي الكفيلة باستمرارها في نسف هذه الوحدة الوطنية نسفاً، وإدخال مصر في مسلسل من الفتن يسهل أن تتحول إلي حروب أهلية حقيقية لن يكون طرفاها المسلمون والمسيحيون بل سيكون أحد طرفيها المسلمون والمسيحيون المتعصبون وسيكون الطرف الأخر شاملاً للمسيحيين وللمسلمين المتنورين وللمؤمنين بحرية الاعتقاد كما يجب أن تكون .

أن حضارة العصر لا تتسع لدولة دينية متعصبة، وقد أضفت هنا لفظ (متعصبة) لأنه لزوم ما يلزم، فالدولة الدينية والتعصب وجهان لعملة واحدة هي الشذوذ والرجوع خلفا في وقت يتوجه فيه العالم إلي الأمام .

إن الدعوة لتحويل مصر إلي دولة دينية هي التعبير السياسي عن دعوة أخري تبدو وكأنها دعوة لتطبيق تعاليم الدين أو دعوة لتعديل النظم التشريعية وأقصد بها الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية وهي دعوة لا ينكر أصحابها أن (الردة) جريمة تستحق الاستتابة والعقاب، ولست أظن أن أحد يمكنه بضمير مستريح أو بمنطق متماسك واضح أن يدرج الردة خارج أطار حرية الاعتقاد أو أن يعتبر مثلاً المرتد أو استتابته ممارسة لحرية العقيدة المطلقة، إن أسوأ ما يمكن أن يحدث لباحث هو التردد أو التحسب أو الخوف وأحسب أن كاتب هذه السطور خارج هذا الإطار ولهذا فإنه من المناسب هنا أن أوضح ما أقصده تحديداً وهو أن الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر بما فيها حد الردة يمثل انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان وتحديدا لحرية الاعتقاد التي لن يصبح لها معني ولا دلالة ولا وجود في ظل هذا التطبيق

بالنسبة إلي الإعلام والتعليم انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة (النجوم الدينية التلفزيونية) حيث شجع التلفزيون بعض الرموز الدينية علي التواجد الإعلامي الواسع الملمح المستمر وأفراد لها مساحة كبيرة ظناً منه أنه بهذا يحارب التطرف والتعصب في آن واحد ورغم أن الثابت لدينا أن التطرف والتعصب قد اتسعت مساحتها بالتوازن مع اتساع مساحة التليفزيون لهذه الرموز إلا أن ما يعيننا هنا هو أن بعض الرموز الدينية الشهيرة أو تحديداً الأكثر شهرة قد تعمدت خلال تفسيرها لآيات القران الكريم أن تركز علي الآيات التي تتعقب عقائد المسيحيين وتسفه ما ورد في كتبهم المقدسة وتثير مشاعرهم إلي أقصي حد وبديهي أيضا أنه من المستحيل أن تتاح لهم الفرصة علي نفس المستوي لتوضيح ما يوجه إليهم من اتهامات أو تفنيدها ...

هذا عن الإعلام المرئي أما المطبوعات (الأهلية) فقد لفحت بكل ما هو مهين أو مشين أو مسفه لعقائد الآخرين ورغم أن فرصة الرد هنا قائمة إلا أن محاذيرها واضحة وأولها إثارة الفتن الدموية التي سوف تدفع الأقليات فيها وثانيهما الخوف من الاتهام أو الاعتقال وكليهما سوف يجد عشرات الأسباب المنطقية التي تسانده أو تفسره وتبرره .

من هنا يمكن فهم انحسار هذه الردود داخل إطار أماكن العبادة وانتشار تسجيلات رجال الدين الذين يردون علي الشبهات الموجهة لعقيدتهم الخاصة بهم وتقوقعهم داخلها وداخل أنفسهم باعتبارها خط دفاع أخير عن عقيدتهم التي يتمسكون بها، وإذا كانت الصورة هكذا في مجال الإعلام فهي في مجال التعليم ليست أسعد حظاً فهناك الكثير من الدروس الدينية التي تؤكد التعصب أو التمييز وهي في كل الأحوال تعمق التفرقة، وهناك ما هو أخطر من هذا بكثير وقد سبق أن عرض كاتب هذه السطور في مقال أثار المؤسسة الدينية وأستدعي أن يطلب شيخ الأزهر نفسه لقاء السيد الرئيس.

وأقصد به ما أؤكده هنا وهو أن جامعة الأزهر بشكلها الحالي تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان في مصر، إن جامعة الأزهر تقتصر دخولها علي المسلمين حتى قبل أنها تقصر الالتحاق بها حاليا علي خريجي المعاهد الأزهرية وهي تقبل في كلياتها كل المسلمين بمجاميع منخفضة وهي أيضاً لا تقتصر علي كليات أصول الدين أو الشريعة أو الفقه بل تمتد إلي كليات الهندسة والزراعة والطب وغيرها وهي مجالات لا علاقة لها بالعقيدة من قريب أو بعيد . إن معني هذا ببساطة أن هناك نظاماً تعليميا دينيا يقتصر دخوله علي المسلمين فقط ويميزهم عن غيرهم في مجالا ليست دينية بطبيعتها أو بمحتواها والعجيب أن جامعة الأزهر هذه يتم تمويلها من حصيلة الضرائب التي يدفعها المسلمون وغير المسلمون وبمعني آخر فإن المسيحيين في مصر والبهائيين كذلك يمولون جامعة لا يستفيد أبناؤهم منها وهو وضع فيه خلل هائل .

والذي يتردد في قبول ذلك المنطق أو يفاجأ بع عليه أن يسأل نفسه: هل تسمح السلطات في مصر في المقابل بإنشاء نظام تعليمي مسيحي مواز يقتصر القبول فيه علي المسيحيين وتتاح فيه الفرصة لهم بدخول كليات طب وزراعة وهندسة (مسيحية إكليريكية) يتم تمويلها من خزانة الدولة ؟ هل يقبل المصريون أن يقتصر دخول المدارس التي أنشأتها الطوائف الدينية في مصر وهي منتشرة في أنحاء مصر كلها علي المسيحيين وأن يكون كل العاملين فيها من المسيحيين ويحظر أن يعمل فيها أو أن يقبل فيها مسلم واحد كما يحدث في المعاهد الدينية الأزهرية .

إن تحاشي الحوار حول ذلك أو مناقشة دليل علي أننا ننتقد النعام الذي يخفي رأسه في الرمال ليس لأننا نرفض ما يفعله أو نسخر منه، ولكن لأنه يذكرنا بشئ فينا وبممارسة نمارسها وبأسلوب نتعايش معه دون خجل .
ثم نتحدث بعد ذلك عن حقوق الإنسان وعن حرية الاعتقاد من أين يأتي الخلل في مفهوم الاعتقاد؟ هذا هو السؤال الذي يبحث عن إجابة نعرض اجتهادنا فيها علي النحو التالي :

أولاً : الخلل الأول خلل ثقافي يتمثل في سوء الفهم لحرية الاعتقاد وتصور أنها تعني حرية الإيمان (بالإسلام) وتخيل أنها طريق ذو اتجاه واحد مصلحته النهائية هي العقيدة الإسلامية وهو خلل يحتاج في تقدير كاتب هذه السطور إلي أجيال لإصلاحه .

ثانياً : النصوص الدستورية وأولها النص الذي يذكر أن (مصر دولة إسلامية)، وهو نص أسئ فهمه وتأويله وتحول إلي قيد علي حرية العقيدة ، وهو نص مقبول في إطار كونه نصا ( إحصائيا) يفيد أن الأغلبية مصر من المسلمين إما أن يتحول إلي نص له دلالته التشريعية والدينية فالأولي هنا بوضوح شديد أن يرفع من الدستور المصري
إن غير المسلم مواطن مصري كامل المواطنة ولو فهمنا أن مصر دولة إسلامية علي أنه نص يفيد أن مصر وطن المسلمين لأصبح غير المسلمين مواطنين بالانتساب أو غير مواطنين وهو ما يأباه الضمير والوطن .

أيضا فإن فهم هذا النص في اتجاه التزام مصر بإطار الدين الإسلامي في كل سلوكياتها يؤدي في النهاية إلي إحلال مفهوم الدولة الدينية محمل مفهوم الدولة المدنية وهو ما يأباه كاتب هذا السطور إن الدين الإسلامي شأنه في ذلك شأن كل الأديان له كل الاحترام والتوقير لكنه في النهاية ملزم للأشخاص المقتنعين به حين يعتقدون أنه علي إتباعهم لأوامر ونواهيه يثابون. أما الدولة فهي شخص معنوي لا عقيدة له ولا ثواب ولا عقاب .

أما النص الثاني الذي ينبغي التوقف عنده فهو النص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع . وللأسف الشديد فإن من يقرؤون هذا النص ويستشهدون به يرفعون لفظ (مبادئ) أن الشريعة الإسلامية عامة ومرنة وواسعة وهي لا تختلف عن مبادئ كل الأديان أما الشريعة ذاتها فهي أمر مختلف .

ويبقي النص الأخر وهو النص علي أن حرية الاعتقاد مطلقة فقد كان الأصل في النص عند وضع دستور 1923 هو أن ( حرية الاعتقاد الديني مطلقة) وقد رفع اللفظ (الديني) من النص وكان الهدف من ذلك ما قرره الشيخ (بخيت) في الأعمال التحضيرية لدستور 1923 من أن الاعتقاد شئ والدين شئ آخر والنص بعد التعديل كما ذكر الشيخ بخيت وأيده الأنبا ( يوأنس) يحمي المسلم الذي يؤيد مذهبه من شافعي إلي حنبلي أو من شيعي إلي سني أو ينضم إلي فرقة من فرق السنة كالخوارج والمعتزلة كما يحمي المسيحي الذي يدعي الكثلكة أو يتمذهب بالبروتستانتية ولكنه لا يحمي المسلم الذي يرتد عن دينه .

بهذا الفهم الذي ارتبطت به كل الدساتير اللاحقة تم تخليص الدستور من شبهة حرية الاعتقاد كما ورد في حقوق الإنسان ومازال هذا ساريا حتى اليوم وتأخذه به المحاكم في قضايا حرية الاعتقاد للأسف الشديد .

و أنه من الضروري أن يعود النص إلي أصله وهو (حرية الاعتقاد الديني مطلقة) مع توضيح لا يخرج عن إطار ميثاق حقوق الإنسان الذي وقعت عليه مصر حتى يزول اللبس الذي أوجدته تفسيرات الأعمال التحضيرية لدستور 1923 والتي ظلت مرتبطة بالنص والمفهوم حتى الأن .

ويبقي الحل بشأن الخط الهمايوني والتعصب الوظيفي والإعلام والتعليم في يد المستقبل بشأن التعديلات الدستورية وبعضه بل أغلبه في ضمائر المثقفين وغير المثقفين، وتغير الضمائر والثقافة المتوازنة والخلط السائد في القيم والمفاهيم يحتاج إلي أجيال .

شئ واحد نستطيعه الأن هو أن نكشف العري والزيف والوهم ولعل هذا هو ما حاولناه أما الذي نؤكده فهو أن التعرف علي المشكلة هو نقطة البدء لطريق الحل وهو طريق أقصي ما نحلم به أن يمهده أولادنا ومن أجل هذا فقط كتبنا ما كتبناه .

توفي الشهيد فرج فودة بيد الغدر في 8 يونيو 1992 وسؤالي هل الامور في مصر تغيرت الآن الي الاحسن او الي الاسوأ.....
وهل نضب معين الرجال الشجعان ام مازال بمصر رجالا عظاما...
رحم الله الشهيد العظيم د. فرج فودة فارس كلمة الحق ورسول حرية المظلوم وبطل تحرير القيود

ملحوظة : جريمة قتل فرج فودة جاءت بفتوي من شيوخ جماعة الجهاد علي رأسهم الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي شهادة الشيخ محمد الغزالي في أثناء محاكمة القاتل وصف الغزالي فودة "بالمرتد" "وأنه (ويقصد فرج فودة) مرتد وجب قتله" وأفتى بجواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتياتا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة، وهذا يعني أنه لا يجوز قتل من قتل فرج فودة حسب تعبيره

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق