CET 00:00:00 - 17/06/2010

مساحة رأي

بقلم: د.ماجد عزت إسرائيل
   منذ الوهلة الأولى من دخول الأب "متى" المسكين ورفاقه دير الأنبا مقار، كان الدير في حالة يرثى لها، فمن ناحيـــة قواه البشرية لم يبقى بالدير إلا أربعة رهبان -واحد منهم ضرير- والأخر طريح الفراش، والاثنان الأخران كبيران في السن.
  معنى ذلك أن الدير في حاجة إلى رهبان شباب من أجل إعاله الشيوخ، والحفاظ على استمرارية وبقاء الدير عامرًا مفتوحًا للصلاة والنسك والتعبد، وتعمير الدير بشريًا، وزيادة أعــــداده وقــواه البشرية، ليظل منارة للنسك والتعليم في وادي النطرون.
  ويقع دير القديس "مقاريوس" الشهير بـ "أبو مقار"، في الجنوب الشرقي لدير الأنبا "بيشوي" ودير "السريان"، وتبلغ مساحته نحو فدانين، ويُنسب هذا الدير للقديس "مقاريوس" الكبير.

  وُلد هذا القديس عام 300 ميلادية تقريبًا، وكان أول مَنْ كوّن الجماعات الرهبانية في برية الإسقيط، وتنيح في عام 390م، وهو أغنى أديرة وادي النطرون بما يحويه من قدسية لدى الرهبان، حيث يوجد التابوت الذي يحوي رفات ستة عشر من الآباء البطاركة، كما توجد أجساد التسعة والأربعين شيخًا الشهداء الذين قتلهم البربر مدفونين بكنيسة الشيوخ، كذلك التابوت الرخامي الذي يحمل رفات القديسة "هيلاريا" ابنة الملك "زينون"، والتي تنكرت في زي الرجال؛ وترهبت بهذا الدير، ودفنت في أرضية قصره القديم الذي بناه والدها فوق المكان الذي يحوي تابوتها.
  كما كان البطاركة يجتمعون فيه عندما كانوا يقومون بعمل الميرون المقدس، وأحيانًا يدشنون الكنائس والهياكل التي تكون قد شُيدت في هذا الدير.

  وكانت من العادات المُتبعة عند انتخاب البطريرك للكرسي، أن يتوجه بعدها مباشرة إلى دير الأنبا "مقار"، حيث لا بد من إتمام عملية الرسامة والتقديس بالدير المذكور، وهذا دليل على مقدار المكانة المرموقة التي تبوأها ذلك الدير خلال العصور التاريخية المختلفة في كافة أنحاء البلاد المصرية، بل وفي جميع أقطار المسكونة، وأسبغ هذا بلا شك صفة التقديس للمكان المذكور.
    على أية حال، بدأ الأب "متى" المسكين مرحلة جديدة في دير الأنبا "مقار"، فزاد من تعداد رهبان الدير بعد حضوره ومن معه من الرهبان، بعدها أصبح الدير محطة لجذب مريدي الرهبنة بالدير، لدرجة أن وصل تعدادهم في سنة 1978م، نحو ثمانين راهبًا، وكان الدير لا توجد به قلاية واحدة تصلح للسكن والمعيشة الآدامية، بالإضافة لانتشار الحشرات والنمل بشكل كبير، فضلاً عن استخدام العربان له كمحطة للاستراحة، وربما سمحت لهم الفرصة للتعدي على ممتلكاته وآثاره؛ لأن تأمينه كان ضعيفًا، مما سهل لهم عمليات النهب والسلب.

   ومن أجل إعادة تخطيط الدير على أحدث النظم المعمارية، عمل الأب "متى" المسكين على وضع خطة زمنية ومرحلية لتطوير الدير، وضبط إدارة العمل، وتنظيم الوقت، مع مراعاة أوقات الصلاة؛ وهنا جمع بين البناء المعماري والروحي، وقسم ملاحظة العمل ومباشرته إلى مجموعة من الرهبان كل منها حسب اختصاصه، ولم يهمل باقي النواحي الأخرى بالدير؛ مثل النواحي الزراعية وتربية الحيوانات والطيور.
   ولتحقيق ذلك توسع في إنشاء المباني لســـكنى العاملين خارج نطــــاق سُكنى الرهبــان، واستقدم بعض طــوائف الحرف مثل النجـارين والحدادين والمبيضين والسباكين والبناءين، لدرجة أن وصل عدد العامـــلين ما يقرب من نحو 450 عاملاً ومعلمًا، وبهؤلاء استطاع رسم صورة طبيعيــة لدير الأنبا "مقار"، وهذه الصورة ما تزال حتى يومنا هذا.
   وما يؤكد استيعاب حجم هذه الطاقة البشرية العاملة، نذكر على سبيل المثال حجم ما تم استخدامه في مرحلة البناء الأولية، فقد استهلك الدير ما يقرب من تسعة ألاف طن اسمنت، وألف طن حديد تسليح، وثمانية متر مكعب خشب، بالإضافة إلى الأدوات والآلات والمعدات، التي وصل ثمنها إلى نحو ما يقرب من ربع مليون جنيه عام 1978م.

   كمـــا نظم إدارة مالية لتنظيم الإنفاق على الدير، فاعتمد في التمويل على التبرعات والنــــذور وأوقــــاف الدير، وعلى إنتــاج مشــــغولات الدير من الأيقونات وبعض الحاصلات الزراعية والحيوانية، ووصل حجـــــم الإنفاق اليومي في العام الأول مائه جنيهًا، والعـــام الثاني مائتان جنيهًا، والعام الثالث ثلاثمائة جنيــهًا، حتى وصــــل معدل الإنفــــاق اليومي في سنة 1978م، إلى نحو ما يقرب من أربعمائة جنيهًا، ووصل حجم ما تم إنفــــاقه على الدير إلى ما يقرب من 2 مليون جنيهًا.
    ويذكر الأب "متى" المسكين إلى أن محور العمل والتدبير لهذا الدير كان يعتمد في المقام الأول على اجتماع الرهبان معًا من أجـــل الصلاة، لطــلب مد يد الله لاستكمال هذا العمل، وهذا ما تحقق بالفعل.

 

 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٢٨ تعليق