CET 00:00:00 - 20/06/2010

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي
الإستقواء بالخارج هو من أكثر الإصطلاحات السياسية إستعمالا فى مصر فى هذه الأيام.  وهو الإتهام الأكبر الذى يلصق بأقباط المهجر وينعتهم بالخيانة.  ويفرض على كل قبطى حتى يبرئ ساحته من تهمة الخيانة هذه أن يعود إلى مصر ويتكلم داخل مصر ومن خلال القنوات التى يعتبرونها مشروعة.

ولا أدرى كيف يطلب من ملايين الأقباط الذين هاجروا مصر بصفة نهائية أن يصّفوا أعمالهم بالخارج ويغيّروا مجرى حياتهم ويعودوا مرة أخرى إلى مصرحتى يعطى لهم مجرد الحق فى مناقشة أحوال أخوتهم وهى قضايا عامة لا تخضع لأى نوع من السرية أو الخصوصية.

وأتعجب من محاولة الفصل بين الداخل والخارج مع ثورة المعلوملت وتكنولوجيا الإتصالات وبعد أن أصبح العالم قرية صغيرة بلا حدود أو فواصل. فمع وسائل الإتصالات الحديثة أصبح الكل مكشوفا وعريانا للجميع فما يحدث فى قرية نائية فى صعيد مصر قد يعرفه من يعيشون فى أمريكا قبل أن يسمع عنه من يعيشون فى القرية المجاورة. فما جدوى محاولة فرض تعتيم وهمى لن يمكن تنفيذه؟

بل ويدهشنى تلك الإزدواجية فى المعايير. فالإستقواء بالخارج هى سياسة يمارسها كل بنى البشر وهى لا غبار عليها طالما كان هدفها أخلاقى لإقرار العدل والقضاء على الظلم.  ولا ننسى محاولة المسلمين فى البوسنة الإستقواء بالولايات المتحدة ضد الصرب (المسيحيون) . بل ولا ننسى محاولة الرؤساء العرب جميعا الإستقواء بالغرب المسيحى للضغط على إسرائيل للحصول على تنازلات. بل ولا ننسى ما يفعله العرب داخل إسرائيل وعددهم يزيد عن المليون وهم يعيشون فى إسرائيل ويحملون جنسيتها ولكنهم يأخذون صف أخوتهم الفلسطينيين ضد وطنهم إسرائيل ولم يطلق أحد عليهم صفة الخيانة.

هذا الإتهام لا معنى له لأنه يصطدم بالمفاهيم الحديثة التى تتعامل مع قضايا حقوق الإنسان. وأهم هذه المفاهيم أن حقوق الإنسان أصبحت تحظى بصفة العالمية. وأن المواطن المصرى هو جزء من الإنسانية قبل أن يكون جزءا من مصر. ولذلك فإن ضمان حقوقه الإنسانية هو شأن عالمى يهم جميع بنى البشر الذين من حقهم بل من واجبهم أن يمنعوا الظلم الواقع على الإنسان القبطى حتى إذا كان من وطنه.

ولا أدرى كيف يوصم أقباط المهجر بالإستقواء بالخارج إذا أثاروا قضية أهلهم فى البلاد التى يعيشون فيها ويحملون جنسيتها؟ هل أمريكا مثلا هى "الخارج" بالنسبة لمئات الآلآف من الأقباط الذين يعيشون فيها ويعتبرونها وطنهم الجديد؟ إننى بصفتى مواطن أمريكى لى كل الحق أن أطلب من أمريكا أن ترعى مصالحى ومنها ما يتعلق بأهلى فى مصر.

والغريب أن من يطالبوننا بعدم الإستقواء بالخارج ويعتبرونه خيانة هم فى المقابل يهدفون من هذا إلى الإستفراد بالداخل وإملاء سياسة القهر والظلم ضدهم ولا يرون عيبا فى هذا!!

الإستقواء هو أن تطلب من آخرين أن يساعدوك على أخذ حقوقك أما الإستفراد فهو أن يجردك من يتهموك بالإستقواء من أى سند خارجى حتى يسهل لهم أن يكيلوا لك أصنافا من الظلم دون تدخل من أحد.

الإستفراد بالداخل يحقق للحاكم المفاهيم القديمة فى الحكم. وهى إعتبار أن الرعية هى ملك شخصى للحاكم يفعل بهم ما يشاء وأن أى تدخل من الخارج هو تعدى على صميم ممتلكاته. بعض الحكام فى الدول العربية الشمولية ما يزالوا ينظروا إلى مواطنيهم على أنهم شأن داخلى يخصهم وحدهم. ولسان حالهم يقول: شعبى وأنا حر فيه أسجنهم أعذبهم أجوعهم أموتهم أعمل فيهم إللى أنا عايزه. هو أنا كنت قلت لرئيس أمريكا يعمل إيه فى شعبه؟ هو علشان أمريكا أقوى مننا يبقى تفترى علينا؟!

الإستفراد بالداخل يمكن أن يأخذ صورا متعددة. فقد يظهر فى الإهانات التى يلقاها المواطن القبطى فى أقسام البوليس عندما يحاول أن يلجأ لهم لأخذ الحماية من ظلم أخيه فى الوطن.

وقد يظهر الإستفراد فى القضاء الذى لا ينصفه عندما يعتدى عليه ويتعلل بأسباب كثيرة منها فساد الأدلة وتحيز التحقيقات وتعصب القضاة. أضف إلى ذلك المرجعية الدينية الإسلامية فى القانون التى تظلم القبطى بنص القانون.

وقد يظهر الإستفراد بفئة ضعيفة كل ما تريده هو أن تمارس حقها فى اختيار العقيدة وترغب أن تترك الإسلام وتعتنق المسيحية. هذا هو حق إنسانى معترف به دوليا ولكن مصر عادة تضطهدهم بطردهم من وظائفهم وحرمانهم من مورد العيش ومن حقهم فى تغيير أوراقهم الثبوتية ومن حقهم فى الزواج وتكوين أسرة أو حتى السفر للخارج بحثا عن حياة طبيعية. وأحيانا تضعهم فى السجون حيث يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب التى قد تؤدى ببعضهم للموت.

وقد يظهر الإستفراد بجموع الأقباط كأقلية ضعيفة فيحرموا من حقوق أساسية كمواطنين منها خصوصيات عقائدهم، وحق بناء دور عبادتهم، وحقهم فى التمثيل النيابى المتكافئ، وحقهم فى شغل الوظائف القيادية... وغيرها.

لا أفهم كيف يحرمون الإستقواء بالخارج مع أن هدفه هوالحصول على العدل؟ وفى المقابل يبيحون الإستفراد بالداخل مع أن هدفه هو الظلم؟.

لا أفهم لماذا يتحتم على دائما أن أثبت وطنيتى بقبول ظلم بلدى لى وأن يكون شعارى:

بلادى وإن جارت على عزيزة    وأهلى وإن ضنوا على كرام

وأتعجب ما المشكلة فى أن ترد بلدى على حبى لها بحب مماثل، بدلا من مشاعر الكراهية وإتهامات التخوين؟

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١١ صوت عدد التعليقات: ١٠ تعليق