بقلم: ماهر طلبه
يومًا ما حدثني صديقي عن النمل..قال: إن النمل هو أعجب ما خلق الله، وأجمل ما خلق الل ..
قلت له: كيف تقول ذلك، وقد خلق الله الأنثى؟!...
قال: أتعرف أن النمل من أقدم الكائنات على الأرض، وأنه قد عاصر الديناصورات، ولم يندثر مثل غيره من الكائنات التى لم تتحمل ثقل الزمن...أنظر إليه فى حركته وتعاونه..سوف أحكى لك قصة....
كانت لى صديقة منذ زمن طويل، وكنت أنا وهى فى علاقة حميمة، وقد غابت كثيرًا، لكنها فجأة حدثتنى، وقد ذكّرتنى مكالمتها بأيامنا الماضية، فأردت أن أعود بها إليها..فطلبت منها قبلة كمقدمة للقاء، فرفضت...أتصدق...إن النملة الواحدة تستطيع أن تحمل أضعاف وزنها، وتسير بهذا الثقل مسافة قد لا يتخيلها عقلك..أحكى لك...
يُقال أن صديقتى هذه فى زمن الفراق الأول..تعرفت على صديق لها – صار زوجًا فيما بعد – عاشت معه – كما تدعى هى – أجمل أيام حياتها...أتذكر أنى كنت دائمًا ما أسمعها – قبل أن نفترق – تردد على مسامعى هذه الكلمات: "الآن أعيش أجمل لحظات حياتى" ...أتصدق..إن النمل يستطيع أن يقاتل أنواعًا من الحشرات أضخم منه عشرات المرات ويهزمها دفاعًا عن عشه...سأحكى لك.
فى زمن فراقنا الأول، فى أيام فراقنا الأولى..لمحتها مرة فى مكانّ كنا نرتاده أنا وهى..كانت فى نفس الموضع تقريبًا لكن كان معها هو..صار زوجًا فيما بعد..لا أظن – على الأقل فى داخلى – أنهم كانوا يفعلون ما كنت أفعله أنا وهى فى نفس المكان..لم أحاول أن أقترب، لم أحاول أن أظهر أمامهما..فقط جلست مكانى صامتًا حتى أنتهى، وحتى انتهت وانصرفا..عندها ذهبت إلى هناك أفتش فى بقايا المكان عن رائحتها...هل تعرف.. أن النمل يتحدث بلغة هى أقرب إلى الرائحة..فالنمل يترك رائحته فى المكان رسالة إلى القادم من بعده..حتى الملكة تتزاوج بالرائحة، فهى تنشر رائحتها حتى يستدل عليها الذكر فيقوم بعمله...هل شممت يومًا رائحة النمل؟ .. هل تَفهّمْت أو حاولت أن تفهم رسائله؟..سأحكى...
يومها جلست، لم تكن فى داخلى مشاعر أو أحاسيس..فقط فراغ..تسربت إليه الرائحة..أسرتنى فى مكانى، فظللت أسيرها ما بقى من عمرى...
هل تعرف؟.. أن النمل يأسر بعضه بعضًا، وأن بعض الكائنات تعيش فى مستعمرات النمل أسيرة لكنها لا تقتله ولا يقتلها..فقط يستنذفها أو قد تستنذفه... ألم تسمع إنى يوم زفافها – عليه – ذهبت إلى بيتها..وقفت على العتبات أستمع إلى الأصوات المنبعثة من داخلها وللحاضرين ...تبعتها حتى منزل الزوجية، لم أدخله..فقط وقفت أسفل البيت..انصرف الجميع وبقيت أنا..لعلى كنت أقتفى أثر الرائحة، كنت أتابع رحلة البحث عن المصدر لعلى أهتدى...
تسألنى: هل صحيح تموت النملة حين تقرص؟...نعم...فالنملة لا تقرص إلا حين تحس إنها قد حوصرت تمامًا..انكشفت أمام من تتصور إنهم أعداؤها، ولم يعد لها أمل فى النجاة..عندها تضع آخر نقطة سم عبر شفاهها فى جسد الضحية لعلها تنجو، لكن قرصتها تعنى موتها..سأحكى...يومها..أطفأتْ أنوارها..وأنوارى..ظللت واقفًا - أرقب النافذة - إلى أن أذن المؤذن..عندها سألت نفسى: "هل أذهب لألبى النداء أم أتبع شارة القبيلة؟..أنتظر الرائحة ؟"... أصدقك القول..كان هذا يدور فى عقلى، لكنه ما كان يستطيع أن يحرك قدمى قيد أنملة – كأن سمها قد شلنى – فأنا كنت أنتظر شئ آخر غير كل ما قلته...نسيت أن أقول لك..أن النمل مجتمع من الإناث..ملكة..شغالات..جنود...لا يدخله الذكر إلا ليقتل. |