بقلم: ميرفت عياد
أسمع كثيرًا أن الحب يصنع المعجزات، ولكنى كنت أرى أن هذه الكلمة تخلو من مضمونها العميق، خاصةً أن الحب فى زماننا تلاشى، وحلت بدلاً منه المصالح الشخصية والأهواء الفردية، وإنى أعترف بأننى كنت مخطئة، فالحب يصنع المعجزات، وهذا ما تأكد لى عندما قرأت كتاب "معجزة الحب " للمؤلف الأمريكي "باري كوفمان"، الذى يحكى فيه عن تجربته الشخصية التي أثارت الأوساط الطبية والنفسية في الولايات المتحدة، فهي مثال رائع علي قدرة الحب علي صنع المعجزات، حقًا فقد صدق "غاندي" عندما قال : "حينما يوجد حب توجد حياة".
ويحكى لنا "كوفمان" كيف استطاع هو وزوجته بقدرة الحب وحده، أن ينتصرا علي العلم الذي قطع باستحالة شفاء ابنهما الصغير الذي لم يتجاوز ثلاثة أعوام من مرض " التوحد" الذي خرج به عن دائرة الوعي العقلي، فهذا النوع من الجنون غير قابل للشفاء مطلقًا، والمكان الوحيد للمرضي به هو مستشفيات الأمراض العقلية.
الإ أن الزوجان رفضا الإستسلام لهذا، وبعد رحلة من العناء والتعب، استطاع الطفل أن يتخطي أعوام المرض، ومعوقات النطق والفهم والرؤية والسمع، ويواجه العالم وكل حواسه يقظة، إلى الدرجة التى جعلت أشهر الأطباء يصدرون قرارهم بأن مخ الطفل استعاد كامل سلامته، وهو من وجهة النظر الطبية والقانونية صحيحًا.
وهذه القصة الحقيقية، توضح لنا أن الإرادة الشخصية هي سيدة الموقف في كل ما نرجوه، ولو كان يبدو مستحيلاً، وأن الأمل هو النحلة الوحيدة التي تصنع عسلاً بدون رحيق..
لهذا مازال عندى أمل أن يخرج هذا الشعب من نفق الوحدة المظلم، وأن ينفتح على كل الحضارات والتيارات الثقافية، وأن يتخطى معوقات النطق والفهم والرؤية والسمع، ويواجه العالم وكل حواسه يقظة، وأن يخرج من حالة الإنغلاق والتقوقع حول الذات والايمان بأننا خير أمة أُخرجت إلى الأرض، وأن يخرج من نفق التدين الشكلى الذى يغشى عينيه بسحابة سوداء، تجعله يكفّر كل من يخالفه الدين، أو المعتقد، أو حتى الرأى.
فيجب علينا جميعًا أن نزرع بذور الحب الحقيقى والتسامح لكل البشر؛ لأن هذا الحب وحده، هو القادر على اعادة هذا الشعب إلى دائرة الوعى والعقل والمنطق والنور، وإخراجه من غيبيات التخلف والرجعية.
ألا يعلم هؤلاء المنغلقين على ذواتهم، والمتوحدين مع أنفسهم، أن الله فى كماله ومحبته ينظر من سماه على مليارات البشر فى أرجاء هذا العالم الفسيح، ويتقبل اختلافاتهم، ويتقبل عبادتهم وعقائدهم المختلفة، بل ويتقبل شرورهم وفجور البعض منهم؟!
إذا كان الله فى كماله وعظيم محبته يحتمل نقائص البشر؛ لعلمه التام إنه لا يوجد انسان على الأرض خالى من الخطية، حتى لو كان عمره يومًا واحدًا، وإذا كان الله أراد فى خلقه لكل هذه المليارات من البشر أن يكونوا مختلفين- حتى فى بصمات اصابعهم- عجبًا ألا نقبل نحن هذا الإختلاف فيما بيننا. |