CET 00:00:00 - 27/06/2010

مساحة رأي

بقلم: عبد الخالق حسين
في هذا الصيف اللاهب حيث درجة الحرارة تبلغ أحياناً 55 مئوية خاصة في المحافظات الجنوبية مثل البصرة والعمارة، والناصرية، مع انقطاع التيار الكهربائي، لا بد وأن ينفجر الإنسان على الوضع ما لم يكن هذا الإنسان لم يسمع بشيء اسمه الكهرباء كما كان عاش في العهود الغابرة. لذا فمن حق الجماهير في البصرة والناصرية أو أي مكان آخر في العراق أن ينفجروا في مظاهرات، وانتفاضات للتعبير عن سخطهم وغضبهم ومعاناتهم من هذه الأزمة الخانقة، إذ كما يقول المثل العراقي: (الذي رجله في الماء ليس كمن رجله في النار)، ولكن لا يجب هذا الواقع المزري أن يمنعنا من مناقشة الأزمة وأسبابها الحقيقية بشكل هادئ وموضوعي، وبدون تحريض وصب الزيت على النار لأغراض سياسية.

هناك أسئلة كثيرة في هذا المجال تحتاج إلى مناقشة منصفة، بعيداً عن مشاعر الغضب والتحريض والكيد، ومن هذه الأسئلة مثلاً: هل أزمة الكهرباء هي الأزمة الوحيدة التي يعاني منها الشعب؟ وهل هذه الأزمة هي وليدة اليوم؟ وهل إلقاء اللوم على وزير الكهرباء وإقالته وتعيين وزير آخر سيحل المشكلة؟ وهل بإمكان هذه الحكومة، أو أية حكومة قادمة، حل هذه المشكلة في وقت قصير؟ لا شك أن هناك أسئلة أخرى كثيرة، والجواب في رأيي على جميعها هو: كلا.

ولنحاول الإجابة على هذه الأسئلة بإيجاز.
هل العراق يعاني من أزمة الكهرباء فقط؟ الجواب كما بيّنا، كلا، فالعراق بلد الأزمات منذ بدأت البشرية بتدوين التاريخ، أما في الوقت الحاضر فالشعب العراقي هو ضحية عشرات الأزمات، الإرهاب، والجريمة المنظمة، وتدمير البيئة ومنشئاته الاقتصادية، وهناك أزمة مشاريع الصرف الصحي، وإسالة الماء، والبطالة، وتفشي الفساد الإداري والرشوة في دوائر الدولة، والتطرف الديني... وغيرها كثير من المشاكل، والتي لا يمكن حلها بين يوم وليلة، أو بمجرد الكتابة عنها وكيل الشتائم ضدها وضد مسببيها، أو ضد السلطة، ولا حتى في سبع سنوات أو عشر سنوات قادمة.

هل أزمة الكهرباء هي وليدة اليوم، أو ولدت بعد سقوط حكم البعث فقط؟ الجواب مرة أخرى: كلا، إن انقطاع الكهرباء صار تقليداً عرفه العراقيون منذ تسلط حزب البعث على السلطة عام 1968، وأتذكر في السبعينات كانت هذه الأزمة موجودة على الدوام وخاصة في الصيف العراقي اللاهب، وكان البعثيون يبررونها بوجوب منح الأولوية للمعامل الإنتاجية لإنجاح "الخطة الانفجارية!!" وغيرها من التفسيرات والأعذار. وهذا الوضع استمر إلى سقوط حكم البعث. ومن النكات التي كان الناس يتداولونها في التسعينات في هذا الخصوص أن السيدة ساجدة طلفاح، زوجة صدام حسين، ردَّت مرة على حسادها قائلة: (على ماذا يحسدونني، على قتل أخي في حادثة الهليكوبتر، أم على ابني المعوَّق، أم على زوجي المخبَّل اللي ما عنده شغل غير يطفِّي بالكهرباء!!)

وهل كان بإمكان الجماهير آنذاك أن تبدي تذمرها ولو بالهمس من أزمة الكهرباء، ناهيك عن خروجها بمظاهرات احتجاجية ضد أية أزمة؟ لا شك أن كان نصيها الإبادة. أما الآن، ومن إيجابيات الوضع الديمقراطي، فبإمكان الجماهير الخروج بمظاهرات احتجاجية لتعرب عن غضبها وسخطها، والمطالبة بإقالة الوزير المسؤول، الأمر الذي كان مستحيلاً في زمن البعث، ونعتز الآن بأن الديمقراطية لها أسنان من حديد، وبإمكان الجماهير أن تتظاهر وتحتج وحتى تقيل وزيراً فاشلاً.

ولا أريد هنا الدفاع عن الوزير المستقيل أو المقال، ولا المساهمة في الطعن به، إذ لم أسمع باسمه، ولا صغراً به، إلا بعد انفجار هذه الأزمة، فليس المطلوب مني أن أعرف أسماء جميع أعضاء الحكومة، ولكن بعد الاستفسار من بعض أصدقائي العارفين في مجال الكهرباء والأزمة العاصفة، علمت أن الوزير المقال هو فعلاً لم يكن بمستوى المسؤولية، ويتحمل قسطاً كبيراً من اللوم في تنامي هذه الأزمة، وأنه من الصعوبة الدفاع عنه. ولكن رغم كل ذلك، فمن يعرف حجم الخراب البشري والمادي الذي ورثه العراق من البعث، يجب أن يدرك أيضاً أنه ليس بإمكان أي وزير أو حكومة حل المشكلة بالسرعة التي نتمناها أو كما يتصور البعض.

عوامل ساهمت في تعقيد الأزمة
إن أزمة الكهرباء، كأي أزمة عراقية أخرى، شائكة ومعقدة، وهناك عدة عوامل ساهمت في تعقيدها و تفاقمها، وخلق الصعوبات أمام حلولها أذكر منها ما يلي:
أولاً، إن معظم المحطات الكهربائية هي قديمة أنشئت في السبعينات من القرن الماضي أو قبلها، عندما كانت حاجة العراق من الكهرباء  أقل بكثير من حاجته اليوم،
ثانيا، حرمان هذه المنشئات من الصيانة والإدامة خلال الثلاثين سنة الماضية بسبب الحروب والحصار، وتوظيف الثروات لعسكرة المجتمع ووسائل الدمار، بدلاً من الإعمار.
ثالثاً، كان تعداد سكان العراق في السبعينات في حدود 15 مليون نسمة أو أقل، بينما تضاعف هذا العدد اليوم إلى أكثر من 30 مليوناً.
رابعاً، إضافة إلى عدم الصيانة والإدامة، هناك عامل التخريب على أيدي الإرهابيين بعد سقوط حكم البعث، فكلما تم إصلاح محطة أو بناء أخرى يقوم الإرهابيون بتخريبها لإظهار الحكومة بالعجز والتقصير في تلبية احتياجات الشعب، وخلق التذمر ضدها.
 
خامساً، زيادة القدرة الشرائية للمواطنين، إذ كان راتب الموظف في السنوات الأخيرة من حكم البعث لا يزيد على دولارين أو ثلاثة دولارات في الشهر، تضاعف اليوم أكثر من مئة مرة، إضافة إلى تضاعف عدد المواطنين الذين يمتلكون الأجهزة الكهربائية مثل الثلاجات والمبردات وغيرها، حيث فتح باب الاستيراد وبأسعار مناسبة مع قدرات المواطنين الشرائية.

سادساً، ومما يزيد في الطين بلة، الصراع بين القوى السياسية وأزمة تشكيل الحكومة الجديدة، إضافة إلى تفشي الإرهاب، كل هذه العوامل يمكن أن تلعب دوراً لتوظيف الأزمة لصالح من يريد إفشال الحكومة والوضع الجديد، خاصة وأن لفلول البعث خبرة عريقة في هذا المضمار، إذ نتذكر ما حصل في عهد حكومة ثورة 14 تموز عندما رفعت الحكومة سعر الغالون من البنزين خمسة فلوس فقط، فاستثمرها البعثيون لصالحهم ونظموا إضراب سواق التاكسيات، ومظاهرات صاخبة في بغداد وغيرها من المدن، وقاموا بإحراق باصات الحكومة، وإشعال النيران في بعض محطات البنزين كتمهيد لإسقاط حكومة الثورة في انقلابهم العسكري يوم 8 شباط 1963. وليس مستبعداً الآن أن يعيد التاريخ نفسه، فتستغل قوى الردة هذه الأزمة، وتوظف تذمر الجماهير وسخطها ومعاناتها لأغراض أعداء التغيير في العراق.

يقول الأستاذ طعمة السعدي في مقاله القيم بهذا الخصوص: "أن الإنتاج الذي ورثناه من حكم صدام المقبور كان في صيف عام 2003 بحدود ثلاثة آلاف وخمسمائة ميكاواط أو أقل من ذلك. وكانت حاجة البلاد بحدود ثمانية آلاف ميكاواط. ووصل إنتاج الطاقة الآن، بما فيه المستورد، الى ما يقارب ثمانية ألاف ميكاواط أو أقل. لكن استهلاك الطاقة المفترض حاليا (أي الحاجة الفعلية) يقارب خمسة عشر ألف ميكاواط." وقد اقترح الأستاذ السعدي جملة من الإجراءات لحل الأزمة جديرة بالاعتبار. (نضع رابط المقال في الهامش).
 
إن الحقائق المذكورة أعلاه لا يمكن تجاهلها عندما نفكر بحل الأزمة، ومهما كان موقفنا من الحكومة، ولا بد من الاعتراف بأن حاجة الشعب للكهرباء تضاعفت أكثر من ثلاث مرات عما كان عليه في السبعينات والثمانينات. لذا أعتقد أن توفير الكهرباء بالكمية المطلوبة لسد جميع احتياجات الشعب من الصعوبة تحقيقه في ظل الأوضاع الراهنة، وقبل القضاء على الإرهاب، ومن ثم المباشرة في بناء الكثير من المحطات الجديدة، وصيانة وتجديد القديمة منها. كذلك يتحمل نواب الدورة السابقة للبرلمان قسطاً من المسؤولية عندما صوتوا ضد تخصيص ميزانية كافية لتنفيذ المشاريع الكهربائية اعتقاداً منهم أن رئيس الوزراء نوري المالكي هو الذي سيستفيد من هذا الانجاز، وبالتالي يستخدمه لأغراض انتخابية، وبذلك ألحقوا أشد الأضرار بالشعب لأغراضهم الشخصية والفئوية.
 
ومن كل ما تقدم، أعتقد أن أزمة الكهرباء وغيرها من الأزمات لا يمكن حلها بإقالة وزير، إذ كما قال رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي يوم الثلاثاء 21/6/2010، "أن استقالة الوزير لن تغير من الوضع شيئا (على المدى القريب على الأقل). واستبعد أن يتم حل مشكلة الكهرباء حتى استكمال المشاريع بهذا الصدد، وأن على العراقيين أن لا يتوقعوا حل مشكلة الطاقة الكهربائية قبل استكمال جميع المشاريع مع شركة سيمنس الألمانية، وجي أي، وأن تلك المشاريع تحتاج لسنتين قبل أن تكتمل". في الحقيقة يعتقد بعض الخبراء أن استكمال المشاريع هذه قد يستغرق أربع سنوات وليس سنتين. وهنا يثار سؤال: لماذا تأخرت وزارة الكهرباء أربع سنوات في توقيع عقودها مع الشركات العالمية؟

أعتقد أن رئيس الوزراء أراد من تصريحه هذا ن يكون صادقاً ونزيهاً مع الشعب ومع نفسه دون كيل وعود زائفة لا يمكن تحقيقها، قال ذلك نتيجة للخبرة التي كسبها خلال الأربع سنوات الماضية وهو في موقع المسؤولية، ولأنه يعرف حجم المشكلة والوقت الذي تتطلبه لحلها. ولكن مع الأسف الشديد تلقى بعض المعلقين هذا التصريح بالسلب والتهكم بدلاً من أن يعترفوا بالأمر الواقع، فركبوا موجة الصراخ والعويل وكيل الشتائم ضد المسؤولين.
كما وأرى أن من واجب الحكومة، وبالأخص وزارة الكهرباء، أن يشرحوا للشعب حجم الأزمة وتفاصيلها في وسائل الإعلام، وطرق حلها وما هي الإجراءات التي اتخذت في هذا السبيل، وما هو ممكن عمله على المديين، القصير والبعيد لحلها، وأنه ليست هناك حلاً سحرياً لهذه المعضلة بين عشية وضحاها، والمطلوب أيضاً عقد ندوات ومؤتمرات للخبراء العراقيين والأجانب للاستفادة من خبراتهم. 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق