CET 15:09:57 - 27/06/2010

مساحة رأي

بقلم : يوسف سيدهم
 جامعة أسيوط التي يفيض تاريخها بحكاوي التعصب الديني والفرز والتي تخرجت فيها أجيال تحمل مرارة شديدة لما تعرضت له داخل كلياتها...أرادت أن تواكب التقدم والرقي الإنساني فأسست مركزاً لدراسات وبحوث حقوق الإنسان تابعاً لرئيس الجامعة...وتقول لائحة المركز: «إنه يهدف إلي تشجيع البحوث والدراسات الأكاديمية في مجال حقوق الإنسان والتعريف بالمعايير الدولية والإقليمية والوطنية لهذه الحقوق، ونشر ثقافة حقوق الإنسان داخل الأوساط الجامعية».

وتشمل مجالات عمل هذا المركز أيضاً إعداد برامج تدريبية وتثقيفية في مجال حقوق الإنسان لكل كوادر العاملين والطلبة، أما ما يستدعي الانتباه فهو مجال إعداد البحوث الدراسية لحقوق الإنسان ودعم وتطوير المقررات الدراسية الجامعية لتتواءم مع هذه الحقوق، مع إعداد تقارير دورية بنتائج مراجعة وتطوير تلك المقررات.

كلام عظيم جداً من يقرأه يشعر بتفاؤل مؤداه أن جامعة أسيوط تمثل نموذجاً يحتذي في إعلاء معايير حقوق الإنسان...لكن الحقيقة المعاشة تتناقض تماماً مع ذلك، لا تزال قطاعات غير قليلة من الطلبة تتساءل عن دور هذا المركز- والجمعية الشبيهة به التي تأسست داخل جدران كلية الحقوق-وما فعل كل منهما من أجل تحقيق أهدافه وسياساته وأنشطته في تنقية أجواء الجامعة وكلياتها ومناهجها الدراسية وسلوكيات إداراتها وهيئات التدريس بها من التنكر لحقوق الإنسان واستباحة التعصب والفرز فيها.

الواقع المؤلم يشهد أن الكثير من المقررات الدراسية وما يتبعها من كتب ومؤلفات ومراجع- خاصة في الكليات النظرية مثل كلية الآداب وقسم الفلسفة بها- تنتمي إلي كليات جامعة الأزهر وأقسام الفقه والشريعة بها من شدة سيطرة التوجه الديني الإسلامي عليها واعتباره المرجعية الأساسية. إذا لم تكن المرجعية الوحيدة لكل فكر أو فلسفة أو اجتهاد. ويرجع الكثيرون ذلك إلي مساحة الحرية المكفولة لهيئات التدريس الجامعية في تحديد واختيار الكتب المساعدة والمراجع فجاءت تعكس المقدار المخيف للفكر الجهادي الأصولي المتطرف الذي غزا العقول منذ نحو ثلاثين سنة...عقول الطلبة آنذاك، وهاهم أولئك الطلبة يصبحون اليوم مدرسين وأساتذة ينشرون هذا الفكر وهذه المؤلفات في ظل وجود مركز تابع لرئيس الجامعة، وجمعية تابعة لكلية الحقوق يزعمان أنهما ساهران يقظان علي نشر ثقافة ومعايير حقوق الإنسان وقائمان علي مراجعة المناهج وتطويرها...ولست أدري هل اطلع القائمون علي المركز والجمعية علي كتب الفرقتين الأولي والثانية لقسم الفلسفة علاوة علي كتاب فلسفة الدين للفرقة الأولي وكتاب التصوف الإسلامي للفرقة الرابعة؟... وهل فكرا في إرسال ممثلين عنهما لحضور بعض المحاضرات التي تجري في هذ الإطار ليتعرفا علي جانب من الأفكار والأحاديث والمناقشات التي تدار فيها والتي تنتهك معايير ومبادئ حقوق الإنسان بكل جرأة؟

إن المنطق البسيط يفترض أن الجريمة التعليمية التي تعطي لطالب ما بعد المرحلة المدرسية يجب أن تكون جرعة شاملة عامة غير متخصصة، أي تؤهله لمعرفة جميع المصادر والجذور المرتبطة بأي تخصص من تخصصات العلم والمعرفة حتي يلم بالأصول بشكل عمومي غير متخصص، ثم بعد ذلك في مراحل التخصص الدراسي ما بعد الجامعي يمكن للطالب اختيار فرع معين من منظومة العلوم العامة الشاملة التي درسها ليتخصص فيها في مستوي الدراسات العليا...بذلك يكون الطالب قد حصل علي الجرعة الأساسية التي تعرض جميع جوانب دراسته بشكل محايد وتعرف علي مختلف المدارس الفكرية والفلسفة المرتبطة بفرع العلم الذي يدرسه، ومن ثم يستطيع معرفة مختلف المدارس الفكرية ومالها وما عليها، دون أن يكون مغلقاً علي مدرسة واحدة دون سواها تفرض عليه مقوماتها الفكرية والنقدية وتأسره داخل مساحتها الفكرية.

يضاف إلي ذلك أن واقع العملية التعليمية في مرحلة التعليم الجامعي يغلب عليها المناخ السلطوي لتبعية الطالب لأستاذ المادة، وضرورة رضوخه لما يقدم له من معلومات وحرمانه من مناقشتها أو الاعتراض عليها فكرياً أو نقدها علمياً...من هنا نتبين درجة خطورة الكتب والمناهج التي تفرض علي الطلبة، بينما هي تتضمن توجهاً أحادياً غير منفتح علي المدارس الفكرية الأخري، وبالتالي يستهدف غزو عقول الطلبة بفكر موجه أحادي يشكل المساحة الضحلة لتكوينهم العلمي والثقافي القاصر عن إدراك شتي الأبعاد المتنوعة الأخري لفرع العلم الذي يدرسونه.

هذا الواقع المؤسف ليس مقصوراً علي معاناة ضحاياه من الطلبة الدراسين، بل هو مرصود من خلال كثير من المتابعين لما يجري في الخفاء تحت شعار حرية الأستاذ الجامعي في تحديد المناهج والمراجع، وتحت شعار ما يتم الإفصاح به داخل قاعات المحاضرات في جامعتنا العريقة...جامعة أسيوط .. وذلك كان موضوع الشكوي الرسمية المرسلة إلي وزير التعليم العالي، والتي أعرضها الأسبوع المقبل بإذن الله.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق