بقلم : لطيف شاكر
" حس بآلامها قبل أن تتألم .. أنها أم أولادك إذا اسعدتها اسعدتهم وفى رعايتها رعايتهم ، أنها امانة فى يدك وقلبك ، فأنت المسئول عنها أمام الآله الأعظم الذى اقسمت فى محرابه أن تكون لها أخاً وأباً وشريكاً لحياتها " .
( بردية لحكيم مصري)
تكمن الأهمية التاريخية للحضارة المصرية القديمة فى منظومة القيم والرسالات الإنسانية التى شملت كل نواحى الحياة ، وكونت بمرور ألفيات مصر السبع ، الجذور الحقيقية التى تستمد منها البشرية تراثها الإنسانى فى إجماله ، ومن أهم هذه القيم الإنسانية الإعتراف بأهمية دور المرأة بالمجتمع .
وتُرجمت هذه القيمة عملياً بصياغة مكانة رفيعة المستوى للمرأة المصرية باعتبارها الشريك الوحيد للرجل فى حياته الدينية والدنيوية طبقاً لنظرية الخلق ونشأة الكون الموجودة فى المبادئ الدينية الفرعونية ، حيث المساواة القانونية الكاملة وارتباط الرجل بالمرأة لأول مرة بالرباط المقدس من خلال عقود الزواج الأبدية .
تعدت المرأة هذه المكانة حتى وصلت لدرجة التقديس فظهرت المعبودات من النساء إلى جانب الآلهة الذكور بل أن آلهة الحكمة كانت فى صورة امرأة ، والآلهة إيزيس كانت رمزاً للوفاء والإخلاص .
كذلك استطاعت المرأة المصرية فى التاريخ الفرعونى الدخول فى العديد من ميادين العمل المختلفة ووصل التقدير العملى لها لدرجة رفعها إلى عرش البلاد فقد تولين المُلك فى عهود قديمة , ومنهن (حتب) أم الملك خوفو، و( خنت) إبنة الفرعون منقرع ، و( اباح حتب) ملكة طيبة ، و( حتشبسوت) إبنة الفرعون آمون ، و(تى) زوجة إخناتون .
كما عملت المرأة بالقضاء مثل نبت ( Nepet ) وهى حماة الملك بيبى الأول من الأسرة السادسة ، وتكرر المنصب خلال عهد الأسرة السادسة والعشرين وأيضاً العمل بمجال الطب مثل بثت (Psechet) والتى حملت لقب كبيرة الطبيبات خلال عهد الأسرة الرابعة ، ووصلت الكاتبات منهن لمناصب (مديرة – رئيسة قسم المخازن مراقب المخازن الملكية – سيدة الأعمال – كاهنة ).
" كانت المرأة المصرية تحيى حياة سعيدة فى بلد يبدو أن المساواة بين الجنسين فيه أمراً طبيعياً " .. عبارة معبرة لعالمة المصريات الفرنسية "كريستيان دى روس نوبلكور"، تؤكد أن الإنسان المصرى يعتبر أن المساواة أمراً فطر عليه ، وكذلك وضعت الحضارة الفرعونية أول التشريعات والقوانين المنظمة لدور المرأة وأول تلك التشريعات وأهمها تشريعات الزواج أو الرباط المقدس من حيث الحقوق والواجبات والقائمة على الإحترام المتبادل بين الزوج والزوجة بإعتبارها هى (ربة بيت) والمتحكمة الأولى فيه بالإضافة لحقها الكامل والمتساوى مع الرجل فيما يختص بحق الميراث ، كذلك كان لها ثلث مال زوجها فى حالة قيامه بتطليقها بدون سبب , كما كان المصرى القديم دائم الحرص على أن تدفن زوجته معه فى مقبرة باعتبارها شريكته فى الحياة الدنيا وبعد البعث أيضاً
أما حق التعليم فقد كان من حق المرأة المصرية إبتداء من سن الرابعة وكانت تتلقى العلم من خلال مدارس ذات نظام صارم ، تركز على مبادئ الحساب والرياضيات والهندسة والعلوم بالإضافة لتعليم أصول اللغة الهيروغليفية واللغة الهيراطيقية الدارجة للإستعمال اليومى ، وفى النهاية تمنح الفتاة مثلها فى ذلك مثل الصبى لقب ( كتابة جائزة على المحبرة) مع السماح لهن بإمكانية التخصص العلمى فى أى من فروع المعرفة .
هناك أوراق بردية تدل على أن الزواج من واحدة كان معروفا حتى في عصر ما قبل الأسرات أي قبل سبعة آلاف سنة وذلك دليل على أهمية الزواج و مدى قدسية الزواج والتي نجدها في إحدى الأساطير التي تفسر ظاهرة فياضان النيل.
كان المصريون القدماء يؤمنون بان مياه النيل تزداد عندما الآلهة ايزيس تتذكر وفاة زوجها اوزوريس و تجلس عند شط النهر و تبكي، فدموعها تنزل الى النهر و تزداد المياه فيأتي فياضان النيل.
علي رأسها ريشة
يمتلئ التاريخ برموز نسائية تمتعت بالقوة والسيطرة ، وقامت على أكتافهن حضارات ، وتعتبر الحضارة الفرعونية خير دليل على المكانة التي كانت تحظي بها المرأة في مصر القديمة ، ولعلها تمتعت بحقوق أكثر من التى تتمتع بها المرأة في عصرنا الحالي.
وأسطورة "ماعت" لا يزال تأثيرها باقيا حتى عصرنا الحالي فهى السبب وراء الكلمة الشهيرة المتعارف عليها حاليا وهى "على رأسها ريشة"الأمر الذي يؤكد على ارتباط وجود المرأة بالتميز والرفعة، حيث تم تصوير "ماعت" أو "آلهة العدالة الأسطورية" على جدران المعابد الفرعونية وعلى رأسها ريشة مما يؤكد أن الحضارة المصرية القديمة كرمت المرأة وأعلت من شانها وأعطتها كافة حقوقها
وذكر المؤرخ هيرودوت بعد زيارته لمصر مقولة : أن المصريين فى عاداتهم وطريقة حياتهم يبدون وكأنهم يخالفون ما درج عليه البشر، فنساؤهم على سبيل المثال يذهبن للأسواق ويمارسن التجارة، بينما الرجال يقرون فى البيوت يغزلون. وعلى أية حال فمناظر المقابر تشير لدور المرأة فى أعمال التجارة والحصاد ودرس القمح، وكلها أعمال شاقة قامت بها المرأة مثل الرجل تماماً، كذلك عملت المرأة بجانب الرجل فى أعمال المطبخ مثل طحن القمح وصنع الطعام والإشراف على المآدب التى كان يحضرها الرجال والنساء مختلطون.
لذا نري أن المرأة حصلت على العديد من الحقوق فكانت تشارك في الحياة العامة ،وتحضر مجالس الحكم، بل وتتولى الحكم. وتمتعت بحقوق اجتماعية واقتصادية وقانونية وسياسية مساوية للرجل وكان بإمكانها أن تدير ممتلكاتها الخاصة وتدير الممتلكات العامة، وقد شغلت المرأة المصرية العديد من المهن والحرف، مثل منصب قاض ووزير ، ودخلت مجال الطب والجراحة وشغلت مهنة سيدة أعمال.
لبست قفازات منقوشة
ومن أشهر وأعظم ملكات العصر الفرعوني الملكة حتشبسوت التي تولت الحكم كانت الملكة "حتشبسوت" حكمت مصر عشرون عاماً ، وأسمها يعني "أميز النساء بفضل آمون " أو "درة الأميرات" ، وهي إبنة الملك تحتمس الأول وزوجة تحتمس الثاني ، ، و تأتي كأعظم شاهد على دور المرآة المميز وقدرتها على الإدارة والحكم ، على الرغم من كثرة الرافضين لوجود امرأة على كرسي العرش.
لقد كانت حتشبسوت من تعداد الجميلات، وهي أول من ارتدت القفازات وذلك لوجود 6 أصابع أو أكثر في اليد الواحدة ،ولم يعرف الناس ذلك إلا بعد رؤية موميائها ففي أغلب التماثيل التي صنعت لها كانت يداها تبدوان طبيعيتين لأنها كانت تأمر النحاتون بذلك ، أيضا هي أول من طرزت القفازات بالأحجار الكريمة.
كان للملكة حتشبسوت دور فعال في حكم البلاد حيث اتسم عهدها بالرخاء ، اهتمت بالأسطول التجاري المصري فأنشأت السفن الكبيرة ، وقامت بالعديد من الحملات العسكرية منها حملة تأديبية على النوبة في بداية حكمها، وحملة تأديبية على سورية وفلسطين ، مضافا إليها حملة ضد تمرد في النوبة ، وحملة تأديبية على ماو بالقرب من منطقة فرقة، وأرسلت العديد من البعثات التجارية منها بعثة بلاد بونت ، و بعثة أسوان .
الزواج والعرس في كوشة
يقول الدكتور سيد كريم مؤلف موسوعة لغز الحضارة " المصري مازال متمسكا بعاداته وتقاليده التي ورثها عن أجداده القدماء ، ولعل الزواج أبرز هذه العادات التي لم تتغير ، فالمصريون اول شعوب العالم معرفة بالزواج حيث وضعوا له شروطا ، فالزواج يبدأ بدبلة الخطوبة وهي موجودة في تشريعات قدماء المصريين ، وكانوا يطلقون عليها " حلقة البعث " وذلك لأن ليس لها أول ولا أخر ، وهذا معناه دوام العشرة والإخلاص ، وكانت تصنع من الذهب ، وكانت الدبلة توضع في اليد اليمني - تماما مثلما يحدث الآن - وبعد الزواج تنقل لليد اليسري ، وفي هذا اتباع لتعاليم الإله ، باعتباره المتحكم في القضاء والقدر - علي حد معتقدات قدماء المصريين . والكاهن والكوشة والزغرودة .. طقوس فرعونية قديمة
كذلك كان العروسان قديما يقومان بتزيين قاعة الزفاف ، وأهم شيء يستخدم لتزيين القاعة هو زهر الياسمين ، وهو بالفرعوني " الياسمون " ، وذلك لأنه في اعتقادهم زهر الجنة ورائحته هي رائحة الجنة ، وكان يطلق علي المكان الذي يجلس فيه العروسين " الكوش " ، وقد تطور هذا الاسم الآن وأصبح " الكوشة " .
ومن تقاليد الأفراح المصرية حاليا " تورتة العروسين " والتي يحرص فيها العروسان علي تقطيعها سويا ، ويقوم كل منهما بتناول جزءا صغيرا علي طرف السكين من الشيف المخصص لتقطيع هذه التورتة .
كما تحرص النساء اللائي يحضرن الزفاف بإطلاق " الزغاريد " التي تعبر عن فرحتهم بإتمام هذا الزفاف المبارك
اما عن المراسم والطقوس التي كانت تلزم لعقد زواج قانوني او كما يقول التعبير المصري القديم لكي يؤسس المرء لنفسه بيتاا وكان الكاهن يقوم بمراسم عقد الزواج وتسجيله امام شهود داخل المعبد بحضور اقرباء الزوجين.
وهذ الزواج يشبه مايتبعه اقباط مصرفي الوقت الحاضر عندما يقوم الكاهن باداء الطقوس الدينية للعروسين في الكنيسة امام شهود من الاهل والاقرباء وبعد تلاوة دينية مختلفة وادعية مناسبة يطلب لهما البركة والحياة السعيدة الموفقة ويقوم بعد ذلك باتخاذ اجراءات الزواج
اما العلاقة بين الزوجين فكانت تصور في جميع العصور بصورة تدل علي الاخلاص والوفاء فيقف كل منهما الي جانب الاخر او يجلسان معا علي احد المقاعد بينما تلف الزوجة ذراعها في رفق حول عنق زوجها او تضع يدها علي احدي كتفيه او تتشابك ايديهما معا رمزا لحبها له وتعلقها به .
ونري في احد المناظر ان الملك والملكة جالسين متقابلين تحت اشعة قرص الشمس (اتون) يدلالان بناتهما, ويعد هذا المنظر من اروع المناظر العائلية التي وصلت الينا من عهد اخناتون .
وفي المتحف المصري تبين منظرا خلابا تتجلي فيه الحياة المنزلية باجلي معانيها فنري الملك جالسا في غير تكلف والملكة ماثلة امامه وفي احدي يديها اناء صغير للعطر تأخذ منه وباليد الاخري عطر تلمس به كتف زوجها برقة ولطف تعطره به .
كما نراها في صورة اخري وهي تقف امامه تقدم له الزهور وفي صورة ثالثة تقف الي جانبه وتستند عليه ذراعها كناية عن معاونتها له
علي احدي البرديات وجدت هذه الوصية "إذا بحثت عن الحكمة و السعادة أحب زوجتك و شريكتك و اهتم بها و أرعاها فهي ستهتم ببيتك و ترعى أطفالك و ترويهم بحبها. اهتم بها ما دمت على قيد الحياة لأنها هدية و نعمة من ربك الذي استجاب لصلاتك و دعواتك. تمتع بهذه النعمة لان تقديس هذه العطية الالهية هو ارضاء للالهة.. |