CET 00:00:00 - 01/07/2010

مساحة رأي

بقلم : نبيل المهندس
 في كثير من الأحيان نسأل أنفسنا ماهي الحكمة أو الهدف في أن يبعث الله لنا شيء  أو شخص ينغص حياتنا , ويجعل حياتنا دائما في قلق , ونشعر أننا نعيش في عدم أمن وسلام ؟؟ .. بالرغم اننا نطلب الكثير منه أن يرفع ويزيح عننا هذا القلق , لكننا نري أن هذا المُنغص يزداد إمعانا في شرهِ وطغيانهِ . ومن خلال أحداثنا الجارية نحن كمسيحيين تذكرتُ  داود فقد كان له مُنغص في حياته يتركز في " شمعي بن جيرا " 2 صم 16 : 5 - 14 . ففي أثناء وصول الملك داود إلي بحوريم خرج شمعي يسب في الملك داود ويلقي عليه الحجارة هو وعشيرته , حتي أن أبيشاي إبن صُرُوية  شبههُ بكلب ميت , وطلب من الملك داود أن يهجم عليه ويقطع رأسه , فكان رد داود "دَعُوهُ يسب لأن الرب قال له سُب داود " .. فقد كان لدي داود رأي آخر ليس انه مجرد (كلب ميت) بالنسبة لأبيشاي وعشيرته , بل هو مرسل من الله جاء اليه ليتمم أمرا إلهيا , علي داود أن يقبله بكل خضوع وإتضاع. 

وعندما ندرس شخصية شمعي إبن جيرا ( الكلب الميت ) دراسة وافية نجد أن التعصب الأعمي هو الذي جعله يتصرف مع داود وشعبه بهذا التصرف المملوء حقد وكراهية . فالتعصب الأعمي مهما كان لونه وصورته, هو شر بلية ووباء يمكن أن يصيبا فردا أو جماعة أو دولة بحالها. فقد كان شمعي من سبط بنيامين , فلا يمكن أن ينسي أنه ينتمي إلي الأسرة المالكة التي ضاع كرسي الملك منها , و آل إلي داود الذي هو من سبط يهوذا . 

وأنواع التعصب عديدة لا حصرة لها , ولكن لا ينتج عنه إلا الدمار والهلاك . ومن أنواع التعصب الأعمي هو التعصب القومي , وهذا النوع من التعصب هو الذي خلف من ورائه الحروب والمعارك منذ اوائل التاريخ .. هو الذي جعل أبا هنيبال القرطجني يأمر إبنه أن يحلف علي المذبح بأن يكره روما إلي الأبد. وهو الذي وضع العداء بين اليهود والسامريين , وهو الذي أنشأ اسطورة " ألمانيا فوق الجميع " وقاد العالم إلي الحربين العالمتين . وكثير من القوميات انهدمت وتلاشت من التاريخ بسبب التعصب الأعمي والذي مارسه شعوبها فافنوا انفسهم معها. 

وهناك التعصب الديني البحت والذي تعاني منها الشعوب التي تشارك وطنها مع اغلبية تُدين بدين معين , مثلما يوجد في البلاد العربية الإسلامية . وهذا التعصب خطير جدا لأنه عندما يشعر أصحاب ديانة الأغلبية بان ما يُدينون به يقف عقبة في رُقيهم وتقدمهم ... و أن شريعتهم تمنعهم من التواصل مع الأقلية , يبدأ في تنغيص حياة الأقلية والتي تُدين بعقيدة التواصل والمحبة , ونجد هذا التعصب يُزيد من تنغيصه بإلقاء الحجارة والسباب علي الأقلية , وذلك عن طريق إعطاء كل نواحي الحياة الصبغة الدينية الخاصة بهم, وفرض شريعتهم الدينية علي الأقليات الموجوده , ومنعهم بممارسة تطبيق شريعتهم  , كما حدث عندما صدر حكم من المحكمة الإدارية العليا يفرض علي الكنيسة السماح للمطلقين بالزواج الثاني. 

التعصب الديني يملأ الشوارع بالميكروفونات لبث نداء الصلاة وخطبهم علي حساب راحة الناس كانوا من الأغلبية أو الأقلية .. التعصب الاعمي هو الذي يفرض نفسه بالقوة , وليس بالحب ... وما أدهشني أخيرا هذه الهوجة المسعورة والتي ظهرت في مباريات كأس العالم لكرة القدم , فنجد التعصب يجعلهم يشجعون الدول الإسلامية المشتركة في المباريات, حتي أن هناك فتاوي تخرج من فقهاء "يقولون عنهم أنهم علماء" بان تشجيع  البلدان غير الإسلامية لا يجوز ... وعند خروج الفرق الخاصة بالدول الإسلامية من التصفيات يتوجهون إلي  تشجيع الفرق التي تلعب فيها لاعبون إسلامييون , وعندما تخرج هذه الفرق من التصفيات يبدأون في البحث عن أي فريق له صلة بالإسلام حتي ولو كان غير عربي . وعندما لا يجدون شيئا اسلاميا في المباريات الباقية فإن اغلبهم يحرمون أنفسهم من المتعة الحقيقية من مشاهدة المباريات الباقية. بعكس قبل سنوات مضت كنا جميعا نشجع من أول يوم الفرق بغض النظر عن هوية دينها أو هوية لاعيبيها ... كان وقتها العصر الذهبي لمصر ولشعبها ... فقد كان كل واحد فينا يختار بكل شحاعة وبدون خوف فريق يعشقه , وكان يشاركه في اللعب عن طريق تشجيعه عبر التليفيزيون . أما حاليا يخاف المسلم ان يصرح بأنه يشجع فريق ما , لكي يتجنب القيل والقال , ويتحاشي بأن تُلقي عليه تهمة التكفير .!!!

وعن شدة التعصب الأعمي تذكرت قصة خيالية بأن إحدي العلماء المسيحيين توصل إلي اختراع جهاز يُحَضِرْ به أصوات الذين هم في الحياة الثانية حتي صوت  الله نفسه , فتجمع كل رجال الديانيتين اليهودية والإسلامية حول الجهاز وأخذا يتراهنان , فقال اليهود أن اللغة التي تكلم بها الله مع موسي هي العبرية ... ومن الجانب الآخر هاج المسلمون وقالوا أن لغة الوحي الذي نزل علي نبيهم هي اللغة العربية ... ثم جاء العالم وبدا يشغل الجهاز حتي اتي بصوت الله , وإكتشفوا ان لغة الله عندما كان علي الأرض هي اللغة الآرامية وهي لغة الله عندما تجسد في يسوع المسيح. وإتضح أنه حتي العالم المسيحي كان متعصبا لأنه أتي بجهاز تسجيل ووضعه تحت الجهاز الذي ابتكره مسجل عليه صوت صديق له يتكلم الآرامية. !!!  

التعصب الأعمي هو المانع الوحيد في قيامة دولة علمانية قوامها الأسس المدنية ... ولا يمكن بأي حال من الأحوال الوصول إلي الدولة المدنية إلا بدحر المادة الثانية من الدستور التي تُعتبر إحدي أسباب هذا التعصب ... وقد كتب الكثير من الكتاب المسيحيين والعلمانيين والمسلمين المعتدلين بإلغاء هذا البند أو تعديله ... فهو يناقض تماما اسلوب الحياة المدنية , والتي يتمناها أغلب المصريين المعتدلين . 

أرجع ثاني وثالث ورابع واقول ... الإنتخابات النيابية علي الأبواب ... وما زلنا نحن المسيحيين لا نعرف اي حزب يميل إلي السياسة المدنية للبلاد ... علينا من الآن أن نناقش هذه الأحزاب عن مشروعاتهم وسياساتهم نحو الأقلية خاصة ونحو مصر عامة ... الأيام تمر علينا وسوف نجد أنفسنا في زحام الإنتخابات نتخبط لأننا لم نجد من يرشدنا إلي من هو الأصلح لنا . كثيرا ناديت بعمل منتديات مع هذه الأحزاب , وان نلقي عليهم افكارنا وطلباتنا والتي تكون كفيلة بحمايتنا ... كما نتعرف علي مدي مقدورهم في إقامة الدولة المدنيـــة المنشـــودة . 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٥ صوت عدد التعليقات: ٣٧ تعليق