بقلم.: سامي ابراهيم
ثور واحد ومصارع واحد، اللعبة قد تبدو متكافئة، مع امتلاك كل طرف أسلحة لينتصر على الآخر، فالثور مدجج بالقرون والبنية الجسدية الهائلة، بينما المصارع يحمل سيفا حادا بتارا مع خفة ولياقة ومرونة جسدية كبيرة، تنتهي المصارعة في أغلب الأحيان بقتل الثور وفي أحيان نادرة وبسبب خطأ محدد يقتل المصارع.
لكن بالنسبة للمسيحي في العراق فإن الوضع مختلف، فاللعبة ليست متكافئة على الإطلاق، هناك ثيران كثيرة ومصارع وحيد.
والمسيحي لا يملك السيف الذي يستخدمه مصارع الثور، ناهيك عن امتلاك الثور ترسانة من السيوف يدججها على مقدمة قرونه.
ووسيلة الدفاع الوحيدة التي يلتجأ إليها هي مرونة جسده لتفادي ضربات الثيران الهائجة القاتلة، لكن النتيجة محسومة، فاللعبة تنتهي دائما بمقتله.
أما أداة التهييج التي يحتاجها "الثور الإنسان" ليغضب ويثور ويقتل هي رؤيته لإشارة زائد معلقة على صدر ضحيته أبعادها بالسنتمترات أو بناء تعلوه تلك الإشارة، ليكتسح الضحية ويفجر ذلك البناء.
والفرق بين "الثور الحيوان" و"الثور الإنسان" هو أن "الثور الحيوان" يتعب وتخور قواه بينما "الثور الإنسان" لا يتعب ولا يكل ولا يمل. فتراه هائجاً وغاضباً ومستعداً للنطح دائماً.
لا يمكنك أن تتخيل توقيت عملية النطح ، ولا يمكنك أن تتوقع أيضا مكان وإحداثيات موقع حلبة المصارعة، فأرض الوطن كلها بالنسبة لهذا الثور حلبة مصارعة. لا تعرف متى ستقتل. لا تعرف متى ستتحول لأشلاء.
أما المتفرجون والمشاهدون فبعضهم من يشحذ قرون تلك الثيران لتبقى جاهزة للقتل والغرز دائما، وبعضهم من يدعم الثيران ويقدم لها الطعام، بعضهم من يقوم بالهتاف والتشجيع فقط للثيران مكتفيا بتقديم الدعم المعنوي لها، وبعض الحضور من يشاهد اللعبة لأنه يتحمس لمنظر الدماء والقتل مشبعا غريزة القتل الحيوانية التي يملكها، بعضهم من يشاهد اللعبة بدافع الفضول فقط كأن يرى منظر الشنق أو طريقة فقد الإنسان لحياته، والبعض من يشفق ويتألم كمن يتألم عندما يرى مشهد سينمائي فيه منظر الدماء، لكن لا أحد يحرك ساكنا لوقف اللعبة.
الكلداني السرياني الآشوري في العراق يتعلم مصارعة الثيران إلى جانب مهنة أخرى يختارها في المجتمع. فترى الطبيب المصارع والمهندس المصارع والأستاذ المصارع.
فهو يعلم أولاده هذه الرياضة، يتوارثها جيلاً بعد جيل، لكن يبدو أن قوة جيل الثيران الجديدة هذه المرة كانت أقوى من أن تقاوم، فقد انتصرت انتصارا ساحقا.
كم هي قوة الثيران عظيمة، حتى استطاعت هذه الثيران في زمنٍ قياسيٍ أن تقتلع شعباً كاملاً من جذوره التي ضربت أعماق الحضارة منذ آلاف السنوات وتذريه في بلاد الاغتراب ليتوه وينصهر ويفقد خصائصه الحضارية في بوتقة المجتمعات التي هاجر إليها.
فالكلداني السرياني الآشوري موجود على هذه الأرض منذ أكثر من ستة آلاف سنة، قاوم خلالها أصعب المحن وأشرس الهجمات وأوحش الإبادات، لكنه في سبع سنوات فقط هجرت الغالبية العظمى من أبنائه ومن بقي في أرض الوطن عليه أن يجاهد ليتلافى تلقي النطحات.
قطيع هائج غبي، لا قلب له، لا تعرف لماذا يغضب، لا تعرف لماذا يقتل.
في بعض الأحيان لا يكون قصد الثور أن يقتل الكلداني السرياني الآشوري، بل يقتله أثناء مناطحته لثور آخر. فقد تقتل الثيران بوحشيتها وهمجيتها بعضها البعض أيضا، فثروات الوطن مراعي خضراء، والقطيع الأقوى هو الذي سينتصر.
الكلداني السرياني الآشوري إنسانٌ واقفٌ بين قطيعين من الثيران ليتنافسوا على منطقة خضراء، لا حول له ولا قوة، ليتم سحقه بين الثيران المتناطحة وليتحول لقطع لحمٍ متناثرة.
لقد أفسدت هذه الثيران الحياة، وجعلت الشعب يعيش في الخوف والظلام، شعب يتخيل الأسوأ كل يوم لكي يستطيع أن يعيش لأن الخوف والظلام ما هو إلا المجهول.
لا يهم ما حدث لنا في الماضي بل هم ما يحدث لنا في الحاضر، وبما أن حياتنا لم تنته بعد لهذا لا يجب أن نسمح لهذه الثيران بان تقنعنا بأنها انتهت.
يجب أن يتدخل العالم لإيقاف هذه المصارعة التي يذهب ضحيتها أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، ويجب على الحكومة في العراق التوقف عن غض النظر عما يحدث، يجب عليها أن تتحمل مسؤولياتها أمام التاريخ وأن تتوقف عن هدم الحضارة الإنسانية بتصرفها غير المسؤول وغير الأخلاقي، يجب عليها أن تنشر الوعي وتنشر روح التسامح، وفهم الآخر واحترام معتقداته وثقافاته مهما كانت، بدلا من التفكير في تقسيم خيرات البلد وثرواته، عساها تستطيع أن تمسح دموع من يعاني ومن يقاسي الويلات، وتكون حكومة حقيقية لكل أبناءها مخلصة للحق ومحققة لإنسانية الإنسان. |