CET 00:00:00 - 07/07/2010

مساحة رأي

بقلم : نبيل المقدس
ساعة ونصف ... كانت كفيلة أن أتفادي جريمة كنت سأقوم بها عند وصولي إلي أرض مطار القاهرة.  لولا هذه السيدة والتي قابلتها علي الكاونتر في مطار لبنان , فقد أحسستُ من طريقة تعاملها مع موظفة الكاونتر أنها من عائلة كبيرة بالقاهرة , كلماتها فيها أدب وذوق , وتعلو الإبتسامة علي شفتاها بإستمرار .

لمحتني وأنا أتلفت إليها عدة مرات ... بادرتني بالحديث وقالت لي ... من أجل خاطر عيون لبنان أحببت صعوبة السفر ... ضحكت وقلت لها : مافيش حلاوة من غير نار .. قالت لي : إنت مصرية ؟ قلت لها أكيد مصرية , ألا يبدو عليّ أنني من سيدات مصر ...! قالت بالعكس عيونك الواسعة تميزك أن أصلك فرعونية ... لكن بياضك ولون شعرك الأصفر جعلني أتشكك أنك مصرية . قلت لها وأنا أضحك :ربما أنتمي إلي أب فرعوني تزوج من سيدة رومانية في زمن إحتلالنا من الرومان . وأخذنا نتكلم في أمور كثيرة , حتي وجدنا أنفسنا جالسين علي مقاعدنا فجأة . فقد كان الحديث معها ممتع مما جعلني لم اتابع ماذا حصل من وقت معرفتي بها .

نما بيننا محبة كبيرة بالرغم أنها إمرأة نصف متحجبة أي تُظهر بعض من خصلات شعرها الناعم من تحت حجابها مما أعطي لها براءة وشقاوة البنت الصغيرة الشقية . 

قالت لي تزوجت منذ 15 سنة من رجل مصري .. تعرفت به أثناء عملي في لبنان تبع الشركة السياحية والتي مازلت أعمل فيها حتي الآن ... كان محبوبا جدا في الشركة .. وعندما طلب مني الزواج لم أفكر لحظة إلاّ إني أفوز بهذا الرجل والتي تتمناه أية سيدة أخري في الشركة غير متزوجة . وتم الزواج وكان ثمرة هذا الزواج إبنا وهو الآن صبي في المرحلة الإعدادية , ويعيش مع والدتي في الإسكندرية ...
 
إنزعجت وقلت لها : ولماذا لا يعيش معكما في منزلكما بالقاهرة ؟؟ كانت المفاجأة لي بأنها تم الطلاق بعد سنتين من بداية زواجهما . قلت لها : أرجو ان لا يكوني سؤالي لك  تدخلا  أو فيه نوع من الإحراج ..! قالت لي : أنا متوقعة سؤالك .. لماذا تم الطلاق ؟ قلت لها : فعلا كان هذا السؤال علي لساني . أجابت وقالت لي : كان عليك أن تسألي سؤالا قبل هذا السؤال ..! قلت " زي ايه " ؟ اجابت ودموعها في عينيها : هل كنت تحبينه قبل الزواج ؟ قلت لها : فعلا لم يخطر علي بالي ... قاطعتني وإذ أفاجيء بأنها لم تكن تحبه .. بل قبلت الزواج منه عِنداً في أحدي الزميلات .. وإستمرت في حديثها ... فعلا قد أخطأتُ وتسرعتُ في الإختيار وهذا سبب عدم دوام الزواج .

   سألتها بلهفة ... أتصور أنت مبسوطة لأنك إنفصلتي  عنه الآن ... وإذ أفاجيء أيضا بأنها تندم علي وجود شيء أسمه طلاق ... نظرت إلي وقالت لي : أننا نحسدكن يا سيدات النصاري لأن الطلاق عندكن ممنوع ومُحرم , و مهما كانت العلاقة بين الزوج والزوجة تصل إلي أعلي مستوي في تعسر العشرة , فهي لا تساوي شيئا من نتائجها ... كفي أن إبننا يعيش في كنف والدتي وإتحرم من أحضان والديه ... كفي أنني أصبحت منبوذة من المجتمع , فمهما كان سبب الطلاق مني أو منه , فنظرة المجتمع لي أنني إمرأة مطلقة , ولا أستحق الإهتمام . ولا أنكر عليك ... فقد طلبني الكثير ... لكن شعرت منهم أنه زواج مصلحة ... لأن مرتبي كبير , وأمتلك شقة بدورين في أجمل منطقة بمصر الجديدة , وأمتلك عربة فخمة .. كما أنه لدي الفرصة أن أسافر ومعي زوجي مرتين في السنة للسياحة , غير الإمتيازات الأخري. كما أحب أن أصرح لك ... ما هو الداعي للزواج طالما أنا معي وامتلك اضعاف ما كان يعطيه لي الرجل ... نظرت إليها بدهشة وإستغراب ... وقلت لها بكلمات فيها نوع من التحفظ ... ماذا تفعلين لتشبعي رغبتك النفسية والجسدية بدون رجل ؟... أجابتني وقالت طالما المرأة لديها الحرية , فهذا أمتع بكثير من 100 رجل لا تشعري بالحب الحقيقي معهم .  

سرحت وأخذ نظري يغوص في الفضاء الخارجي من خلال شباك الطائرة,  وبدأ فكري يسترجع السبعة الأيام الأخيرة مع زوجي يوم بيوم .. حيث إتفقنا اننا نأخذ هدنة من الشجار والنزاعات ونقضيه في لبنان , وهناك نحاول أن نصلح أخطاءنا لكي نخمد هذه الحياة التعيسة التي قضيناها طيلة هذه السنة الأخيرة بعد زواجنا بـ 4 سنوات ونبدأ حياة جديدة ... لكننا فشلنا وتركته لوحده في لبنان ورجعت أنا لكي أكمل إجراءات الطلاق بأي وسيلة ... زوجي تزوجني عن حب ... كان يكبرني بـ 13 سنة , لكنني أحببته فعلا ... مركزه كبير وله وضع مُميّز في كثير من المصالح الحكومية ... لم افتكر منه أي اهانة ... لكن كانت المشكلة أنه حرمني من متعة الأمومة ... صحيح لم يحرمني من المتعة النفسية والجسدية ... لكن شعرت أن متعة الأمومة هي التي تكمل متعة زواجنا ... حاول علاج نفسه ...لكن بدون فائدة ... لم يترك بابا وإلا دخله لكي ينجح في إعطائي متعة الأمومة ... أربعة سنوات , وبدأت أتغير من جهته ... لم أستطيع أن أتحمل عدم وجود أبناء لي ... أظهرت له غضبي ... صرحت له بأنني لا أطيق وجوده بجانبي ... قلت له بصراحة أنت السبب في حرماني من متعة الأمومة . وبكل أدب وذوق كان يتحمل هذه الإهانات ... هو فعلا وسيم ... وجميل الطباع ... لكن حبي للأمومة أعماني عن أشياء اخري كان يمكنني ان أجعلها متعة لي بدلا من متعة الأمومة ... لكنني كنت أتجاوب معه في بعض الأحيان , كنوع من رد الجميل علي أدبه ومحاولاته المستميتة لإرضائي .

وفوق إحدي السحب تذكرت كلمات صديقتي والتي ترافقني ... وتذكرت بالرغم أن لديها إبن ... لكنها إتحرمت منه , وإتحرمت من متعة الأمومة . وفي لحظة !! تمنيت أن أذهب إلي كابتن الطائرة وأتوسل اليه أن يرجع بالطائرة لكي أجثو أمام رجلي وحبيبي  الذي تحمل رعونة تصرفاتي بصبر . سمعت صوت صديقتي وهي تقول لي : يابخته ... قلت لها " قصدك مين "؟ .. قالت حبيب القلب اللي كان بيودعك في المطار ... فقد رأيتكما وهو يقبل يديك ... لكنني لاحظت شيئا غريبا عليكي ... قلت لها : وما هذا الشيء الغريب ؟؟ قالت لي : شعرت أنك لا تحتملين الوقوف معه , ودخلت بسرعة إلي داخل المطار قبل إعلان الدخول بنصف ساعة ... قلت لها : فعلا أنا تركته علي أساس أنزل مصر قبله لكي أضع حدا لهذه العلاقة الزوجية التي بيننا .. وكنت سوف أذهب إلي المحامي لكي ... " لكن وجدتها تضع يديها علي فمي وقالت ... أوعي لسانك ينطقها ؟!! قلت لها ... فعلا يا عزيزتي عليّ ان لا انطقها ... فهناك اشياء كثيرة يمكنني ان امتع نفسي بها معه ... فقد فكرت في تجربتك القاسية , وكانت درسا لي , وخصوصا ان زوجي يحفظ الأمانة بإستمرار معي .

   وصلت الطائرة , وعند مكان السير في لحظة ما كنت أتناول شنطتي ,أفاجيء بيد رجل يتناولها قبل مني ... وكانت المفاجاة والتي كنت أتمناها ... وجدت شنطتي بين ايادي زوجي و حبيبي ... شعرت بالغيرة من الشنطة وجعلته يتركها لحظة لكي  أرتمي في أحضانه , وقلت له فعلا : " ماجمعه الله لا يفرقه انسان" . قال لي : انا كنت واثق أنك سوف ترجعي لي .. لذلك جئت معك في نفس الطائرة . وفجأة وعند باب الخروج شعرت أنني سوف أرجع ما أكلته في المطار , وحدث لي إغماء , لم اشعر بنفسي إلا  في المستشفي ... وزوجي بجانبي يقول لي : ألف مبروك حبيبتي , أنت حامل ... لم أستطيع أن أتحمل نفسي من الفرحة وكاد الإغماء يزورني مرة أخري , لكن أفاجيء بصديقة الطائرة تأتي إلي وتحتضني وتقول لي ... المفروض انك تباركي لزوجك ... مش هو اللي يباركلك . 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢٤ صوت عدد التعليقات: ٣٤ تعليق