بقلم : مدحت قلادة
أظن أنه حان الوقت لكي تعيد النخبة... النظر في بعض المفاهيم التى حبسنا فيها أنفسنا والشعب المصري لسنوات، حيث أنها حكمتنا وما زالت تحكمنا لسنوات طويلة، وأغلب الظن أن بعضها بدأ مع قيام ثورة يوليو، وبعض هذه المفاهيم قد تجاوزته أغلب بلدان العالم المتقدم منها والبلدان " النامية " المتخلفة، ونحن فى مصر وربما في بعض البلدان العربية ما زلنا أسرى لها، نأكل ونشرب ونتعلم ونصلي وندعو ونتضرع ونخطط ونمرض ونستيقظ في ظلها، وعن نفسي حاولت الفكاك من بعضها، وحاولت أيضاً تربية أولادي على غيرها، ولا أخفي عليكم أنني عدت للعديد من المراجع والموسوعات للبحث عن دلالات أخرى لها، لكن للأسف اكتشفت بعد محاولات مضنية أنني داخل الدائرة، وأنني لا أمتلك قوة الفكاك منها أو التمرد عليها بمفردى، والسبب طبعا أنني رضعتها طفلاً وتغذيت عليها صبياً ومراهقاً وشاباً في البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة وفي الجامعة وفي المقهى والسينما، لهذا أطرح بعضها عليكم من باب المشاركة أملاً في التوصل إلى ما يعيننا والخروج من دائرة هذه المفاهيم، والتمرد عليها أو تحطيم قيودها التي تمنعنا من اللحاق بركب الحضارة العالمية، من هذه المفاهيم:
أهل الثقة وأهل الخبرة: تحت تلك الكذبة استباح أهل الثقة مصر ومن عليها وتم إخصاء مصر إخصاءاً سياسياً، فقبل إنقلاب يوليو كانت مصر عامرة برجال عظماء من كل الأطياف السياسية، واليوم أهل الثقة يستبيحون مصر ومن عليها ويسعون لتوريث وظائفهم ومراكزهم من الأبناء للأحفاد
الأخت الكبرى: أخطر كذبة في ذاكرتنا وتاريخنا ، فقد كان لهذه الكذبة الأثر تدمير مستقبل مصر وساهمت في تأخرها وتخلفها ، وقد وصل بنا الأمر إلى أن أولاد الأخت الكبرى أصبحوا تحت أقدام جميع الأخوة، يعملون في ذمة كفيل، ويفرون في مراكب متهالكة لدول أوروبا، ويتزوج خيرة شبابنا بسيدات مسنات لكي يحصلوا على إقامة أو فرصة عمل بدولة أجنبية، وفتياتنا تُغتال برائتهن بعقد عرفي أو زواج مسيار أو تجاري أو سياحي مع شيخ كهل من شيوخ دول النفط .
العروبة والقومية: بالونة كبيرة نفخنا فيها لسنوات دم شبابنا وأموال بلادنا، وبعد سنوات من الجهد والتضحية أكتشفنا أن أعمار ضاعت في البالونة، وأن وهم العروبة أصبح مجرد نكتة يرددها بعض العرب عند الأزمات التي يمرون بها هم وليس نحن واخيرا لم تكتفى اعروبة على انتهاك آدمية المصري بل انتهكت كلابهم لابنائنا ايضا .
الوحدة العربية: زرعوا بذرتها في عقولنا منذ الصغر، وقالوا لنا أن الوحدة هي أمل العرب فى النجاة من الإستعمار والفقر والتبعية للدول الكبرى، وأن العروبة هي فرصتنا في البناء والعمل والتقدم والوقوف صفا واحداً تجاه العدو، في صبانا وشبابنا شاهدنا تجارب صغيرة للوحدة هتفنا وهللنا وباركنا، بعد شهور قالوا انفصلنا وبرروا الفشل بتخوين البعض وإيمان البعض الآخر بالفكر الاستعماري والطمع في زعامات وهمية.
الشرطة في خدمة الشعب: شعار كنا نقرأه مطبوعاً على غلاف كراسة المدرسة الخلفي، ومكتوباً بخط كبير على لوحة خشبية كبيرة معلقة على مراكز وأقسام الشرطة، منذ سنوات بدلوا شعار الكراسات بشعارات لنانسي عجرم، واصبحت مراكز وأقسام الشرطة (الشعب والشرطة في خدمة الرئيس(.
دولة المؤسسات: بعد قيام الثورة أعلن قادتها أن من مبادئهم تحويل مصر إلى دولة مؤسسات، وأكدوا لنا أن ما قبل الثورة كان الحكم أجنبي في يد ملك يتبع الدولة العثمانية، سياسته تتبع أهوائه ومزاجه الشخصي، وفهمنا يومها عندما كنا صغار أن قيادات الثورة سوف يشيدون بعض مباني ويسمونها "مؤسسة كذا، ومؤسسة كذا" تماماً مثل محطة المؤسسة التي تقع في مدخل القاهرة، لكنهم قالوا إن البلاد تحكم بدستور وقوانين، وأن الدستور يوزع السلطات على مؤسسات الدولة وذلك لضمان الحريات والديمقراطية وحقوق المواطنين، ومرت السنوات ولم نر الديمقراطية ولا التعددية ولا حقوقنا المشروعة، وتأكدنا بعد ان اكتمل لنا الوعى والخبرة أنها مجرد أسماء، تماماً مثل محطة المؤسسة، واختصرت دولة المؤسسات فى شخص واحد!! ومحى الفصل بين السلطات.
الفتنة الطائفية: دائما كانوا يقولون لنا أن المسلمين والأقباط هم عنصرى الأمة، وأن ثورة 1919 هي التي وحدت الشعب المصري، المسيحى والمسلم، تحت راية واحدة هى راية الوطن والمواطن، اليوم اطلقوا على عنصرى الأمة مسمى أو مصطلح الطائفة، وعندما تنشب احداث عنف من قتل وحرق وسرقة ونهب ضد احد عنصرى الامة يقولون فتنة طائفية.. متجاهلين التوصيف الدقيق انها ليست فتنة بل اعتداء، ومع استمرار احداث العنف أيضاً خرجت مصطلحات جديدة من الطائفية مثل: المتشددين، المتطرفين، المستبيحين شركاء الوطن وأصبحنا نعتاد استخدام مصطلحات ديكورية غير امينة متجاهلين التوصيف الامين لراب الصدع بين عنصرى الامة .
هذه بعض المفاهيم أو المصطلحات التي تحملها ذاكرتي منذ الطفولة، وأظن أنها قابعة في ذاكرة وذهن كل منا... خاصة الأجيال التى أدركت الفترة الناصرية والساداتية، أضع بعضها أمامكم وأطالبكم أن تستدعوها من الذاكرة وتسجلون في ورقة بيضاء مفهومها سنة زرعها في عقولنا ونفوسنا، والنظر في مدلولها هذا خلال أيامنا هذه، ما الذى طرأ على مفهوم الزرع ومفهوم اليوم؟، هل تطورت هذه المفاهيم، هل ما زالت هذه المصطلحات موجودة مستخدمة؟ وهل ما زالت ببكارتها القديمة؟، وهل ما زلنا في حاجة إليها؟ وهل بالفعل هي التي تزحف بنا نحو الخلف وعدم اللحاق بركب الشعوب المتقدمة في البر المقابل من البحر؟" بالطبع الابيض المتوسط ".
اذا اراد الله بقوم سوءا منحهم الجدل ومنعهم العمل " عمر بن الخطاب "
لايمكن للمرء ان يحصل على المعرفة الا بعد ان يتعلم كيف يفكر " كونفوشيوس " |