CET 00:00:00 - 09/07/2010

مساحة رأي

• من شمت فى موت دكتور أبو زيد إما جاهل لم يقرأ له، أو غبى لم يفهم ما قرأ.
• كيف يجزم تقرير المستشفى أن الفيروس الذى أصيب به الدكتور "أبو زيد" غير معد، بينما تقر المستشفى إنها لا تعرف نوع الفيروس، وبالتالى لا تعرف ميكانيزم نقل عدواه؟
• ما احتمالية أن يكون دكتور "أبو زيد" قد انضم لشهداء الفكر والتنوير؟

بقلم: د. يحيى الوكيل
دكتور "نصر حامد أبو زيد" من مصابيح التنوير التى لن يجف زيتها ما دام فى البشر عاقل، فلن أقول إنه مات لأن نتاج علمه باق بيننا، حتى وإن وارى جسده التراب.
لقد حاول الرجل توفير نور نبحث به عن طريق التقدم، وذلك بعدما أظلمت الإنتكاسة الوهابية أيامنا وليالينا فى السبعينيات من القرن الماضى، وبلغت ذروة سطوتها فى ذات الوقت الذى بدأ صدامه معها، فلم يخش سطوة الجهلويين ورفض نطق الشهادتين فى أثناء محاكمته في 1995 أمام المحكمة "حتى لا يؤسس لوجود سلطة تفتش في قلوب الناس"، فكان أول من رفض محاكم التفتيش فى العصر الحديث، والتى أسس لها فقهاء الثريد.
قصة كفاح الرجل، ورحلته الفكرية، تداولتها كثير من الأقلام على مدار الأيام الماضية فلن أكررها، وكذلك لن أكرر سرد الخطوط العريضة لفكره، فقد تم تناول هذا الجانب فى العديد من المقالات، وبإمتياز فى بعض الأحيان.

ما سأتناوله فى مقالي هو رد فعل القطاع المتفاعل من الشعب المصري مع الفكر الحر، الفكر الذى ينادي بإعلاء العقل على كل ما عداه، وهو ما نجده فى كل الأديان، حتى إن أتى تأويل "رجال الدين" بما يخالف ذلك، فكان متوافقًا مع صحيح الإيمان حتى وإن خالف متأول الدين.
تابعت على صفحات المواقع الإلكترونية، ردود أفعال معارضيه وتعليقاتهم على وفاته، فوجدتهم كثرة كالضباع،  لا يجذبها إلا الموت، فلا قدرة لها على المواجهة للجبن المتأصل فى نفوسها.
وجدت شماتة لم تعرفها تربية جيلنا، ولا تعرفها تربية الرجال حقًا فى كل الأجيال، وإن كان أشباه الرجال الذين ركبوا موجة التدين الزائف يغفلون عن تربية أبنائهم على مكارم الأخلاق، ويكتفون بالصلاة على النبى، والتى تمحق عندهم كل الخطايا.

الضباع أشباه الرجال – وأشباه النساء أيضًا، فكثير من "المؤمنات" كان لهن نصيب فى فورة النهش فى الميت – رموه بكل نقيصة، ذاهبين حتى إلى أنه افتعل معركته الأدبية الأهم، والتى أدت الى محاكمته وتكفيره والحكم بتفريقه عن زوجته، كل ذلك لكى يسافر الى الخارج ويزيد من دخله بخمسة عشر ضعفًا (هكذا حددها جنرال المخابرات العليم بكل شئ)، وفاتهم أن من رفع دعوى الحسبة، أحد كبار فقهاء الثريد، ومدعى العلم، ولم يكن الدكتور "أبو زيد"، وفاتهم كذلك أن السيدة العظيمة زوجته، رفضت دعوى التفريق، ورافقته إلى المنفى راغمة أنوف ضباع الحسبة فى التراب.
لم يكن الدكتور "أبو زيد" طالب شهرة. والدليل على ذلك قلة ظهوره فى وسائل الإعلام مقارنة بشيوخ الفضائيات مثلا، ولكنه كان رجلاً عالمًا أكاديميًا قدّم أبحاثا لتقييمها علميًا، فوجدها تقيم ايمانه الشخصي، وتفتح له محكمة تفتيش فى رحاب الجامعة. وحتى وقتها لم يخرج الرجل مستصرخا المساعدة من وسائل الإعلام، بل تبنى قضيته رجال أشراف، هالهم أن تنصب المشانق الفكرية فى رحاب أقدم الجامعات الحديثة فى الشرق كله، لتعيد إليه العصور الوسطى الفكرية.

إذن فأى افتعال لمعارك هذا الذى يدعونه؟
منغلقو العقول، وفاتحو الأفواه عن أنيابهم الصفراء أخذوا عليه إخضاعه الخطاب الدينى للعقل، وفاتهم أنه هاجم التأويل الإنسانى للنص الموحى به، وليس الوحى، وأنه ربط تنزيل الوحى بالظروف الإجتماعية والسياسية المحيطة بالنص، وذلك لكى يتسق مع فهم المجتمع المعنى بهذا النص، بينما "على بن أبى طالب" نفسه يقر بأن من لم يعلم بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، فلا يفقه القرآن. بل وزاد "على" بإقرار أن القرآن حمّال أوجه فى إشارة واضحة إلى إنسانية التأويل، وإمكان اختلافه بلا قداسة له.

فهل تجرؤ الضباع العاوية على تكفير "على" أيضًا، أو أن يشمتوا فى موته؛ لأنه قُتل بخنجر فى الغالب مسموم؟
لا يفرح بإطفاء النور الإ من يعشق الظلام من الصراصير والفئران واللصوص والقتلة الجبناء.

و ما فَرحَهم؟

يفرحون لأن الرجل مات مصابًا بمرض غريب صرّحت عنه وزارة الصحة المصرية إنه "حالة التهاب فيروسى حاد بالمخ"، بينما أكد التقرير الطبي الصادر عن مستشفى الشيخ "زايد" التخصصى، والمتعلق بوفاة "أبوزيد"، أن الفقيد حضر إلى المستشفى وهو يعاني من ارتفاع بدرجة الحرارة، واضطراب بدرجة الوعي وتشنجات.
وقال الدكتور "حافظ محمد حافظ"، مدير مستشفى الشيخ "زايد" التخصصي: إن الدكتور "نصر حامد أبو زيد" كان قادمًا من بلد إستوائى "أندونيسيا"، وإنه قضى أسبوعًا بمنزله قبل دخول المستشفى، حيث كان يعانى خلال هذه الفترة من إضطراب بدرجة الوعي.
وأوضحت الأشعات، والتحاليل المعملية للحالة المرضية، إنها حالة إلتهاب فيروسى حاد بالمخ؛ لكنه فيروس غير معد، وقد أعطى المريض العلاج اللازم لكن حالته لم تتحسن، مما استدعى دخوله قسم الرعاية المركزة يوم 8 يونيو، وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعى وإجراء عملية شق حنجرى يوم 25 يونيو، لكن استمر تدهور درجة الوعى، ووافته المنية نتيجة فشل حاد فى الوظائف الحيوية، مما أدى لهبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية.
انتهى ما صدر عن المستشفى.

أنا لست طبيبًا متخصصًا، ولذلك أنا فى حيرة كيف عرفت المستشفى أن الفيروس غير معدٍ، بينما لم يستطيعوا معرفة نوع الفيروس بالتحديد؟
أجد غرابة أيضًا فى ارتباط عملية الشق الحنجرى، والتى لا تجرى الإ لمن ينسد مجراه التنفسى، وتحديدًا حلقه، وهو ما يجعل الإصابة تتعدى المخ إلى الجهاز التنفسى، ومعرفتى القليلة بالملاريا الخبيثة تقول: إن كرات الدم الحمراء تكتسب خاصية الإلتصاق ببعضها، وفي جدران الأوعية الدموية، مما ينتج عنه انسداد في هذه الأوعية وحدوث مضاعفات تشبه الحمي المخية الشوكية. وقد ترتفع درجة الحرارة ارتفاعًا شديدًا وتؤثر في مركز تنظيم الحرارة بالمخ، ويصاحبها صداع، وهو عرض أساسي هام، وعادة ما يكون مستمرًا وشديدًا، ويصاحبه إعياء واضطراب ذهني (وهو ما سمته المستشفى اضطراب فى الوعى)، وإن صاحبت تلك الأعراض رعشة فتكون بسيطة وقصيرة، ويتبعها مرحلة من السخونة الطويلة تنتهى بضعف وضحالة التنفس (ولذلك لزم الشق الحنجرى و جهاز التنفس الصناعى). كما يضعف ويسرع النبض مع وجود ضغط منخفض وانخفاض حاد في حجم وكفاءة الدورة الدموية، وما وصفه تقرير المستشفى يتماشى مع تلك الأعراض.

كل ما سبق يرشّح وبقوة ملاريا الجهاز العصبى لتكون ما أُصيب به الدكتور "أبو زيد"، خاصةً وأن ذلك النوع منتشر فى البلاد الإستوائية، وقد كان- رحمه الله- فى زيارة لـ"أندونيسيا" قبل وفاته، وبقى فيها فترة كافية لحضانة المرض؛ ولا أدرى كيف تكون تلك الإصابة غضبًا من الله، والكثير من "المؤمنين" به حسب تعريف شيوخ الفضائيات يصابون به، ويموتون به أيضًا!
إن كان ذلك ما حدث، فهناك الكثير من الأسئلة عن فشل المستشفى فى التشخيص والعلاج.
إن كان فعلاً ما أصيب به الدكتور "أبو زيد" فيروس غامض، فكيف أصيب به؟

الرجل كان على عداء مع الوهابيين رافعى راية الجهل والتخلف، وكان منهم فى أمان فى "هولندا" بدرجة أو بأخرى، حتى حرّك الماء بينهما أمر منعه من دخول الكويت، وتصاعد النباح المسعور لشيوخ يكفرونه من جديد؛  فترصدته أجهزة المخابرات الوهابية حتى توافرت لهم الفرصة فى دولة اسلامية، وأصابوه بما أصيب به؟
ليس هذا مجرد خيال، فهو أسلوب تتبعه أجهزة المخابرات ومن لا يستطيع تقبل هذا التصور عليه أن يتذكر ما جرى لـ"خالد مشعل" وإن كان على الطرف الآخر من المعادلة.

هل من إجابة؟
لقد استرد الله وديعته، وبقيت لنا ثمرات فكره، وأجزم أن كل من هاجمه إما إنهم لم يقرأوا له، أو إنهم قرأوا ولم يفهموا، وهو فى ذلك يلحق بطابور يطول من شهداء الرأى، وأبطال التنوير.
سيظل دكتور "أبو زيد" عندى، وعند كل مثقف واع، حيًا فى ذاكرتنا، وسنعمل على نقل فكره للأجيال القادمة، فهذا المستقبل هو ما كان يعمل له وسنُتم له عمله.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٠ صوت عدد التعليقات: ١٨ تعليق