CET 00:00:00 - 14/07/2010

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي
....ويتذكرون له شيئًا واحدًا، أنه في كل الأزمات التي مروا بها، عندما كانت تغلق في وجوههم الأبواب، وعندما كان يبدو أنه لا مخرج أمامهم، كان الرئيس "مبارك" يتدخل بالحل.

حدث هذا في أكثر من مرة، وعلى سبيل المثال في أزمة "جريدة النبأ"، وأزمة السيدة "وفاء قسطنطين"، وآخر الكل في الأزمة الجارية نتيجة الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بإلزام قداسة البابا بإعطاء تصاريح بالزواج الثانى للمطلقين.

وجدت الكنيسة نفسها بعد هذا الحكم في مأزق حرج، وكانت كل الخيارات المطروحة مؤلمة، كان أمامهم إما عصيان الإنجيل أو عصيان حكم المحكمة، واختارت الكنيسة خيار طاعة الإنجيل وعصيان المحكمة؛ ونتيجة لذلك قضت الكنيسة ومعها الشعب القبطي أيامًا عصيبة، واستغل الشامتون الموقف ليخرجوا لسانهم للكنيسة.

 فإذا بالمحامي "نبيه الوحش" لا يضيع هذه الفرصة دون أن ينفث سمومه؛ فيرسل إنذارًا على يد محضر إلى قداسة البابا يهدده فيه بالعواقب الوخيمة في حالة تجاهل أوامر المحكمة.

 وأمام هذه المواجهة كانت كل التصورات لما يمكن أن يحدث مظلمة؛ فهل يمكن أن تتصاعد الأمور إلى الدرجة التي يرى فيها الأقباط رجال الشرطة يقتحمون المقر البابوي ليقبضوا على قداسة البابا ويضعوا الحديد في يديه ويلقون به في السجن؟؟!
 وإذا تم هذا.. ماذا سيكون رد الفعل عند ملايين الأقباط داخل مصر وخارجها الذين يفضلون أن يضحوا بحياتهم قبل أن يروا هذا يحدث لأبيهم الروحي؟؟ وعلى ذلك كان يمكن أن تؤدي هذه الأزمة إلى انفجار طائفي غير مسبوق في تاريخ مصر.

كانت الأزمة قاسية وتداعياتها خطيرة، وفي وسط هذه الحيرة إذا بالرئيس "مبارك" يبعث بإثنين من كبار المسؤولين لزيارة قداسة البابا؛ أحدهما وزير العدل والأخر وزير الدولة للشؤون القانونية، وبعد ذلك هدأت الأمور تمامًا وتوقفت احتجاجات الكنيسة، وفي حديث مع قداسة البابا بعد ذلك صرح بأن زيارة المسؤولين كان هدفها طمأنته.

وبالأمس عرفنا معنى هذه الكلمة الخاصة بطمأنة قداسة البابا عندما صدر حكم من المحكمة الدستورية العليا؛ الذي يقضي بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا.
  وفي محاضرته الأسبوعية في يوم الأربعاء الموافق ٧ يوليو ٢٠١٠م، عندما أعلن قداسة البابا الخبر أمام جمهور الأقباط  قوبل الخبر بالتصفيق الحاد لمدة طويلة، بل انطلقت الزغاريد من نساء الأقباط، وقدم قداسته الشكر لرئيس المحكمة على هذا القرار المنصف، ولكن كلنا نعلم مَنْ كان المحرك الحقيقي وراء القرار.
 
من أجل هذا أتوقع أن ينسى الأقباط مآسيهم الكثيرة في عهد الرئيس "مبارك"، ويتذكرون له المرات القليلة التي تدخل فيها؛ ليكون صمام أمان ينقذهم من المخاطر الوخيمة عندما كانت تحدق بهم المصائب.

سينسى الأقباط كل مشاكلهم التي يعانون منها كمصريين، فهم مثل كل المصريين يعانون مما آلت إليه أحوال مصر، مشاكل في الاقتصاد، وفي التعليم في جميع مراحله، وفي الإسكان، وفي الصحة العامة، وفي المواصلات، وارتفاع الأسعار، وتدني الأجور، وتفشي الفساد، وانتشار البطالة... وغيرها.

وبالإضافة إلى ذلك قد يغض الأقباط النظر عن مشاكلهم الخاصة -وهي مشاكل يعانون منها لمجرد كونهم مسيحيين- وعلى سبيل المثال مشاكل بناء وترميم الكنائس، ومشاكل التعينات والترقيات للوظائف العليا، ومشاكل التمثيل المتكافئ في المجالس النيابية، ومشاكل خطف البنات والأسلمة الجبرية وتجريم التنصير ورفض الاعتراف بمَنْ يعتنق المسيحية؛ بل وسجنهم وتعذيبهم.

وفوق هذا كله قد لا يتذكر الأقباط العمليات الإرهابية التي وُجهت ضدهم في عهد الرئيس "مبارك" وعجز الدولة عن حمايتهم، هذه العمليات ربما فاقت في الثلاثة عقود الأخيرة ما حدث لهم في قرون، وإليكم مجرد عينة لبعض الحوادث الرئيسية:

‘‘١٩٩۰ في "منفلوط" و"بولاق الدكرور" و"أبو المطامير"، ١٩٩۱ في "امبابة"، و١٩٩٢ في قرية "منشية النصارى" و"طما"، و١٩٩٣ في مدينة "أسيوط"، و۱٩٩٤ في "دير المحرق"، و۱٩٩٦ في "كفر دميانة" و"عزبة الأقباط"، و١٩٩٧ في "عزبة تكلا" و"عزبة داوُد"، و١٩٩٨ في "الكشح- الأولى"، و٢٠٠٠ في "الكشح- الثانية"، ٢۰۰٢ في "المنيا"، و٢٠٠٣ في قرية "جرزا بمركز العياط"، و٢۰۰٥ بعدة كنائس بـ "الإسكندرية" و"كفر سلامة"، و٢۰۰٦ بهجوم  أخرعلى عدة كنائس بـ "الإسكندرية" و"قرية الحمام" و"كفر سلامة" و"أسوان"، و٢۰۰٧ بقرية "بمها" و"قرية العليقات" و"قرية صفط" و"كوم امبو" و"قرية أبو طوق" و"البلينا" و"دير مواس" و"أبو قرقاص" و"امبابة"، و٢۰۰٨بـ "دير أبو فانا"، و٢۰۰٩ في "الأقصر" و"بني سويف"، و"عين شمس" و"الوراق" و"سوهاج" و"أسيوط" و"فرشوط"، ٢۰۱۰ في "نجع حمادي".‘‘

وقد ينسى الأقباط لـ "مبارك" كل مساوئه، وإذا رشح نفسه لفترة رئاسية سادسة أو ترشح ابنه "جمال" فقد ينتخبه الأقباط ويفضلونه على غيره من المرشحين، وذلك لأنهم سيذكرون له المرات التي أخرجهم فيها من الأزمات.

هل كانت هذه الأزمات من صنع الدولة؟؟ وهل كان تدخل الدولة لإنهائها تمثيلية لكسب تعاطف الأقباط؟؟ أم أنها كانت من صنع أخرين واستغلتها الدولة لنفس الغرض؟؟ أم أن تعامل الدولة مع هذه المشكلات كان لتفادي تأثيرها على النظام وليس حبًا في الأقباط؟؟ أم أن الدولة قد وجدت فرصتها في علاج أعراض المشكلة ليتسنى لها تأجيل التعامل مع أصل الداء.. والله أعلم.

  ولكن الشىء الغريب الذي نعلمه أن الأقباط قد وجدوا أنفسهم في موقف يناصرون فيه نظامًا قد أساء لهم بكل المعايير، والسبب هو أنهم يعتقدون أن البديل لهذا النظام قد يسيئ لهم أكثر، والنتيجة هي أن مقياس طموحات الأقباط قد إنخفض؛ فبدلاً من أن يحلموا بمَنْ يكون أكثر إنصافًا لهم؛ أصبحوا الآن قانعين بمَنْ هو أقل إيذاءًا.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢٢ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق