بقلم : سامي ابراهيم
الثور طوّر أساليبه القتالية، أصبح يقتل بدون نطح، أصبح يقتل بدون أن يستخدم العنف الجسدي المباشر، لقد اتبع طريقة حديثة: تتمثل الطريقة الحديثة التي تتبعها الثيران في العراق ضد الشعب \"المسيحي\" بالطريقة النفسية أو الضغط النفسي المباشر، وتطويقه وخنقه نفسياً واجتماعياً وفكرياً وذلك لجعله يغادر أرضه ويهجرها من غير رجعة.
كيف يتم ذلك: تتم عملية المضايقة والضغط النفسي بطرح شعارات مناهضة للغرب والعولمة والامبريالية الأمريكية، هذه الشعارات والطروحات التي تردد في الشارع والمدرسة والجامعة ومقر العمل والوظيفة والتلفزيون والراديو وفي مؤسسات الدولة، هذه الشعارات قد باتت تشكل ضغط نفسي على مسيحيي العراق لأنهم حسب رأي من يطلقها أن مسيحيي الشرق هم امتداد للغرب المسيحي وبذلك تجعلهم مضطهدين هذا من الناحية الحكومية الرسمية.
أما من الناحية الاجتماعية فإن الفكر السلفي التكفيري والذي بات يبث سمومه في العلن ومن على المنابر والذي يدعو إلى محاربة الكفار أينما وجدوا، هذا الفكر التكفيري الذي بدأنا نشاهد مده الكبير، هذا الفكر العدائي والإقصائي للآخر، قد بدأ يلقي بحقده وأثقاله على صدر مسيحيي العراق، ويمنعهم من التواصل مع المجتمع ذو الغالبية الإسلامية، ويشل قدراتهم الاقتصادية والفكرية والثقافية في مشاريع لا تعد ولا تحصى.
فمسلسل المضايقات ضد الشعب \"المسيحي\" في العراق مستمر وذلك من خلال الاستيلاء على الأراضي وبشتى الوسائل، حيث التهديد والترهيب والتسلط الذي تستخدمه الثيران المدعومة من قبل الحكومة في العراق وتطبيق قانون شريعة الغاب، وخطف الشبان والفتيات مقابل فدية مادية، مع تهديدات بالقتل. وهناك المئات من هذا النوع من القضايا والتي تتسلط فيها الثيران على أراضي المسيحيين ويكون الحل دائما بتنازل المسيحي عن أرضه خوفا من تنفيذ التهديدات التي يتعرضون لها التي قد تودي بحياته أو حياة أولاده.
ثم يأتي دور الإعلام العربي ليزيد الطين بله، فالإعلام العربي لا يكف يتلاعب بالمشاعر الدينية وإثارة الحمية واستمراره لحقن الشعب وتهييجه غير متحمل لمسؤولياته وغير واعي لمخاطر أفعاله، فتراه يتباهى بإخفاقات أمريكا في مستنقع العراق وأفغانستان، ورافضا لفكرة وجود الإرهاب في أفغانستان والعراق، ويوجه هذا الإعلام التحيات والمباركات للمقاومة في العراق وأفغانستان، ولكن عندما يضرب ذلك الإرهاب إحدى مناطق الشرق (إرهاب العراق وأفغانستان بالذات) يبدأ الإعلام بالاستنكار، ويبرهن ببرامج مدتها عشرات الساعات أن من قام بالتفجير هم إرهابيون ومجرمون؟!
هذا التناقض في الطرح الفكري والإعلامي من قبل الإعلام قد جعل الإنسان في الشرق يدخل في تناقض وتشويش شديد يعيق عملية تفكيره بشكل منطقي وسليم. فتارة الإرهاب خطر وهو منافي لأي دين وعلى الجميع مواجهته_عندما يصيبهم_ وطورا لا وجود للإرهاب وإنما هو اختراع أمريكي للسيطرة على النفط في العراق وأفغانستان وكأن أمريكا بحاجة لمثل هذه الاختراعات لكي تحصل على النفط.
إذا هذا التناقض الذي يقع به الإنسان يعكسه على واقعه ويعكسه على تعامله مع الآخر. وبالتالي يزيد من درجة الخناق والتطويق التي يحيط بها، ولتبدأ عملية تجييش الثيران وشحذ قرونها وحقنها بسموم الغضب والعنصرية، فإذا رأى ذلك الثور \"مسيحيا\" فإنه يشعر بأن كل شرور العالم هو الذي سبّبها، وأن كل الآلام الموجودة في العالم وكل الحروب والصراعات هي بسبب ذلك الكافر، أو أن ذلك \"المسيحي\" قد قام بهتك عرضه وسرق له ماله وقمحه وخبزه ونفطه، فيحول حياته إلى جحيم وإلى ألم لا يطاق، تدفع بذلك المسكين إلى الهرب من كل شيء، الهرب من وطنه وأرضه وأهله، تدفعه للهجرة إلى غير رجعة ولا أسف.
وفي النهاية يقع الشعب \"المسيحي\" في العراق ضحية ثالوث الصراع المؤلفة أركانه من:
• أولا يقع هذا الشعب ضحية النظام كشعارات سياسية مناهضة لأمريكا والعولمة والغرب تنعكس سلبا عليه، لأن الذي يطلقها يظن كما ذكرت أن مسيحيي الشرق هم امتداد لمسيحيي الغرب وبأنهم عملاء لأمريكا والغرب باعتبارهم دين واحد.
• ثانيا يقع هذا الشعب ضحية الفكر السلفي التكفيري كطرح ديني يتمثل في رفض الآخر وبث السموم العنصرية التي تقوم على إقصائه عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
• ثالثا يقع الشعب ضحية بين النظام والإرهاب، فـ\"المسيحي\" لا حول ولا قوة له وغير موجود في حسابات وموازين القوى عندما تتم التهدئة والصفقات بين الطرفين فدائما الصفقات تتم على حساب حصصه في أي شيء، ليصبح \"المسيحي\" في كل معمعة تحدث وقودا لحرب لا تنتهي. ويصبح \"المسيحي\" مرة صليبي أرتكب المجازر بحق أبناء الشرق، ومرة صربي أباد البوسنيين في سبرنيتشا، إلى روسي قتل الشيشان، إلى أمريكي قتل الأطفال والعزل في أفغانستان والعراق.
والتهمة دائما جاهزة بحقه في العمالة والارتباط الغربي. نسي ذلك الثور بأن الذي يعدهم صليبين وصرب وروس وأمريكان هم أصحاب البلد الأصليين. نسي ذلك الثور أن هذه الأرض هي أرض الكلدان السريان الآشوريين وأنهم مركز النور والإشعاع الحضاري في الشرق. أما الغرب فقد اكتفى بمشاهدة عملية قتل وتهجير وتفريغ العنصر المسيحي من العراق، مستخدما نظريته القديمة وهي وقوفه مع الأقوى.
وعندما يهاجر الكلداني السرياني الآشوري إلى الغرب يعامل كشرقي درجة رابعة وخامسة وإذا بقي في العراق يعامل كمسيحي غربي خائن!! حياته جحيم لا تطاق، حياته بين نيران مستعرة لا يبدو أنها ستخمد في الأفق القريب. أيها العالم هذا نداء إلى جميع أخياره بأن يفتحوا أعينهم قليلا ويتدخلوا لحماية مسيحيي العراق من الانقراض والزوال. لن نطالب بأن توضع لافتة في البرلمان العراقي باللغة السريانية تردد عند افتتاح الجلسة باعتبارها اللغة الأصيلة لهذه البلد، ولن نطالب بالحقوق القومية والسياسية بعد الآن، سنطالب بأن نبقى على قيد الحياة فقط، سنطالب بأن يرى شعبنا النور في اليوم التالي، فهل هذا كثير؟!. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|