•الإعلام العربى لا يعرف غير المنهج التهييجى من أيام الستينيات.
• عندما يرقص الجنود يقولون وقتها وداعًا للسلاح.
• إن أحب الجميع أعداءهم فلن يعود هناك أعداء أو عداوة.
بقلم: د. يحيى الوكيل
لا يزال الإعلام العربى غير قادر على الخروج من النهج التهييجى الذى دأب عليه منذ الستينيات من القرن الماضى، و آخر المثالب ما أثير حول مقطع الفيديو الأشهر الآن، حول رقص الجنود الإسرائيليين على أنغام أغنية شهيرة فى شوارع مدينة "الخليل" أثناء قيامهم بدورية أمنية.
دعونى أولاً أشرح بعض الخلفيات لمن لم يشاهدوا الفيديو.
أحد الأغنيات الأشهر الآن هى أغنية "تيك توك" لمغنية أمريكية، وهى الأغنية التى نسمعها فى خلفية مقطع الفيديو، ولها رقصة خاصة يهواها الشباب، وتُذكر العجائز أمثالى برقصة "مكارينا" مثلاً؛ هذه واحدة.
الأخرى، هى ما دأب عليه أهل الشرق الأوسط كلهم من خفض صوت الموسيقى أو التلفاز أثناء رفع الأذان أو دق أجراس الكنائس، و هو ما نفعله فى "مصر" بشكل عفوى تمامًا؛ لأننا تربينا على احترام الدعوة للصلاة، ورأيت أهل البلاد العربية التى زرتها يفعلونه أيضًا.
فماذا كان فى هذا الفيديو المثار حوله الجدل؟
يبدأ الفيديو بتصوير دورية أمنية من ست جنود إسرائيليين يجوبون شارعًا فى مدينة "الخليل" متخذين تشكيلاً من طابورين، وشاهرى السلاح المدججين به، وفى الخلفية يعلو صوت الأذان.
ما أن ينتهى الأذان حتى يعلو فجأة صوت تسجيل لأغنية "تيك توك"، وهو ما يبدو أنه أفزع الجنود، فيقفون عن السير ويتخذون أوضاعًا دفاعية لثوان؛ حتى يستوعبوا ما هو الصوت العالى الذى يسمعونه، فيزول عنهم التوتر الأولى، ويبدو عليهم شئ من التردد، ثم تجدهم قد رفعوا السلاح على أكتافهم، وبدأوا فى الرقص على الأنغام.
للأسف لا يستمر الرقص طويلاً، إذ يستفيق الجنود إلى وضعهم، ويعتمرون أسلحتهم، ويستأنفون دوريتهم، وينتهى الفيديو..
وسائل الإعلام العربية لم تجد فى هذا الفيديو غير "عدم احترام الجنود الإسرائيليين للأذان" – ولا أدرى كيف كان مطلوبًا منهم احترام الأذان، هل كان مطلوبًا منهم التوجه للقبلة، والسجود مثلاً؟
لقد كان الجنود يسيرون فى صمت، ويؤدون واجبهم بحسب أوامرهم، ولا أكثر من هذا. فهل هذا تفسره وسائل الإعلام التى تعيش على التهييج والإثارة على أنه "عدم احترام للأذان"؟
كان من العناوين المثيرة للشفقة – والغثيان كذلك – ما تناول "القهر الإسرائيلى"، ولم نشهد فى الفيديو قهرًا يمارسه الجنود على مواطنى المدينة، أو عنفًا، أو غير ذلك. وبإصرار يلح الإعلام على تنمية العداء وليس نزعه، يدقون طبول الحرب، ولا يلوّحون بأغصان السلام، وفى كل ذلك يدلسون على القارئ، ولا يُقرؤونه الحقيقة.
لو كان الأمر بيدى لأعطيت هؤلاء الجنود، ومعهم من كان يُشغل الأغنية أوسمة.
ما رأيته فى الفيديو فهمت منه أن شابًا – أو شابة – فلسطينيًا قد أخفض صوت الأغنية التى كان يسمعها لدى رفع الأذان، وظلت كذلك حتى دخلت دورية الجنود إلى الشارع.
فلما انتهى الأذان عادت الأغنية تملأ المكان بصوت عال أفزع الجنود فى البدء، فلما استوعبوا اللحن تركوا السلاح، وانضموا إلى الفلسطينى فى الإستمتاع بالموسيقى؛ نسوا أنهم جنود وتذكروا فقط إنسانيتهم و شبابهم – فأكبرهم لن يزيد على بداية العشرينيات من العمر - وشاركوا السعادة مع من يحرص الإعلام على تصويره بالعدو، بينما لو صدقت النوايا لكان الصديق.
أُعيد تشغيل اللقطة التى يرفع فيها الجنود أسلحتهم على أكتافهم مرارًا، وأحلم بيوم يرفع فيه الجميع أسلحتهم على أكتافهم، ويمارسوا الإنسانية والصداقة؛ أحلم باليوم الذى يحب فيه الجميع أعداءهم لأن وقتها لن يعود هناك أعداء.
هل من يحلم معى؟ |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|