بقلم: سحر غريب
اكتشفت مبكرًا أن التفوق لا يُطعم عيش حاف، وقد اكتشفت هذه الحقيقة المُفزعة بعد الإعدادية مباشرة حين كنت من العشرة الأوائل على المدرسة، وقتها أقامت نقابة المُعلمين التي تنتمي لها أمي حفل لتكريم المُتفوقين وكنت منهم.
كنت ساعتها سعيدة بنجاحي وتوقعت علي أقل تقدير أن تمنحني النقابة مبلغًا مُحترمًا من المال سيجعلني أقب علي وش الدنيا وسيؤمّن لي مستقبلي، ولم أشك للحظة بأن هذا المبلغ سيجعلني أكثر حرصًا علي الحفاظ علي تفوقي الدراسي ولكن النقابة عشمتني بالحلق وبعد أن ثقبت أذني تراجعت عن وعدها فثمن التفوق لم يكن إلا مجرد شهادتين للاستثمار واحدة بعشرة جنيهات والأخرى بخمسة جنيهات يا بلاش.
ولأن الفقي لما يسعد تأتي له قراءتين في ليلة واحدة فقد نظمت نقابة المهندسين التي يتبعها أبي حفلاً آخر لتكريم السادة المتفوقين، ولقد تكاتفت النقابتان مشكورتان في جعلنا نتحسر علي الوقت الذي أضعناه في مذاكرة لا تسمن ولا تُغني من جوع.
لم أحصل من تلك النقابات إلا علي كل خير فشهادات التكريم مازالت معي أخرجها كل حين عندما يحاصرني الفشل من جميع الجهات لأتذكر الأمل الذي كان موجودًا ومات وشبع موت، أما صور حفلات التكريم فقد رميتها لأن شكلي كان مش ولابد وكنت أشبه الفأر المبلول وكانت قصة شعري تشبه قصة شعر أمنا الغولة في عزها الغابر.
ومع ذلك فقد استفدت أيما استفادة من توابع هذا التفوق وقررت ألا أصاب بمغص ما قبل الامتحانات وودعت القلق وتركت نفسي علي سجيتها دون أن أبذل أي مجهود ذائد عن الحاجة واكتفيت بدرجات النجاح فقط دون أدني مُحاولة لعمل عملية انتحارية تفوقية بعد يقيني الذي لا يدع مجالاً للشك بأن في بلدنا التفوق لا يؤكل عيش حاف.
أما سالي وهي صديقتي التي كانت تجلس خلفي في لجنة امتحانات الإعدادية والتي كانت توافق علي دخول الامتحانات علي أمل وحيد وهو إن أغفل عن ورقتي فتلتهمها عيناها وتنجح، والتي كان لها شأنًا آخر وحققت نجاحًا باهرًا، فقد اتجهت سالي إلي الفن وبدأت السلم من أوله وحققت الخمسين ألف الأولي وهي في سن الخامسة عشر بدون تقديم أي تنازلات. |