الراسل: صبري الباجا
بداية أتفق مع ما توصل إليه سيادة نيافة الأنبا مرقس في أن الدين المسيحي مجهول للكثيرين في مصر، وأرجع سيادته ذلك إلى مصدرين هما الإعلام والتعليم، وأود أن أضيف إليهما مصدراً ثالثاً هو بعض الثقافات الواردة حديثاً على المجتمع المصري والتي تحمل في طياتها التطرف المبني على الجهل ليس بالدين المسيحي بل والجهل بالدين الإسلامي ونصوصه أيضاً.
يعلم قداسة الأنبا نصوص القرآن التي مجدت سيدنا المسيح:
(وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين)
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
وخص أمه عليها السلام الصديقة الطاهرة والمصطفاة على نساء العالمين بأكرم الصفات.
وقد يتفق معي نيافته على أن بعض الممارسات من المسلمين بعيدة كل البعد عن الإسلام، وهي تسيء للإسلام قبل أن تسيء لغيره من الأديان، وكل العذر للإخوة المسيحيين -الذين لا يفرقون بين بعض ممارسات المسلمين وصحيح الدين الإسلامي- عندما يأخذون بظاهر الأمور.
وأعود لمناقشة موضوع التعليم:
فعلى الرغم من أن المدرسة أحد أهم المؤسسات التي تقوم بعملية المساهمة في تعليم المواطنة والتعددية الثقافية للمواطن، إلا أنه للأسف تشير دراسة حديثة عن "التعليم والمواطنة" إلى أن المدرسة المصرية:
ـ فشلت في تحقيق التربية المدنية بسبب المناخ غير الديموقراطي الذي يسودها، وخلو مناهج الدراسة من أساليب تعليم المواطنة.
ـ منفصلة عن المجتمع المحلي والعالمي والقضايا العامة، وتنحصر مهمتها في التحصيل، وتعيش بمعزل عن القضايا والتطورات العالمية.
ـ مدرسة غزاها المجتمع بقيمه وسلوكياته وخطابه الهابط، بدلاً من أن تغزوه هي بقيم وسلوكيات وخطاب راقي وفعال.
ولعل فيما تنشره الصحف (من أقوال هابطة) عن لسان أساتذة جامعات ورجال قانون وشاغلي وظائف مرموقه ما يدل على انهيار التعليم، ولعل سيادتك طالعت القصيدة التي القاها رئيس وزراء ورئيس مجلس شورى سابق وأستاذ جامعي كتحية في حفل تكريم السيد الأستاذ الدكتور/ رئيس مجلس الشعب (الموقر) وفي حضور لفيف من كبار رجال الدولة وأعضاء ورؤساء لجان برلمانية، جاء فيها كلمات مثل (ياويكا، وحب الناس لك كحب الفرخة للديكا) وأعتذر عن سرد بقية القصيدة احتراماً وتقديراً لمقام الحديث والمجال.
وهي للأسف مدرسة مختلفة عن المدرسة التي عاصرها جيلنا وتعلم فيها، المدرسة التي درست لنا في كتب المطالعة حياة سلامة موسي وكفاحه ضد النظام الملكي واعتقاله مع رفاقه محمد مندور ومحمد زكي عبد القادر، وكان مدرس اللغة العربية يطلب منا كتابة سيرته الذاتية دون تفرقة دينية، وكان يطلب منا -من خلال جماعة الصحافة المدرسية- الإطلاع على بعض المقالات لرائد من رواد الصحافة المصرية هو الاستاذ/ ميخائيل عبد السيد، ويحكي لنا أستاذ اللغة العربية عنه وعن استماتته في تحصيل العلم وتجربته في دراسة علوم اللغة العربية بالأزهر، وكيف شجعه الشيخ محمد عبده على متابعة حلقات دروس الأزهر بدون مضايقة، وكان الهدف من وراء ذلك تقديمه لنا كنموذج يحتذى، وفي نفس الوقت إرساء لقواعد المواطنة!!
هكذا كان جيلنا ياقداسة الأنبا، وهكذا كان معلمونا، مكتبتي تضم جنباً إلى جنب الكتاب المقدس والقرآن الكريم، من كتب خالد محمد خالد: معاً على الطريق محمد والمسيح، كتب صديقي الأستاذ/ الدكتور رمزي زكي قدس الله روحه مؤلفات رمزي تادرس وميخائيل عبد السيد وأهمها (الرد على كتاب إظهار الحق) ورغم الإختلافات إلا أن هناك اتفاق على احترام الآخر وقبوله.
ماذا حدث؟؟! وكيف حدث ذلك دون أن ننتبه؟ أين حكماء المسلمين والمسيحيين؟ لا أتخيل مسلماً حقيقياً يعارض بناء مائة كنيسة في كل شارع؟ وسبق أن كتبت مرحباً بمليون كنيسة تساهم في نشر المحبة والسلام، مشكلات الحياة اليومية بين المسلمين والمسيحيين ستختلف فيما لو تعاملنا مع أطرافها كمواطنين مصريين فقط وتم إعمال القانون والعدالة!!
ما وصل إليه الأمر صعب حقيقي.. لكن الإنقاذ ممكن، إذا ما استعدنا ذكريات الصداقة والجيرة..، إذا ما رجعنا لصحيح أدياننا العظيمة، إذا ما فكرنا في مستقبل هذا الوطن الذي يعيش فينا على حد تعبير قداسة البابا.. كثيراً جداً عوامل اللقاء والإتفاق.. أيدينا معا لننقذ وطناً قارب على الإشتعال.
على موضوع: الأنبا مرقس: الدين المسيحي مجهول في الإعلام والتعليم! |