بقلم : عبدالخالق حسين لا ينكر أن حصل تطور كبير في العهد الملكي في مختلف المجالات، الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، (عدا المجال الديمقراطي)، ونتيجة لهذا التطور، نشأت طبقات اجتماعية جديدة مثل الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية المكونة من المثقفين وبالتالي تكونت الطبقة الوسطى، إلا إن النخبة الحاكمة، وخاصة نوري السعيد، لم يتغيروا، بل أصروا على عدم التغيير، وإبقاء الوضع السياسي على ما كان عليه في العشرينات وقبل ولادة هذه الطبقات الاجتماعية. وفي هذا الخصوص يقول الدكتور منذر الشاوي في مقدمة لكتاب: (نظام برلماني ممسوخ قاد إلى ديكتاتورية ملكية): "إن البرجوازية العراقية بدأت تنمو بشكل محسوس، إلا إن هذا النمو البرجوازي صادف وجود طبقة إقطاعية قوية، فلم تستطع الطبقة البرجوازية في ظل النظام الملكي من تنحيتها ولم تحدث بينهما المصالحة التي تمت في العديد من دول أوربا الغربية بين طبقة ملاك الأراضي والطبقة البرجوازية." ومن كل ذلك نفهم أن النظام الملكي كان ديمقراطياً في الظاهر وبالاسم فقط، وإقطاعياً مستبداً في الجوهر، الأمر الذي أساء إلى سمعة الديمقراطية وقدمها للشعب العراقي بشكل مشوه مما دفع الشعب العراقي إلى تصور خاطئ عن الديمقراطية بأنها لعبة من أجل خدع الجماهير وتعني حقم الاقطاعيين. ولذلك فضلت الجماهير الأيديولوجيات الشمولية على الديمقراطية المشوهة مما يدفع ثمنه شعبنا حتى الآن. ففي المجال الديمقراطي، يشهد رجال العهد الملكي أنفسهم، من مثال الأستاذ عبدالكريم الأزري وأحمد مختار بابان وغيرهما، دونوا شهاداتهم في مذكراتهم، أكدوا فيها عدم وجود ديمقراطية بالمعنى الصحيح، إذ كانت الحكومة هي التي تعيِّن أعضاء مجلس النواب وليس العكس، لذلك ما أن تتغير الحكومة، فأول عمل يقوم به الرئيس المكلف، هو حل البرلمان وإجراء انتخابات صورية جديدة لاختيار نواب آخرين يدعمون سياسة الحكومة الجديدة. وفي هذا الخصوص يقول الباحث والمؤرخ العراقي الدكتور كمال مظهر أحمد: "وفي الواقع إن أكبر خطأ قاتل ارتكبه النظام (الملكي) في العراق يكمن في موقفه من الديمقراطية، فعلى العكس من منطق الأشياء، سار الخط البياني لتطور الديمقراطية في العهد الملكي من الأعلى إلى الأسفل، لا من الأسفل إلى الأعلى، ويتحمل الجميع وزر ذلك، ولكن بدراجات متفاوتة" كما ويقول المؤرخ المعروف الراحل مجيد خدوري في كتابه (العراق المستقل): "لقد تم القضاء على حرية التعبير، فأُسكِت السياسيون والكتاب والمواطنون الواعون بإجراءات تعسفية لم يسبق لها مثيل، وغصت السجون ومعسكرات الإعتقال بأناس مختلفي الإتجاهات .. من شيوعيين إلى ليبرالين إلى إشتراكيين إلى ناصريين إلى كرد قوميين إلى ساخطين على الوضع بصورة عامة ووضع جانب منهم تحت الرقابة بإبعادهم عن مسقط رأسهم وشمل القمع كل قطاع.. " ويلخص الشاعر محمد مهدي الجواهري في ذكرياته الوضع بقوله: " لقد كان الشعب العراقي يفتش عن خلاص وعن تحرر من الحكم الملكي والتبعية والأحلاف والمعاهدات… وطبيعي أن يكون العراق غير مستقر لا داخلياً ولا خارجياً ولا اجتماعياً ولا سياسياً ولا قتصادياً.(الجواهري، ذكرياتي، ص192". وقد بلغ السيل الزبى، أو القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقولون، في الانتخابات البرلمانية عام 1954، عندما حصلت المعارضة على 11 مقعد من مجموع 131 مقعد، وكان رئيس الوزراء يوم ذاك أرشد العمري، فلم يتحمل نوري السعيد وجود 11 نائباً معارضاً، فقام بانقلاب القصر على أرشد العمري، وحل البرلمان الذي لم يعقد أي اجتماع آخر بعد اجتماعه الأول لافتتاحه بخطاب العرش، فحله نور السعيد وقام بتشكيل الحكومة برئاسته، وأصدر المراسيم الاستبدادية وحملة اعتقالات واسعة. وبذلك فإن نوري السعيد أغلق جميع منافذ التطور السلمي البرلماني، وفقدت المعارضة الوطنية كل أمل في إمكانية التغيير بالوسائل السلمية الديمقراطية، خاصة وإن ضرورات التغيير كانت موجودة وبإلحاح، وعليه صارت الثورة حتمية. أيهما أفضل، العهد الملكي أو العهد البعثي الصدامي؟ وهناك حقيقة أخرى يجب الانتباه إليها وهي، أن جيل قادة ثورة تموز كانوا يختلفون في الثقافة عن جيل نوري السعيد ورفاقه من مؤسسي الدولة العراقية. فجيل التأسيس كانوا من نتاج وتربية العهد التركي العثماني، ومعظمهم تخرجوا من المدارس العسكرية العثمانية وخدموا في الجيش العثماني. بينما جيل ثورة 14 تموز كانوا من خريجي المدرسة الوطنية العراقية، متشبعين بالروح الوطنية والعداء للاستعمار، ويطمحون بالاستقلال الناجز والسيادة الوطنية الكاملة. النظرية الخلدونية في الثورات وفيما يخص ثورة 14 تموز، فقد كانت ناجحة بامتياز، واحتضنتها الجماهير الشعبية الواسعة، ودامت لأربع سنوات ونصف السنة، وحققت منجزات كبيرة للشعب، ولكنها ذهبت ضحية مؤامرات وتعقيدات الأوضاع الداخلية والخارجية في ظروف الحرب الباردة. كما ولم يكن عبد الكريم قاسم دموياً أو رجل مغامرات حتى يغامر باستقرار العراق فيقوم بالثورة المسلحة حيث قال بهذا الخصوص في أحد خطبه، أنهم لم يقوموا بالثورة إلا بعد أن تأكدوا أنه لا أمل في إصلاح الوضع السياسي والاجتماعي وإنصاف الشعب بنيل حقوقه بالوسائل السلمية. الاستنتاج والدليل الآخر على شرعية الثورة وحتميتها وشعبيتها، ورغم التشويه الإعلامي المتواصل لأربعين عاماً من حكم التيار القومي والبعثي ضد الزعيم عبدالكريم قاسم والطعن بوطنيته وقوميته ودوره في ثورة تموز، فما أن أنهار حكم البعث وأسقط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد يوم 9/4/2003، حتى وسارعت الجماهير وتبرعت من أموالها، ونصبت تمثالاً للزعيم عبدالكريم قاسم في رأس القرية، شارع الرشيد، المكان الذي قام صدام حسين وعصابته بمحاولة اغتياله. هذا هو حكم التاريخ العادل بحتمية ثورة 14 تموز ومكانة الشهيد الخالد الزعيم عبدالكريم قاسم في ضمير الشعب العراقي. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع:
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |