بقلم : رأفت فهيم جندى
فى ثلاثينات واربعينات القرن الماضى كانت المانيا وايطاليا وروسيا والكثير من البلاد الاوربية تئن تحت ديكتاتورية الفرد والحزب الواحد بينما كان وقتها بمصر حقبة من الديمقراطية لم يأتى تاريخها بمثلها، كان الملك فاروق وطنيا صميما ولكنه ادخل البلد هو والذين حوله فى عدم استقرار سياسى، قامت حركة الجيش لتنظيف البلد من عبث العابثين ولكنهم عبثوا بها بأكثر مما كان.
وكما تفعل يُفعل بك ويزاد، فهكذا كان مصير اللواء محمد نجيب، الرجل المخلص الذى قاد الحركة، فكما طرد محمد نجيب الملك فاروق مع الحفاظ على كرامة الملك وحريته ُطرد محمد نجيب من الرئاسة مع سجنه وبهدلته. وتولى امر مصر بعدها من استباحوها بأكثر كثيرا ممن سبقوهم، بل تركها عبد الناصر سجينة وثكلى ومسخنة بجراح هزيمة 67.
وعندما خرج محمد نجيب للشارع المصرى مرة آخرى عام 1972 وبعد حوالى 18 سنة من تحديد اقامته فى بيت زينب الوكيل بالقناطر الخيرية قال بالحرف الواحد:
"وعدت للحياة العامة... وياليتنى ما عدت.
كانت هناك انات ضحايا الثورة ... الذين خرجوا من السجون والمعتقلات .... ضحايا القهر والتلفيق والتعذيب.. وحتى الذين لم يدخلوا السجون ولم يجربوا المعتقلات، ولم يذوقوا التعذيب والهوان كانوا بشعرون بالخوف ، ويتحسبون الخطى والكلمات..
وعرفت ساعتها كم كانت جريمة الثورة فى حق الأنسان المصرى بشعة..
فقد حريته .. فقد كرامته.. فقد ارضه..وتضاعفت متاعبه.. المجارى طفحت.. المياة شحت.. الأزمات اشتعلت..الأخلاق انعدمت .. والانسان ضاع..
اين الأهداف العظيمة والتى نادت بها الثورة!؟
اين كرامة الأنسان الذى قال له جمال عبد الناصر ارفع رأسك يا اخى؟!
لقد قمنا بثورة .. فأذا بهم يحولونها إلى عورة!
قمنا من اجل الناس .. فأذا بهم يعملون من اجل انفسهم.
قمنا من اجل رفع مستوى المعيشة.. فأذا بهم يعملون على خفض مستوى كرامة البشر."
انتهى ما قاله محمد نجيب، ووقتها لم تكن اللحى والجلاليب والقباقيب قد زحفت بهذه الوفرة فى الشوارع والمصالح الحكومية. ولم يكن المصريون قد تعلموا فن كى ذبيبة الصلاة على قورة الوجه بعد. ولم تنتهى الدكتاتورية والفساد بأنتهاء جيل الثورة ولكن توارثها العسكرى الملك مبارك واولياء عهده وحاشيته.
المتأمل بصورة مصر يجدها ايام الملك مبارك أسوأ بكثير مما كانت ايام الملك فاروق ألأخيرة، تخلت مصر عن دورها القيادى الرائد فى المنطقة لصالح الدول التى تفهم فى امور عقال الناقة والبعير بالأكثر، كانت انجلترا مدانة قبل الثورة لمصر بمبلغ 500 جنية استرلينى والآن مصر تمد يدها لكل بلاد العالم، الدولار الأمريكى كان بثلاثين قرشا والأن بأكثر من 5 جنيهات، شعور انعدام الأمن والأمان للأقليات الدينية ايام مبارك لم يكن موجودا بالمرة ايام فاروق، الفروق الطبقية بين المصريين زادت بأكثر مما كانت قبل الثورة، الرشوة والمحسوبية والنفاق وانعدام الضمير واستباحة اراضى الدولة وممتلكاتها لا يقارن بما كان ايام الملك فاروق، وحتى حريق القاهرة قامت مثله هذه الأيام حرائق كثيرة وكبيرة هنا وهناك وفى القاهرة ايضا.
أتى الدور الآن لثورة مصرية آخرى ولكن بالطريقة الديمقراطية والمدنية، ولنقل للخديوى مبارك ما قاله عرابى للخديوى توفيق "لقد ولدتنا امهاتنا احرارا ولن نورث بعد اليوم."
وفى ذكرى ثورة يوليو نتطلع لثورة آخرى مدنية تزيل آثار عدوان ثورة يوليو العسكربة على مصر ولتمحو الكثير مما اتت به لمصر من خراب اقتصادى وخلقى وفكرى وعسكرى. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|