CET 00:00:00 - 28/07/2010

مساحة رأي

بقلم : أنطوني ولسن
في الجزء الأول تحدثنا عن يوم 23 يوليو / تموز عام 1952 وخروج الجيش المصري والتحكم في السلطة تحكما كاملا بعد طرد للملك فاروق وعائلته ، أعقبه إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية وتولي اللواء محمد نجيب سدة الحكم ليكون أول رئيس للجمهورية المصرية .
كذلك تحثنا عن الأنقلاب الذي قام به عبد الناصر ضد اللواء محمد نجيب وتقصيته عن الحكم ، بل وتحديد إقامته وعدم إتصاله بأحد خارج دائرة عائلته ، وتولى عبد الناصر سدة الحكم وبدأت أحلامه ، أحلام الفتى الطائر تأخذه الى أعلى ورأى أن مصر ليست بالدولة التي يستحق حكمها وتولى شؤنها . فطمع في الأمة الأسلامية والعربية وتحقق له ذلك بالوحدة مع سوريا وتغير إسم مصر الى الجمهورية العربية المتحدة ، مما يثبت ويؤكد صحة ما كتبنا عن نواياه وأحلامه .
القضية الفلسطينية التي حارب من أجلها عام 1948 طبيعي أصبحت شغله الشاغل ، فهي قضية كانت  شاغل كل من يطمع في توسيع دائرة سلطاته سواء داخل بلده أو على المسنويين العربي الإسلامي والعالمي .. ومازالت حتى يومنا هذا وستظل مع الأسف قضية طامعين لا قضية شعب  يتكلمون بإسمه ويقدمون أبناءه حطبا لإيقاد نار الدمار لفلسطين التي دفع شعبها الثمن وليس حكامها .
ختمت ذلك الجزء الأول بموت الرئيس عبد الناصر .. ذلك الموت المفاجيء للعالم كله .
مم لا شك فيه أن الرئيس عبد الناصر كان علامة فارقة في تاريخ مصر وتاريخ المنطقة ، بل والدول النامية ، ولن أكون مغاليا لو قلت والعالم أجمع .
حارب في اليمن ضد السعودية . حرب كانت تكلف الخزانة المصرية أكثر من مليون جنيه مصري في اليوم . حرب كان أفراد الجيش المصري قد تحولوا من مقاتلين الى تجار " شنطة" . وأنا لا أفتري أو أقلل من قيمة الجيش المصري ، بل أنقل حقيقة وقعت بالفعل .

غيرت تلك الحرب في اليمن الأقتصاد المصري داخليا تغيرا أثر تأثيرا سلبيا على رب الأسرة المتوسط الحال والمعدم . دفعوا لرجال الجيش بجميع رتبهم العسكرية من الجندي الى أعلى رتبة مرتبات باهظة تفوق الخيال إلى درجة أن الكثير من أفراد الجيش من من لم يسعدهم الحظ في الذهاب الى الحرب كانوا يبحثون عن واسطة ويدفعون رشوة من أجل الذهاب الى الحرب ، ولم يكن ذلك إيمانا منهم بعدالة حرب لا ناقة لهم فيها ولا بعير بل هي كلها تصفيات حسابات شخصية بين ناصر وعاهل السعودية في ذلك الوقت الذي هدد ه جمال عبد الناصر في أحد خطبه ( راح أنتفله دقنه ) .

أعود الى التأثير على الأقتصاد المصري ليس فقط على الميزانية  ، بل على الأسعار بالنسبة للسلع المستهلكة للشعب المصري . ولأوضح ذلك سأضرب مثلا .. لو أن سلعة من السلع كان ثمنها قبل الحرب عشرة قروش ماذا حدث أثناء الحرب ؟! أصبح المحارب إن كان مجندا قد إرتفع  راتبه الى عشرة أضعاف فإذا ذهب الى شراء السلعة التي بعشرة قروش وطلب منه البائع أكثر سيدفع . والسلعة التي يرتفع ثمنها لا يمكن أن ينخفض . وأيضا إذا إستشهد أحد أفراد الجيش يصرف لأسرته مبالغ طائلة ويتعلم الأبناء مجانا في جميع مراحل التعليم و .. و ..إاخ .

أخذ عبد الناصر على عاتقه مساعدة الثورات وتشجيع العسكر على الأنقلابات ، فقام جعفر النميري بإنقلابه العسكري في مايو 1969 وإستولى على الحكم بمباركة جمال عبد الناصر . أعقبه بشهور قليلة في سبتمبر من نفس العام إنقلاب العقيد معمر القذافي في ليبيا . وأيضا بمباركة الزعيم جمال عبد الناصر . بل من المؤكد أن الزعيم معمر القذافي لا ولن ينسي ما قاله له عبدالناصر عندما رأه لأول مرة " إني أرى فيك شبابي " . وأتذكر مقولة كانت تقال في ذلك الوقت على لسان عبد الناصر لتأيده لكل ثورة أنه أخبر بأن هناك ثورة على السفينة " بونتي " فأعلن أنه يؤيد الثورة على السفينة " بونتي " . أشياء وأشياء عندما نتذكرها يحزن القلب فقد خاب الأمل في من كان الأمل . وهذا إنعكس على كل من تولى سدة الحكم في مصر من بعده .

أتذكر جيدا وكأنه الأمس القريب الزيارة الأولى للرئيس محمد أنور السادات للبرلمان وكنت أجلس على الأرض أشاهد تلك الزيارة على شاشة التلفزيون . في مدخل البرلمان وضع تمثال نصفي للرئيس عبد الناصر .. وكانت المفاجئة .. في حركة تمثيلية ركع السادات أمام التمثال محييا ، فإذ بي أنتفض واقفا صارخا مشيرا بإصبعي الى التلفزيون قائلا " هذا هو محطم التمثال " وكأنني أتنبأ بما حدث بعد ذلك .

تولى الرئيس محمد أنور السادات سدة حكم مصر وبداخله الكثير والكثيرجدا من الأحلام أيضا مثل ناصر وأي إنسان لديه طموحات . فما بالنا برجل عارك الحياة وتصدى للملك والحكومات في ذلك الوقت . دخل السجن ، طرد من الجيش ، عمل حمالا مساعدا لسائق سيارة نقل ، نام في العراء ،ثم عاد الى الجيش ولم يكتفي بذلك بل ظل يفكر في التغير ، ووجد ضالته مع عبد الناصروما أطلقوا عليه تنظيم الضباط الأحرار " الأشرار بعد معرفة حقيقتهم " فانخرط معه وإستمر العمل السري الى أن تم التحرك والقيام بـ " حركة .. ثورة .. إنقلاب " سمها ما شئت حتى مع إلأختلافات التفسيرية لكل منها .

هذا الرجل إن أردت أن تكتب عنه عليك أن تقرأ عنه الكثير وتحلل ما تقرأ حتى تستطيع أن تخرج برأي لن أقول قاطعا ، لكن أقول رأيا مقنعا لك كباحث ومقنعا لمن سيقرأ . وأنا غير مؤهل لذلك خاصة أنني لم أعاصره معاصرة المواطن الذي يعيش ويعايش كل الأحداث التى تحدث على أرض الوطن لهجرتي عام 1971 . لذا سيكون حديثي حديث مواطن على الرغم من بعده عن الوطن إلا أنه إستمر بالقدر المتوفر له أن لا تنقطع الصلة التي بينه وبين أهل وطنه من المصريين .

بالنسبة لي كنت أرى فيه شخصية مناضلة عاش وتعايش مع الشعب ، ذاق آلامراض وعانى من الجوع والعري والحرمان على الرغم أنه كان ضابطا بالجيش المصري . لكن لشعوره بآلام الشعب ومعاناته فكر وأراد أن يفعل شيئا . التيارات السياسية كانت متضاربة ومختلفة . صراعات الأحزاب مع تسلط الإنجليز على القصر ، ومحاولات القصر التمرد ضد الإنجليز ، إنعكس على كل مصري يتطلع الى إستقلال مصروخاصة أن الإنجليز لم يفوا بتعهداتهم إبان الحرب العالمية الثانية بالجلاء بعد إنتهائها.

وجاءته الفرصة التي لم يكن يحلم بها وتولى رئاسة مصر في وقت وظرف لم يكونا في صالح أي حاكم بعد هزيمة 67 وفشل ناصر في الحصول على أسلحة من روسيا للثأر من العدو الإسرائيلي مما حدى بعبد الناصر الإعلان بقبول مبادرة روجرز مما أثار حفيظة الفلسطينيين ضده وإضطراره الى إغلاق مكاتبهم وتوقيف إعلامهم ، زد على ذلك الحدث الذي أطلقوا عليه أيلول الأسود .

كل تلك الأجواء جعلت السادات يرى في أميركا الملجأ والملاذ . ومما لاشك فيه من يفكر هكذا في أميركا لابد وأن يكون قد وضع نصب عينيه أن يكون الباطن غير الظاهر بالنسبة لإسرائيل . بمعنى لايظهر للشعب المصري والشعوب العربية والإسلامية ذلك وصار على ذلك النهج .
لكي يثبت لأميركا حسن نواياه بدأ بالإصلاحات بما سمي بثورة التصحيح . جمد علاقاته بروسيا وهداه تفكيره الى ضرب الشيوعييين بأيدي الأسلاميين المتشددين والذين تمتلىء بهم معتقلات وسجون مصر منذ غدر عبد الناصر بالإخوان وكل منتمي الى أي تنظيمات إسلامية أخرى . ففتح أبواب المعتقلات والسجون على مصراعيها . فخرج الوحش المجروح والذي لم يقض عليه عبد الناصر . أقول خرج الوحش هائجا ثائرا ناقمامع تعدد الأفكار والأراء الإسلامية المتشددة مع إحياء فكرة الحكم والتي ظن ناصر أنه قضى عليها بعد التنكيل بالإخوان .وبدأت سلسلة الأعمال الطائفية في مدن مصر ضد المسيحيين . ولا أحد ينسى مذبحة الزاوية الحمراء بالقاهرة والتي راح ضحيتها أعداد كثيرة من المسيحيين ، وتم حرق البيوت وتشريد العديد من أبناء المسيحيين في الزاوية الحمراء .

بدأ الضغط الشعبي يزداد على الرئيس السادات لضرورة إعلان الحرب على إسرائيل من كثرة أعمال الشغب التي يقوم بها الإسلاميون المتطرفون . وبالفعل تمت الأستعدادات وبدأت المناورات للحرب بتجهيز الشعب والعالم العربي لذلك . بل إني سمعت أن السادات ذهب للعمرة ودخل الكعبة للصلاة وتغيب في الداخل مما أثار خوف من كان معه ،مما جعل العاهل السعودي أن يدخل للأطئنان عليه فوجده يصلي ويشكو الى الله عجزه عن الحرب لعدم قدرته على شراء السلاج اللازم للحرب .وبدأت الدول العربية تمد يد المساعدة الجادة لمصر ، وكانت الحرب في السادس من شهر أكتوبر / تشرين أول من عام 1973 وعبر الجيش المصري القناة وتم تحطيم خط بارليف الأسطورة، وقبل الرئيس السادات إيقاف الحرب في هدنة بعد محاصرة  الجيش الإسرائيلي للجيش المصري في الد لفصوار . مما أثار حفيظة بعض من قادة الجيش المصري .

ذلك الأنتصار مع إطلاق صراح الأسلاميين المتشددين ، مع إعلان وقف الحرب ، ثم تدخل أميركا مما جعل الرئيس السادات التصريح بأنه لن يستطيع محاربة أميركا وقبل الهدنة والدخول في مفاوضات مع الإسرائليين . جعل من مصر ساحة لصراع طائفي ضد المسيحيين كإعلان غضب وتحدي ضد ما يفعله السادات .بل إزداد ذلك الغضب وإزدادت حدته عندما ذهب السادات الى تل أبيب ولقائه الخطاب المشهور في الكنيست الإسرائيلي عام 1979 . ثم توقيع معاهدة كامب ديفيد والتي بمقتضاها أعادة مصركل أراضيها التي إستولت عليها إسرائيل في حرب 67 ماعدا طابا والتي تمت إعادتها في عهد الرئيس مبارك بعد مفاوضات إستمرت سنوات .
ذلك النصر الذي كتبت عنه مقالا يحمل عنوان " السادس من أكتوبر يوم النصر الحزين " وأعيد نشره كل عام وبإذن الله هذا العام .

سميته بالحزين لأنه في الحقيقة حزين . وسبب الحزن أن الأسلاميين المتشددين إزدادوا شراسة ضد المسيحيين .. نهبوا أموالهم .. خطفوا بناتهم ونساءهم .. قتلوا رجالهم .. حرقوا كنائسهم ..ولم يعد هناك لا أمن ولا آمان للمسيحيين في بلدهم مصر.
اغتيل السادات في نفس يوم الإحتفال بذلك النصر الحزين .. في  يوم السادس من أكتوبر / تشرين أول عام 1981 برصاص الإخوان . ومازال الغموض يكتنف الأغتيال والأسباب الحقيقية وراء ذلك الأغتيال ، ومن المستفيد منه!!!
وكيف لم يتحرك أي من أفراد الحرس الجمهوري  الخاص بالرئيس للتصدي للمهاجمين أو إبعادهما عن المنصة؟؟!! وأشياء أخرى تطل بظلالها حول ذلك الإغتيال دون معرفة خقيقة الدافع له !!!   
يتبع 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٩ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق