(1)
حين اسير عكس اتجاه سريان تيار الماء، اشعر بأنني سمكة فيها حياة. حين أرى سادة ورعاة القطعان يفكرون تفكير جماعي ويحكمهم توجه فكري واحد حتى لو اختلفت الآيات المقدسة التي يستخدمونها أو استخدموا أدوات مختلفة مِن الكبت أو الارهاب أو قيادة قطعانهم، حين أرى كل هذا اشعر بأنني يجب أن اسير عكس التيار والأفضل أن ادعو البشر بأن يستيقظوا مِن سباتهم العميق حتى لا يغرقوا في بحار الخمور المقدسة المغشوشة.
(2)
قامت الأيام الماضية آلاف مؤلفة قلوبهم مِن المتظاهرين وملايين مِن الصامتين المستغربين المتحفزين مِن الأقباط المسيحيين عبر بقاع مصر شمالها وجنوبها للمطالبة بعودة زوجة رجل دين مسيحي ظناً منهم بأن عصابات منظمة خططت ودبرت لخطفها واجبارها على اشهار إسلامها. والأحداث لا تزال ساخنة جداً ليس لدرجة الغليان لكن للدرجة التي قال فيها صديقي الدكتور رؤوف: إنني اشتم رائحة شياط.
والسؤال الذي يطرح نفسه على الساحة الآن: أليس مِن حق كل مواطن أن يختار عقيدته التي يشعر معها براحة قلبية؟
نعم، هناك أمور فوق العقل في كل دين أو في كل عقيدة، ومَن يؤمن بعقيدة ما لابد يوماً سيواجه أموراً صعبة الفهم طبقا للتفكير العقلي في بيئات أخرى. لكن أن تقبل بقلبك متفردا عن غيرك قبل عقلك أمور خاصة بالعقيدة التي أمنت بها فهذا ما ترضى عنه الطبيعة البشرية أن لكل إنسان خاصيته التي يشعر ويقبل بها ما يتوافق مع خصوصياته.
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه في هذا الموقف المعاصر: لماذا التفكير الجماعي في ظل قطعنة جماعية؟ لماذا نرفض أن يكون معنا شخص وله فكر عقيدي آخر مختلف عن عقيدة الجماعة التي كان يوماً ينتمي لها؟
(3)
يذكر التاريخ الحديث في النصف الثاني مِن القرن العشرين أن هناك قسيساً مصرياً بروتستانتيا بعد سنوات مِن الدراسات اللاهوتية والعمل كرجل دين فترة مِن الزمن لم يستطيع قلبه أن يستمر في عقيدته البروتستانتينية واعلن اسلامه واصدر مجموعة مِن الكتب التي تشرح عقيدته الجديدة.
وهناك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الحاصل على جائزة نوبل للسلام والمنعقد عليه آمال السلام في منطقتنا يعلن أن والده كان مسلماً وهو الآن بروتستانتي معمداني، أو هكذا اقتنع قلبه بعقيدة والدته.
ومِن الأمثلة الحديثة في النصف الثاني مِن القرن العشرين أيضاً في مصر ولايزالون يعيشون كمواطنين محكوم عليهم بالموت الأدبي مجموعة من العائلات المصرية ذات العقيدة البهائية ومن الخلفية المسيحية الأرثوذكسية والبروتستانتية.
وهذا يدعونا لتأكيد السؤال مرة أخرى: إذا افترضنا أن زوجة رجل الدين الأرثوذكسي هذه قد اختارت بمحض ارادتها أن تعتقد غير ما يعتقد زوجها، فلماذا يثور جماعات ومجموعات مِن التابعين والذين لا يعرفونها شخصياً؟ أو لماذا نصنع قطعنة فكرية وعقائدية لجماعات ومجموعات ونثور لأن أحداً مِن هذه المجموعة قرر أن يسير عكس التيار الفكري للجماعة؟؟
(4)
· ورجوعاً إلى عنوان المقال كنت مسيحياً أو كنت مسلماً أو كنت تابعاً لأي عقيدة أخرى والآن قررت أن اختار عقيدة ما أو ما لا يتماشى مع عقيدة جماعتي.
· وحتى لا تفهمنى خطأ عزيزي القارئ، حين تقرر أن لا تكون رقماً في جماعة مقطعنة، وقتها تستطيع أن تقول: قررت أن أكون إنسان.
· وحين تختار عقيدتك التي تختلف عن جماعتك بغير الوقوع تحت ضغوط عاطفية أو جنسية أو مالية أو أي إرهاب أو ترغيب بأي وسيلة أو ظروف ما، وقتها تستطيع أن تقول: قررت أن أكون إنسان.
مع كل تقديري لإنسانيتك عزيزي القارئ
Aimanramzy1971@yahoo.com
نقلا عن ايلاف |