CET 00:00:00 - 30/07/2010

حوارات وتحقيقات

* احدى السيدات عن ابنتها: بعد زفافها بتسعة أشهر دخلت المستشفى لتنجب جنينها، ولكنها لم تخرج منها على قدميها. 

* "ماجد أديب": هناك من يؤمن بأن الفتاة عبء وعار يجب الخلاص منها بالزواج فى سن صغير؛ حتى يتم صيانة شرفها وعرضها. 
* دكتور "ميشيل حلمي": هذا الزواج غير المتكافئ على جميع المستويات، عادةً ما يفشل لأسباب عديدة، وينتهى بالطلاق، مخلفًا وراءه أطفالاً يعانون من الحرمان من الحب والحنان.
* دكتورة "سحر يسى": الفتاة دون سن الثامنة عشر، لم يكتمل نضجها الجسدى بعد، ولم يكتمل نمو عظمها، وبالتالى تتعرض لمشاكل صحية كبيرة أثناء الإنجاب.
 
تحقيق: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون  
"كانت أسعد لحظات حياتى، وأمى تزف لى خبر عدم ذهابى إلى المدرسة، وعدم مساعدتها فى الأعمال المنزلية، وخدمة أخواتى الصغار؛ لأننى سأُزف إلى عريس غنى سيريحنى من تلك الأعباء التى أتحملها، وبالفعل حضر العريس إلى منزلنا، وكان لطيفًا للغاية، وكان يكبرنى بحوالى عشرين عامًا؛ حيث إننى لم أكن قد بلغت عامى السادس عشر بعد"..هكذا قالت "ثناء"، احدى السيدات التى تبلغ الآن حوالى اثنين وأربعين عامًا من عمرها، والتى وقعت ضحية للزواج المبكر.
 
وبعيون راضية حكت لى "ثناء" بداية تعرُّفها على هذا الرجل قائلة: كان إنسانًا لطيفًا جدًا، وكان يُحضر لى أشياء كثيرة محرومة منها، فأحببته من كل قلبى، وتمنيت أن أرحل معه بعيدًا عن الحياة الصعبة التى أعيشها فى بيت أهلى، وبالفعل تم الزفاف، وسافرنا معًا لقضاء أسبوع فى "الإسكندرية" التى كثيرًا ما سمعت عنها وعن جمال بحرها، ولكننى لم أرها من قبل، وعشت معه أسبوعًا فى الجنة.. إلى أن عدنا إلى المنزل. 
 
وتبدَّلت ملامح الرضا على وجه "ثناء"  إلى ملامح حزينة، وهى تتذكر تلك السنين القاسية التى عاشتها مع زوجها، قائلةً: منذ أول يوم، أحسست بغيرته علىّ، وظننت أن هذا هو الحب؛ ولكن بعد الزواج..تحولت الغيرة إلى شك دائم فى سلوكى وتصرفاتى، فبات يجلدنى بسوط الشك والإهانة والعنف، وعشت معه ستة أعوام مليئة بالمرارة والمشاكل، وبعدها طلّقنى متهمًا إياى بالخيانة، والزنا الذى صوّره له عقله المريض، وحرمنى من جميع حقوقى، وتركنى أنا وأطفالى الثلاثة نعانى مرارة الحرمان، فاضطررت إلى العمل فى البيوت حتى أستطيع الصرف على أولادى، ولم أتزوج بعد واكتفيت بتلك التجربة القاسية، وقرّرت أن أعيش لأولادى، وأن أعلمهم، وأحميهم من المصير المؤلم الذى وصلت أنا إليه مع زوج لا يعرف معنى الشفقة أو الحنان.
 
زواج ظالم..وطفل مُعاق
وشاءت الأقدار أن أقابل سيدة عجوز فى عربة من عربات المترو، معها طفل معاق ذهنيًا، ولفت نظرى منظر الحزن والأسى الذى رسم أخاديده على وجه تلك المرأه العابث؛ فقادنى فضولى للحديث معها، وبسؤالها عن أحوالها، وعن هذا الطفل المعاق ذهنيًا، وجدتها تنطلق فى الحديث معى كمن يريد أن يزيح هموم الدنيا من فوق صدره.
 
وبدأت تحكى لى قصتها منذ البداية قائلةً: منذ سنين طويلة مات زوجى وترك لى أربعة أبناء، وشربت المر فى تربيتهم إلى أن لاحت لى بارقة أمل حينما تقدّم أحد الأثرياء إلى الزواج من ابنتى الكبرى- التى لم تبلغ عامها الرابع عشربعد- فتهللت فرحًا وأعتبرت أن هذا طوق النجاة لى ولأولادى، ولكن ابنتى المتفوقة فى دراستها رفضت هذا، وطلبت منى أن أدعها تُكمل تعليمها وحلمها فى دخول كلية الطب، ولكن الضيقة التى كنا نعيش فيها جعلتنى أُصر على موقفى، وأقنعها بأن هذه هى الفرصة الوحيدة لإكمال تعليمها ودخولها الكلية التى تحلم بها، فرضخت أخيرًا لإرادتى، وتزوجت من هذا الشخص. وبعد زفافها بتسعة أشهر دخلت المستشفى لتنجب جنينها، ولكنها لم تخرج منها على قدميها. 
 
وهنا انهارت الأم، وأخذت تربت على صدرها وهى تحتضن هذا الطفل المعاق الذى تركته لها ابنتها، كثمرة مشوهة لهذا الزواج الظالم، وهى تقول: "ليتنى مت قبل أن أرى ذلك اليوم..كنت عايزه خيرها وخير إخواتها..ماكنتش أعرف إن موتها على إيدى". 
 
هذه هى نماذج من زواج القاصرات اللواتى يدفعن ثمن أنانية أهلهم، ورغبتهم فى الإستفادة منهم، واستغلالهم إلى أقصى درجات الإستغلال، مخلفين ورائهم العديد من المشاكل التى يعانى منها المجتمع  ككل.
 
تحمل مسئوليات الزواج والإنجاب
 ولأهمية تلك القضية، أردنا أن نفتح هذا الملف  بسؤال "ماجد أديب"- مدير المركز الوطنى لحقوق الإنسان- والذى أراد فى البداية أن يُعرِّف الزواج المبكر بأنه أى إرتباط يتم بين رجل وفتاة لم تبلغ عامها الثامن عشر بعد، أى قبل أن يكتمل نضجها النفسى والفسيولوجى لتحمل مسئوليات الزواج والإنجاب.
 
أسباب انتشار الظاهرة 
وقال "أديب": إن هذه انتشار هذه الظاهرة يرجع إلى عدة أسباب منها: سوء الحالة الإقتصادية والفقر الذى يعانى منه العديد من الأسر؛ مما يدفعها  إلى قبول أى عريس غنى يتقدم إلى ابنتهم فى مقابل المال الذى يحمى تلك الأسرة من الجوع والضياع، هذا إلى جانب الأمية والجهل الذى يعانى منه عدد كبير من المجتمع، وهذا الجهل يؤدى إلى الايمان بالخرافات،  والعادات، والأعراف، والموروثات التى تفضل زواج الفتاة فى سن مبكر؛ لحمايتها من الإنحراف، أو من تعرضها لخطر العنوسة، هذا بالإضافة إلى انتشار الثقافة الذكورية فى المجتمع الشرقى، والذى ينظر إلى المرأة نظرة متدنية، ويؤمن بأنها ملكية خاصة للرجل يتم التصرف بها كيفما يشاء، وأن المراة لا حق لها فى قبول أو رفض إرادة الرجل، سواء كان هذا الرجل هو الزوج، أو الأب، أو الأخ، وبناءًا على هذا المفهوم، تُعقَد الصفقات التى يتم فيها بيع الفتاة من قبل أقرب الناس إليها؛ من أجل الحصول على المقابل المادى، كما أن هناك من يؤمن بأن الفتاة عبء وعار يجب الخلاص منها بالزواج فى سن صغير؛ حتى يتم صيانة شرفها وعرضها. 
 
زيادة العمر الإنجابى للمرأة
"إن الزواج المبكر له العديد من الأضرار الإجتماعية، والنفسية..ليس على الفتاة فقط، بل على المجتمع ككل"..هذا ما أكّده الدكتور "ميشيل حلمى"- استاذ الإجتماع- قائلاً: هذا الزواج غير المتكافئ على جميع المستويات، عادةً ما يفشل لأسباب عديدة، وينتهى بالطلاق، مخلفًا وراءه أطفالاً يعانون من الحرمان من الحب والحنان، فى ظل غياب أسرة ترعاهم، كما أن الزواج المبكر يؤدى إلى زيادة العمر الإنجابى للمرأة،  وبالتالى إلى زيادة السكان، وما لهذا من أثر سلبى من الناحية الإجتماعية والإقتصادية، فتنتشرالبطالة، ويزداد الفقر..
 
وأشار حلمى" إلى أن  السمة الغالبة فى حالات الزواج المبكر هى عنف الزوج تجاه الزوجة الصغيرة السن، إلى جانب حرمانها من طفولتها، مؤكدًا أن كل هذا يؤدى إلى حدوث إختلال كبير فى نفسية الفتاة، والذى ينعكس بدوره على تربية الأبناء، وبهذا لا تصلح طفلة أن تكون أمًا صالحة لتربية أبناءها، كما أن الزواج المبكر يؤدى إلى حرمان الفتاة من إستكمال تعليمها، الأمر الذى يؤدى إلى انتشار الجهل الذى هو أساس جميع المشاكل التى يعانى منها مجتمعنا.
وأوضح "حلمي" أن حرمان الفتاة من حقها فى اختيار شريك حياتها، إلى جانب فرق السن الكبير بين الزوجين، بالإضافة إلى كثرة الأعباء الموضوعة على كاهلها، يحول دون وجود حياة متفاهمة بينهما، وبالتالى يؤدى إلى كثير من المشاكل التى تعانى منها الزوجة، وأطفالها معًا. 
 
الأضرار الصحية للزواج المبكر
وعن الأضرار الصحية للزواج المبكر، قالت الدكتورة "سحر يسى"- طبيبة أمراض النساء والتوليد: إن الفتاة دون سن الثامنة عشر، لم يكتمل نضجها الجسدى بعد، ولم يكتمل نمو عظمها، وبالتالى هى تتعرض لمشاكل صحية كبيرة أثناء الإنجاب مثل إرتفاع ضغط الدم، وتسمم الحمل الذى يؤدى إلى إرتفاع نسب وفيات الأطفال حديثى الولادة، وولادة أطفال غير مكتملي النمو، وزيادة نسب الإجهاض، وزيادة حالات الوفيات فى الأمهات الصغيرات، هذا إلى جانب حدوث مضاعفات ما بعد الولادة فى الجهاز البولى والعصبى، والإكتئاب الذى يؤدى إلى سوء حالتها النفسية، الأمر الذى يؤثر بدوره على المولود الجديد. 
 
تغليظ عقوبات التلاعب فى عقود الزواج
وأشارت "سحر" إلى اهتمام الدولة بتلك المشكلة الكبيرة، حيث  حدد قانون الأسرة والأحوال الشخصية الجديد سن زواج الفتيات بثمانى عشر عامًا، بعد أن كان ستة عشر عامًا، وأن إتمام أى زيجة دون هذا السن يُعد عملاً غير قانونى، ويخضع مرتكبوه للعقاب. مؤكدًا أنه وعلى الرغم من مخالفة هذا الزواج للقانون، إلا أنه صحيح شرعاً، ويجب استمراره حفاظًا على كيان الأسرة التى أُنشئت.
 
وأكدت "سحر" إنه طبقًا لقانون الإجراءات القانونية، من حق أى إنسان علم بواقعة زواج مبكر أن يبلغ عنها، وأن هذا ما حدث فى القضية الشهير الخاصة بالماذونين الشرعيين بمدينة "زفتى"، حيث قامت السيدة "مشيرة خطاب"- وزيرة الدولة للأسرة والسكان- بتقديم بلاغ للنائب العام فور علمها بواقعة تزويج القاصرات بتلك المدينة، الأمر الذى جعل النائب العام يصدر قرارًا بالتفتيش على أعمال المأذونيْن، الذى ثبت إنهما قاما بتزويج القاصرات دون السن القانونى للزواج بمخالفة صريحة لأحكام القانون، وتمت محاكمتهما. 
 
واختتمت "سحر" حديثها قائلةً: إن تغليظ عقوبات التلاعب فى عقود الزواج، سيحد من انتشار هذه الظاهرة، مشيرةً بذلك إلى بعض الأحكام مثل: الحكم بالسجن عشر سنوات، وغرامة مالية 100 ألف جنيه"، والذى صدر مؤخرًا على رجل الأعمال الذى اُتهم بالزواج من فتاة قاصر، والحكم بالسجن لمدة عامين على المحامى الذى عقد الزواج فى مكتبه، والحُكم أيضًا على والدى الطفلة بالسجن لمدة عام مع ايقاف التنفيذ، وغرامة مالية تقدّر بخمسين ألف جنيه. 
 
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق