بقلم: منير بشاي
لمحافظ المنيا اللواء الدكتور "أحمد ضياء الدين" مواهب خاصة، لا تتوقف عن إثارة إعجابي (وتعجبي)، وأشهد أن للرجل مقدرة غير عادية على تحويل المسائل التافهة إلى مشاكل عويصة، وأيضًا له مقدرة على الصمود في مواقفه والإصرار عليها وتصعيدها مهما كانت العواقب.
ولمحافظ المنيا تاريخ طويل لا ينسى مع التعصب والتعنت في تعامله مع ملف الأقباط في محافظة المنيا، بداية من مشكلة دير "أبو فانا"، ومرورًا بمشاكل أخرى عديدة، ومشكلة بناء مطرانية مغاغة هي أحدثها ولا أظنها ستكون آخرها.
وكان "الأنبا أغاثون" أسقف مغاغة والعدوة قد تقدم بطلب لبناء مبنى جديد للمطرانية بدلاً من المبنى القديم المتهدم، وقد وافق المحافظ -كتر خيره- على إقامة المبنى الجديد بشرط إزالة المبنى القديم، واقترحت الكنيسة بناء الكنيسة الجديدة أولاً ثم بعد ذلك يُهدم المبنى القديم؛ حتى يكون هناك مكان للعبادة أثناء عملية البناء، ولكن المحافظ أصر على هدم الكنيسة القديمة أولاً.
وفعلاً رضخت المطرانية، وتم هدم مبنى الكنيسة وأُقيم مكانها خيمة للمصلين لا تقي من حر الصيف ولا من برد الشتاء، ولا تحميهم من الصِبية التي تجد متعتها في رشقهم بالحجارة، ولكن المطرانية طلبت من المحافظ الإبقاء المؤقت على مقر سكن الأسقف إلى أن يتم بناء المقر الجديد، وظنوا أن الموضوع قد حُل.
ولكن المحافظ عاد وأصر على هدم المبنى المتبقي المخصص لسكن الأسقف، وحاول الاستيلاء على الأرض، بل وأوقف تصريح البناء الذي كان قد وافق عليه قبلاً، وأيضًا أصر على إزالة أو خفض ارتفاع السور المحيط بالمبنى القديم؛ ليقضي على رسم الصليب الموجود في السور قبل البدء في بناء المطرانية الجديد.
وفي حديث على فضائية "الرجاء" حاول المحافظ أن يبرر موقفه في إصراره على هدم المبنى القديم أولاً وإخفاض السور، وكان تبريره.. "حتى يستطيع مَن ينظر أن يتأكد أن المبنى القديم قد أُزيل فعلاً"، والسبب الذي قدمه هو أن المبنيين -القديم والجديد- على بعد أمتار من بعضهما، ووجود المبنيين في وقت واحد -ولو بكيفية مؤقتة- "سوف يثير مشاعر الشعب" حسب اعتقاده.
عذر أقبح من الذنب!!
الذنب سخيف وقبيح، وهو عدم السماح للأسقف بالاحتفاظ بمبنى إقامته لحين بناء المبنى الجديد، مع أن المحافظة هي الطرف الأقوى، وتستطيع إذا أخل الأسقف بعهوده أن تهدم المبنى رغمًا عنه في أي وقت تشاء.
أما العذر فهو أسخف وأقبح من الذنب، وهو أنه كان يخشى مشاعر المسلمين من أن تتأذى إذا رأوا مبنيين للمطرانية قريبين من بعضهما!! ولكي يضمن المحافظ السلام الاجتماعي؛ يصر على الهدم أولاً.. ليس للكنيسة فقط ولكن أيضًا لمبنى إقامة الأسقف، بل ويصر على هدم أو إخفاض إرتفاع السور حتى يستطيع الناس أن يروا ويتأكدوا بأنفسهم أن الهدم قد تم فعلاً.
هذا الإصرار من قِبل المحافظ تحسبـًا لرد فعل الجمهور مصيبة كبرى وهو -إن كان صادقـًا- يعكس مآساة خطيرة عن تدني مستوى التسامح الديني عند مسلمي مصر تجاه المسيحيين شركائهم في الوطن، بل ويعكس عجز السلطات عن تنفيذ ما يرونه قانونيًا ومعقولاً؛ خشية أن لا يقبله أو يوافق عليه الجمهور.
وهذا يدعونا للتساؤل: أين سلطة الدولة وأين هيبتها؟ ومَن الذي يحكم مصر في هذه الأيام؟؟ أهي الشرعية أم التعصب؟؟ الحكومة أم الغوغاء؟!
ولا غرابة أن نجد الحكومة تخضع لمشاعر الشارع المصري، ومن ثم تضع ملف الأقباط وعلى الأخص بناء الكنائس تحت إشراف الأمن، وجزء هام من إجراءات بناء الكنائس هو استطلاع رأي المسلمين في المنطقة وأخذ موافقتهم في كل مرة يكون هناك نية لبناء كنيسة في منطقتهم.
والموضوع ليس بجديد؛ فالشريعة الإسلامية كانت وما تزال تأخذ موقفـًا معاديـًا من بناء الكنائس، بداية من "العهدة العمرية" أيام الخليفة "عمر بن الخطاب"، ومرورًا بـ"الخط الهمايوني" للدولة العثمانية سنة 1856، وانتهاءًا بالشروط العشرة لـ"لعزبي باشا" سنة 1934، ووجود المادة الثانية من الدستور التي تجعل الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لا يساعد على تلطيف الموقف، وآراء المدارس الفقهية على إختلاف مذاهبها تؤكد هذا الحظر المفروض على بناء الكنائس.
وللخروج من المأزق وتفاديـًا للتصادم مع منظمات حقوق الإنسان الدولية؛ استطاعت الدولة إصدار فتوى تبيح لولي الأمر –الحاكم- التصريح للنصارى بإقامة عدد من الكنائس يتمشى مع احتياجاتهم، ومن الطبيعى –طبقـًا لمنطقهم- أن يكون وجود مبنيين تابعين للكنيسة وقريبين من بعضهما يزيد عن إحتياجات المسيحيين، حتى ولو كان هذا بصفة مؤقتة.
وكمخرج لمشكلة بناء الكنائس أقترح أنه عندما يريد المسيحيون بناء كنيسة، أن يكتبوا في طلب التصريح أنه لبناء "كباريه"، وطبعـًا ستتم الموافقة بسرعة وبدون مشكلة، ويتم البناء، وبعد البناء يستخدم المسيحيون المبنى للصلاة، وهناك احتمال أن يُكتشف الأمر ويتم إبلاغ السلطات ويُقبض على المصلين ويُقدموا للمحاكمة، وينطق القاضي الحكم: "حكمت المحكمة حضوريـًا على المصلين النصارى بالسجن المشدد كل بخمس سنوات مع الشغل والنفاذ، وذلك لإخلالهم بالآداب العامة والسلام الاجتماعي؛ لاستخدامهم للصلاة مبنى كان مرخصًا على أنه كباريه..... رفعت الجلسة".
شيىء عادي جدًا.. فكم من المرات قُبض على أقباط في مصر ووُضعوا في السجون لإرتكابهم جريمة الصلاة في مبنى غير مرخص؟؟ حتى وإن كان بيوتهم؟!
وشخصيـًا لا أعرف سبب كل هذا العداء للكنائس، ربما هناك شيئ خطير لا نعرفه يتم داخل الكنائس وتخشاه الدولة، شيىء مثل تخزين للسلاح، أو تربية للأسود!!
Mounir.bishay@sbcglobal.net |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|