بقلم: رؤوف زكري
تتميز الدول المتقدمة ليس فقط بتقدمها في المجال العلمي والتعليمي، أو بازدهار اقتصادها وارتفاع مستوى دخل أفرادها، ولكن ما يميز تلك الدول عن غيرها هو وجود قوانين ولوائح منظمة لشؤون شعوبها، يحترمها الجميع ابتداءًا من الطبقة الحاكمة من رئيس وزراء ومسؤولين، إلى عامة الشعب.
والأمر هنا لا يتعلق فقط بوجود القوانين ومدى احترامها، ولكن يمتد أثر ذلك بتطبيقها بعدالة وحزم على الجميع دون تفرقة أو محاباة، وتسبق هيبة القوانين في تلك الدول هيبة مشرّعيها والقائمين على تنفيذها، إلى الحد الذي يعتبر مخالفتها أو التحايل عليها بمثابة خيانة أو جريمة تستوجب عقابـًا رادعـًا، ويشعر المواطنون في الدول التي يسود فيها القانون منهجـًا وتطبيقـًا بالأمان؛ الأمر الذي ينعكس على عطائهم وانتمائهم لبلادهم.
وإذا انتقلنا للحديث عن مدى تطبيق القانون على كافة النواحي الحياتية في مصر، نجد أننا ما زلنا بعيدين تمامـًا ولم نصل إلى المستوى الذي يتناسب مع حضارة مصر وعراقة تاريخها.
فمنذ عدة شهور آثارت قضية تعيين المرأة في مجلس الدولة جدلاً هائلاً في الشارع المصري بين مويد ومعارض، وعلى الرغم من عدم وجود مواد تمييزية في الدستور المصرى تفّرق بين المواطنين حسب الجنس أو الدين أو العرق، إلا أنه تم رفض أو تعليق تعيين المرأة في مجلس الدولة، وذلك بحجة عدم تحمل المرأة لظروف العمل في النيابات، ولم يسأل أحد عن مدى شعور هؤلاء الخريجات اللاتي اجتهدن بجدٍ وإخلاصٍ وحصلن على أعلى التقديرات، وكنّ يتطلعن لتحقيق أحلامهن؛ ثم نطلب منهن بعد ذلك انتماءًا لمصر وحبـًا لها!!
وإذا انتقلنا للأزمة التي نشأت بين القضاة والمحامين منذ عدة شهور وما زالت آثارها حتى الآن، وعلى الرغم من أن طرفي الأزمة يمثلان جناحا العدالة، والمنوط بهما تطبيق العدالة والقانون، نجد أنه بدلاً من التعامل مع الأزمة من خلال تطبيق القانون على المخطئ أيـًا كان، إلا أننا صُدمنا بقيام المحامين بالعديد من المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، ليس بغية تطبيق القانون، بل بفرض ما يريدون.
أما إذا انتقلنا للمجال الديني؛ فإنه على الرغم من وجود قانون يجّرم المظاهرات داخل دور العبادة، حيث يعتبر ذلك ضد قدسية تلك الأماكن، إلا أنه للأسف الشديد لا يوجد مجال لتطبيق القانون؛ فبمجرد قيام إسرائيل باعتداءات على الفلسطينين تندلع المظاهرات العارمة في الجامع الأزهر بعد صلاة الجمعة، وكذلك بمجرد ظهور إشاعات تحمل أي إساءة للأقباط، وقبل التحقق منها، تُحمَّل العديد من الأتوبيسات بالأقباط إلى الكاتدرائية للتظاهر، دون أن يسأل أحد عن القانون وتطبيقه في مثل هذه الحالات التي لا يوجد لها مثيل في دول العالم المتقدم.
وإذا انتقلنا للحديث عن قانون المرور الجديد، والذي استبشرنا به خيرًا في تنظيم حركة المرور، والذي شهدت تسيبـًا لا يُحتمل، وهو القانون الذي غلّظ فيه العقوبات، والتي وصلت لغرامات مالية كبيرة، خصوصًا في حالة السير عكس الاتجاه، إلا أنه بتطبيق هذا القانون ظهرت العديد من الخروقات.
فعلى الرغم من أن السير عكس الاتجاه يستلزم تطبيقه ضبط المخالفة وقت حدوثها، إلا أنه في حالات كثيرة، وعند تجديد الترخيص يجد المواطن أن هناك مخالفة أو أكثر تتعلق بالسير عكس الاتجاه في أماكن لم يكن قد زارها في حياته، ولا يجدي التظلم، وبالتالي لا مفر من سداد الغرامات، والتي تصل لآلاف الجنيهات، وهكذا تحوّل تطبيق قانون المرور في حالات كثيرة من ضبط حركة المرور إلى إرهاب لقائدي السيارات.
وإذا انتقلنا للمجال الرياضي، وبعد تطبيق الاحتراف، نجد أنه لا يمر عام إلا ويصاحب عمليات قيد اللاعبين أزمات تتحدث عنها الجرائد والفضائيات ومنتديات المواقع الإليكترونية شهورًا، وها نحن نعيش أزمة لاعب نادي الاتحاد السابق "محمد ناجي" الشهير بـ"جدو"، والذي وقّع عقدًا لأكثر من نادٍ في وقت واحد، وعلى الرغم من خطأ اللاعب الواضح، ووجود لوائح في اتحاد الكرة لمعاقبة تلك التصرفات؛ سواء كانت غرامات مالية أو إيقاف عن اللعب، إلا أننا نسمع عن تضارب في تفسير القانون، ولا يستطيع اتحاد الكرة حسم هذه القضية، بل يقوم باستدعاء أحد أعضاء الاتحاد الدولي لاخذ استشارته، وذلك لعدم قدرته على تطبيق القانون.
وإذا انتقلنا للمجال الإعلامي والقنوات الفضائية تحديداً، نجد أنها أصبحت مثل "سوق عكاظ"، فلا مجال لتطبيق القانون مطلقـًا، ولا ميثاق شرف مهني؛ فكل ما تتخيله عزيزي القارئ من تكفير لأصحاب الديانات السماوية، وتحقير من عقائد الآخرين، وزرع الفتن، وعدم قبول الآخر المختلف في الدين أو العقيدة.
وهكذا عزيزي القارئ.. ما أبعدنا عن أن نكون دولة القانون؛ فالمشوار ما زال طويلاً، والأمر لا يتطلب فقط المزيد من إصدار القوانين، ولكن يتطلب استعادة هيبته وتطبيقه بعدالة وحزم دون محاباة، على الكبير قبل الصغير، وعلى المسؤول قبل المواطن العادي، وهذا لن يتأتى إلا بحوار مجتمعي وبانتخابات تشريعية نزيهة ومحاربة الفساد دون هوادة.
فيا أهل الرأي والشورى... ماذا أنتم فاعلون؟؟ |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|