CET 00:00:00 - 05/08/2010

مساحة رأي

بقلم: صبحي فؤاد
 لا أعرف مَن أصدق ولا مَن أكذّب في قضية اختفاء زوجة القس.. هل أصدق الذين قالوا إنها أُختطفت بمعرفة بعض المتطرفين لإقناعها أو إرغامها على ترك دينها واعتناق الإسلام؟؟

 هل أصدق الذين ادّعوا أنها كانت على خلاف مع زوجها وقامت بترك بيتها وتوجهت إلى القاهرة بمحض إرادتها؟؟ هل أصدق الذين ادّعوا وروّجوا على المواقع الإسلامية أنها كانت موجودة في الأزهر لإشهار إسلامها رسميـًا، عندما قام رجال الأمن بالقبض عليها وتسليمها إلى أسرتها؟؟ هل أصدق الذين قالوا أن "كامليا" -زوجة القس- لم يُعثر عليها حتى الآن ولا أحد يعرف أين تتواجد؟؟ هل أصدق الذين قالوا إنها سحبت كل أموالها وأخذت ذهبها وهربت؟ أم الذين قالوا إنها تركت فلوسها وذهبها ولم تاخذ معها شيئـًا حتى يفهم الزوج أنها لا تريده ولا تريد ماله أو ذهبه؟؟

 أين الحقيقة في أمر اختفاء زوجة القس؟ ولماذا أصبحت لغزًا حيّر –وما يزال- الجميع، وفتح الباب على مصراعيه لترويج الأكاذيب والاشاعات؟؟

 إنني شخصيـًا أشك في حكاية اختفاءها لخلاف بينها وبين زوجها، وأشك في صحة ما تردد في بعض المواقع الإسلامية بأنها كانت طيلة السنوات الماضية تتعلم القرآن وتحفظه، وقررت دخول الإسلام بكامل رغبتها وإرادتها.

 ولكني أرجح احتمال اختطافها بواسطة "عصابات الأسلمة" المنتشرة في كل ركن من أركان مصر؛ بهدف إجبارها على دخول الإسلام وإحراج الكنيسة، رغم إنكار بعض الأقباط -ومنهم كبار رجال دين مسيحي- أنها أُختطفت، وذلك استنادًا للمعلومات التي جاءت في بعض المواقع الإسلامية التي ذكرت أنه قد قُبض عليها في الأزهر قبل لحظات قليلة من إشهار إسلامها، وتم تسليمها لزوجها أو أهلها في القاهرة.

 واستنادًا أيضًا إلى البلاغ الذي تقدم به منذ أيام قليلة بعض المهاويس المتطرفين المتأسلمين للنائب العام المصي، يطالبونه بالسماح بتفتيش الأديرة القبطية للبحث عن زوجات القسوس الثلاث اللواتي -حسب إدعاءهم- أسلمن ولكن الدولة أجبرتهن على العودة إلى حضن الكنيسة مرة ثانية.

 إن معرفة الحقيقة في أمر اختفاء زوجة القس يجب أن تُعلن بشفافية تامة للعالم كله، ولا يجب أبدًا أن تكون سرًا أو لغزًا من الألغاز؛ لأن غياب الحقيقة وحجبها عن الرأي العام يكون ضرره في الغالب أكثر بكثير من فوائده، حتى لو كانت النية حسنة لحجب الحقيقة.

 إن الشفافية في معالجة هذه القضايا الحساسة يساعد على منع تكرارها مستقبلاً، وعدم تعريض الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد لمزيد من الانشقاق والخلافات التي كلنا في غنى عنها.

 بالمناسبة أهدي هذه الحكاية الحقيقية إلى كل مَن يهمه الأمر في مصر، من رجال الدولة والقضاء ورجال الدين الإسلامي، وفي مقدمتهم شيخ الأزهر ووزير الأوقاف وجميع أصحاب الضمائر الحية من أخوتنا المسلمين في مصر، لكي يرى الجميع كيف أصبح المتطرفون المتأسلمون فوق القانون والدولة، يفرضون إرادتهم وسطوتهم على الأبرياء دون أن يجدوا كبيرًا أو صغيرًا في الدولة أو الأزهر أو المجتمع يقوم بمحاسبتهم، ووضع نهاية لما يقومون به من أعمال شيطانية وإجرامية تخالف تعاليم الإسلام والقوانين المصرية والدولية.

 بدأت هذه الحكاية أو المآساة في عام 1991، عندما طلب بخبث شديد جار متزوج يعيش في حي "مدينة نصر" بالقاهرة من جارته المسيحية المتزوجة -التي كانت تزور زوجته ولديها طفلتين- أن تقول "لا إله إلا الله.. محمد... إلخ". وببساطة شديدة وحس نية وفي براءة الأطفال نطقت بما طلب منها الجار بدون قصد أو تفكير أو أي نوع من الشك في نواياه.

 بعدها بأيام قليلة اختفت الزوجة المسيحية ومعها بناتها الصغار ولم يُعثر لها على أثر في أي مكان؛ فقام الزوج بإبلاغ السلطات الأمنيه بأمر اختفاء زوجته وبناته، ولكنهم اكتفوا بتحرير المحضر دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة البحث عنها، واستمر الزوج المسكين في البحث في كل مكان عنها لشهور بدون أن يوفق في العثور على دليل واحد يساعده على فك لغز اختفاء زوجته وبناته.

 وبينما كان الزوج حائرًا مهمومًا حزينـًا يدمي الألم والوجع قلبه وعقله، جاء من يطرق باب سكنه ليسلمه خطابـًا رسميـًا من المحكمة يعلنه بأمر تطليق زوجته له لإشهارها إسلامها وقيامها بالزواج من جارها المسلم!!

 كانت صدمة قوية للزوج.. تصور في البداية أنها مجرد دعابة سخيفة أو كابوس جاءه في حلم، ولكن عندما ذهب إلى البوليس تأكد بنفسه أن زوجته دخلت إلى الإسلام هي وبناتها وتزوجت من جاره المسلم، وأنه صار محظورًا عليه الاقتراب منها أو التعرض لها أو للبنات.

 بكى الزوج من الحزن والألم، ولجأ إلى الجهات الأمنيه والقضائية ورجال الدين الإسلامي والمسيحي لإنصافه وإعادة زوجته وبناته إليه بلا فائدة أو جدوى؛ فسلّم أمره إلى الله من فرط اليأس والاحباط الذي أصابه.
ورغم هذا لم يكتفوا بسرقة زوجته وأطفاله وإجبارهم على دخول الإسلام، بل والأدهى أنهم قاموا بإجبار الزوج المسكين على دفع نفقة شهرية للزوجة  بقرار صدر من المحكمة، وظل الزوج  يدفع مرغمـًا جزءًا كبيرًا من راتبه للزوجة التي سرقها  منه جاره المسلم المتطرف، إلى أن مات من الغم والقهر والظلم في عام 2006، بعد معاناة استمرت 16 عامًا متواصلة.

 هذه القصة الحقيقية تصلح أن تكون فيلمـًا عالميـًا يراه العالم كله؛ للتعرف على ما يحدث للأقلية المسيحية في مصر من ظلم واضطهاد، وفي نفس الوقت  توضح لنا إلى أي مدى أصبح المسيحيون في مصر مستهدفون من قِبل "عصابات الأسلمة" والمتطرفين المتأسلمين، في الوقت الذي نجد فيه الدولة  تتقاعس تمامـًا عن حمايتهم والتغاضي عن معاقبة مرتكبي الجرائم ضدهم، رغم مسئوليتها القانونية والدولية والأخلاقية في توفير الحماية لهم والقصاص من المعتدين عليهم.

 أعود مرة ثانية لقضية زوجة القس التي اختفت... وعشرات قبلها أيضًا، ومنهن الزوجة التي ذكرتُ حكايتها وأُجبرت على دخول الإسلام، وأطالب الدولة بإعلان الحقيقة كاملة بصدق وشجاعة للرأي العام المصري؛ لأن الكذب والتضليل والتستر على جرائم ضد الإنسانية كما نقول في مصر "ليس له رجلان".

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٠ صوت عدد التعليقات: ٢٩ تعليق