بقلم: منير بشاي
طلع علينا دكتور محمد عمارة مؤخراً بكتاب جديد عنوانه (الفتنة الطائفية... متى وكيف ولماذا؟) يتضمن المزيد من افتراءاته المعهودة، ويبدو أن كاتبنا قد تخصص في موضوع الفتنة الطائفية ولكن ليس وأدها بل صناعتها.
وفي الكتاب الجديد يخلص الكاتب إلى نتيجة خطيرة هي وعد للمسلمين ووعيد للمسيحيين وهي أن المسيحية ستنقرض من مصر في خلال أقل من مئة عام!! ولا أدري ما صلة انقراض المسيحية بموضوع الكتاب وهو الفتنة الطائفية في مصر؟ إلا إذا كان الكاتب يعتقد أن علاج الفتنة الطائفية في مصر هي التخلص من المسيحيين وبذلك سوف لا تكون هناك في مصر طوائف أخرى بجانب الإسلام وبالتالي لا تكون هناك فتنة.
كان رد الفعل المباشر لدى قراءتي لهذا التصريح هو إحساس بالإشفاق على د. عمارة كرجل يبدو أنه أصبح سجين تعصب مقيت جعله يحلم أحلام اليقظة لِما يتمنى أن يحققه في عالم الواقع.
ونصيحتي له أنه يستمر في أحلامه لعله يستريح نفسياً وهذه الأحلام لا شك أنها راودت كثيرون غيره على مدى ١٤۰۰ سنة منذ دخل الإسلام مصر في محاولات للقضاء على الوجود المسيحي ليبقى صرح المسيحية شامخاً مثل الأهرامات، فالمذبح الذي بناه الرب وسط أرض مصر (أشعياء ١٩:۱٩) سيظل قائماً طالما بقيت مصر ولو كَرِه الكارهون.
ونبوءة د. عمارة قد بناها على معطيات فاسدة أدت به إلى استنتاجات فاسدة، وهذه عينة:
أولاً: يخطط كاتبنا للمستقبل كما لو أنه يعلم ما سيحدث بعد مائة عام!!
فيعتقد أنه خلال مائة عام ستنقرض المسيحية في مصر -أول القصيدة كفر!!- فمن أعطاك الضمان سيدي أن هذا العالم وما فيه سيستمر مائة سنة أخرى؟ أن هذا العالم يسير من سيء إلى أسوأ والعلامات التي وضعها لنا السيد المسيح للنهاية تكتمل أمام أعيننا يوماً بعد يوم، فلا تخطط سيدي كثيراً لمستقبل أنت لا تعرفه، أما المسيحيون فإنهم على الأقل يعرفون أنهم محفوظون في يد المسيح وهم عالمون بمن آمنوا وموقنون أنه قادر أن يحفظ وديعتهم إلى ذلك اليوم (٢ تيموثاوس ٢:١٢).
ثانياً: يظن الكاتب أن عدد المسيحيين في مصر يبلغ ٥,٤ مليون فقط (٨.٥ % من سكان مصر).
ولا أدري من أين جاء سيادته بهذا الرقم فالدولة لا تكشف عن عدد المسيحيين وتعتبره سراً لا يعرفه أحد سوى رئيس الجمهورية ورئيس مكتب الإحصاء، ولكن هناك مؤشرات تدحض ما وصل إليه د. عمارة. ومنها ما أعلنه الرئيس كارتر لقداسة البابا شنوده أثناء زيارته له في فترة ولايته بأن معاهد الإحصاء في أمريكا تضع عدد الأقباط على أنه حوالي ٨ مليون في ذلك الوقت، ومع إضافات متواضعة للنمو السكاني من ذلك الوقت إلى الآن فإن التقدير الذي وضعته الكنيسة لعدد الأقباط على أنه يزيد عن ۱۲ مليون يبدو بعيداً عن المبالغة.
ثالثاً: يدعي الكاتب أن عدد المتحولين من المسيحية للإسلام هو ما بين ٤۰ ألف و٥۰ ألف في كل عام.
ولا أدرى ما هي مصادره في هذا؟ الواضح أن هذه الأرقام لا تمت للحقيقة من قريب أو بعيد لأنها لو كانت صحيحة لرأينا المسيحية قد انقرضت منذ زمن بعيد، والكاتب يتغافل حقيقة هامة وهي أن الكثيرين ممن تحولوا للإسلام كان ذلك لأغراض أخرى ليس من ضمنها اقتناعهم بهذا الدين، كما أن الكثيرين بعد ما أفاقوا وأدركوا أنهم قد أخطئوا في قرارهم قرروا الرجوع مرة أخرى لأيمانهم الأول وهم يعيشون حياتهم كمسيحيين، ولكن السلطات ترفض إعطائهم حق الرجوع وتضع في سبيلهم العراقيل وما تزال تتعامل معهم على أنهم مسلمين.
رابعاً: لا يشير الكاتب إلى أنه هناك في المقابل متحولون من الإسلام للمسيحية في مصر.
حسابات د.عمارة لا تعترف بوجود تحول مقابل من الإسلام للمسيحية، وهو بهذا يتصرف كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال حتى لا ترى الأخطار المحدقة بها وتظن أن كل شيء على ما يرام وبدون تحديد أرقام لأعداد هؤلاء المتحولين للمسيحية ولكن يكفي الإشارة إلى أن أحد المتحولين أنفسهم يقدرهم بعدة ملايين، فمن المؤكد أن الساتر الفولاذي الذي كان يحيط بالإسلام قد تحطم وأن التقنيات الحديثة قد ساعدت على أن يصل نور الإنجيل إلى معقل الإسلام دون حواجز بعد أن اقتحمتها الفضائيات ومواقع الإنترنت ووسائل الاتصالات الحديثة وانفتاح العالم على بعضه، ولأول مرة في تاريخهم بدأ المسلمون يتساءلون بالنسبة لكثير من المسلمات الإسلامية، ويضعوا تعاليم دينهم تحت مجهر الفحص والكثيرون من المسلمين أصبحوا لا يقبلوا ما قد اكتشفوه عن الإسلام.
خامساً: يدعي الكاتب أن العروبة هي خيار الشعب المصري كله بكل دياناته!!
ولا أدري كيف يستطيع أن يطلق الكاتب مثل هذا الإدعاء، فكقبطي يعيش في مجتمع قبطي مسيحي لا أظن أنني تقابلت مع قبطي واحد يقول عن نفسه أنه عربي، ناهيك أنه في مسألة مثل الأصل العرقي لا يخضع الأمر إلى رغبات أو اختيارات بل إلى حقائق علمية ثابتة.
ومن المؤكد أن مسيحي مصر حتى وإن كانوا يتكلمون اللغة العربية ولكن أصولهم الإثنية لا تمت للعربية في شيء ولا يستطيعوا أن يختاروا العروبة -حتى إذا أرادوا- لتكون أصلهم الإثني لأنها ليست كذلك.
ختاماً: يا سيدي، ليتحول مَن يريد أن يذهب إلى الإسلام كما يريد وأتمنى أن يعطي الإسلام أتباعه نفس هذا الحق للتحول إلى الدين الذي يريدوه، ولكن في النهاية فإن العدد لا يقدم ولا يؤخر شيئاً في حسابات الله، فالله لا يهمه العدد بل صدق الإيمان ولقد سبق السيد المسيح وحذرنا بأن الباب واسع والطريق رحب الذي يؤدي إلى الهلاك وأن الكثيرون هم الذين يدخلونه، أما الباب الذي يؤدي إلى الحياة فهو ضيق والطريق كرب وقليلون هم الذين يجدونه (متى ٧:۱٣- ۱٤).
Mounir.bishay@sbcglobal.net |