بقلم: يوسف سيدهم
حالت الأحداث المتتابعة منذ فض الدورة البرلمانية في يونيه الماضي دون تقديم المقال السنوي الذي اعتدت عليه لتسجيل تقاعس مجلس الشعب عن مناقشة وإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة، الذي يرقد مشروعه في أروقة المجلس منذ عام 2004 ولعل المتابعين للأحداث المتصلة ببناء وإحلال وتجديد وصيانة وترميم الكنائس يلحظون كيف أن عدم إصدار هذا القانون هو المسئول عن تفجر مشاكل كثيرة كان مجتمعنا في غني عنها وتقف الحكومة إزاءها في موضع المساءلة والحساب.
مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة أجازته لجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب عام 2004 فور تقديمه بواسطة المستشار محمد جويلي وتم تحويله إلي لجنة الإسكان، حيث يرقد في انتظار تبني الحكومة له في أجندتها التشريعية، لكن الحكومة تركته - أو علي الأصح تجاهلته - لسبب غير مفهوم لأنه لو صدر لخلصها من مآزق عديدة وقعت فيها كلما تفجرت أحداث عنف من التي اشتهرت باسم «الأحداث الطائفية» والتي تتصل ببناء أو ترميم كنيسة... والعجيب أن المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو المجلس الرسمي التابع للدولة دأب علي طلب إصدار هذا القانون في سائر تقاريره السنوية-بل ألح علي الحكومة عدم التلكؤ في ذلك - لأن المجلس لاحظ خلال رصده وتحقيقه ملابسات وتداعيات الأحداث الطائفية أن غياب مثل هذا القانون هو المسئول الرئيسي عن خلق مناخ الاحتقان وتفجير الأزمات بين المسيحيين والمسلمين أو بين المسيحيين وسلطات الإدارة، مدنية كانت أو أمنية.
وليس الأمر مقصوراً علي المجلس القومي لحقوق الإنسان، بل تشاركه رأيه سائر المنظمات الحقوقية، والعديد من المفكرين والكتاب والمهمومين بأمر حقوق المواطنة والوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي، فجميعهم لا يرون سبباً لعدم إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة، ويحذرون من أن عدم إصداره يرسل رسالة مغلوطة للجميع داخل مصر وخارجها بأن الدولة ترضي عن بقاء الخلل وعدم المساواة بين المصريين في هذا الخصوص، لأن اليسر المتاح للمصري المسلم في بناء المساجد وتوسعتها وصيانتها وترميمها يقابله عسر يعاني منه المصري المسيحي فيما يخص الكنائس من أعمال مماثلة.
في أعقاب انفجار جريمة نجع حمادي في يناير من هذا العام أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريراً شجاعاً للجنة تقصي الحقائق التي أرسلها لموقع الجريمة، وكان من النقاط المهمة التي تضمنها التقرير التأكيد علي أهمية سرعة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة وترميمها تعبيراً عن تفعيل نصوص الدستور التي تقرر المساواة في حرية التعبير والعبادة وممارسة الشعائر الدينية.. ثم عاد الدكتور أحمد كمال أبو المجد نائب رئيس المجلس ليصرح بالآتي: «... بالرغم من عدم اطمئناني الكامل إلي أن إصدار هذا القانون سوف يعالج جميع المشاكل المتعلقة بالكنائس فإنني أؤكد أن التلكؤ في إصداره يرسل إشارة سلبية ومغلوطة للشارع المصري مؤداها أن الدولة ترضي عن التمييز بين المسلمين والأقباط في هذا الإطار، وذلك له مردوده المدمر».
ثم كتب الدكتور مصطفي الفقي في معرض تحليله جريمة نجع حمادي: «...لعلي أطالب بالإسراع في إصدار القانون الموحد لدور العبادة، لأنه سيمتص ما لا يقل عن خمسين في المائة من أسباب الاحتقان الطائفي ويرفع عن كاهل الوطن شبهة التمييز وتهمة التقصير».
وكان رد فعل المسئولين في الحكومة إزاء ذلك غريباً، إذ صرح الدكتور مفيد شهاب بأن الوقت غير ملائم لإصدار هذا القانون دون أن يفسر أسباب عدم الملاءمة أو يحدد الوقت الملائم، ثم صرح الدكتور محمود حمدي زقزوق - وزير الأوقاف - خلال لقائه بوفد لجنة الحريات الدينية الأمريكي بأن مشروع القانون سوف يعرض أمام البرلمان لمناقشته في دورته المقبلة... الأمر الذي عكس تردداً وتخبطاً وتسويفاً من جانب الحكومة في التعامل بجدية وحسم مع مأزق متفجر لا يحتمل الانتظار، حتي إن كاتبنا الكبير الأستاذ أحمد رجب كتب ساخراً في 16 فبراير الماضي في بابه الشهير «كلمة»: «لماذا تنظر الحكومة إلي نص المواطنة في الدستور باعتباره حبراً علي ورق؟بدليل أن الوظائف العليا في الدولة تكاد تكون مقصورة علي المسلمين، كما أن قانون بناء دور العبادة يتلكأ في مجلس الشعب برغم أن الشعائر التي تقام في الكنيسة والمسجد هي لإله واحد هو الله رب العالمين، وإذا كانت الحكومة قد تأثرت بالتيارات المتعصبة وتدينت شكلاً باللحية والزبيبة وتكفير الآخرين، فلماذا لا يقبض عليها حبيب العادلي وزير الداخلية مع المتأسلمين؟».
في أعقاب ذلك صدر تقرير مهم جداً يتناول بالتحليل والدراسة رصد أحداث العنف الطائفي خلال عامي 2008 - 2009 صادر عن «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، وعرض التقرير بشكل يكاد يكون غير مسبوق تسارع وتيرة أحداث العنف المرتبطة بالكنائس والمناخ المريض المسبب لها وسياسات الحكومة وأجهزتها الأمنية في التعامل معها علاوة علي سلوكيات النيابة وجهات التحقيق فيها.. وكان اللافت للنظر أن توصيات التقرير علي الرغم من شجاعتها ووضوحها في دعوتها للإصلاح وترسيخ المساواة بين المصريين لم تشر إلي حتمية إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة، الأمر الذي كان مدعاة للتساؤل، وجاء الرد الأكثر غرابة عن التساؤل بأن عدم المطالبة بإصدار القانون يعطي التقرير فرصة أكبر للنظر فيه من جانب واضعي السياسات في الدولة
الآن انفضت الدورة البرلمانية ويرحل مجلس الشعب بتشكيله الحالي متقاعساً عن إصدار القانون، وتدخل مصر خلال شهرين فعاليات انتخاب مجلس شعب جديد يضطلع بمسئولية الرقابة والتشريع للسلطة التنفيذية.. فهل يصدر القانون - كما أشار الدكتور زقزوق - في الدورة البرلمانية المقبلة، أم يبقي عدم صدوره كما تعودنا مادة سنوية لكتابة هذا المقال وسبباً كريها كئيباً لاستمرار معاناة الأقباط؟ |