بقلم : هيام فاروق
جاءتنى دعوة لحضور مؤتمر عنوانه ( إدعموا حق الأقباط فى الطلاق ) ، و فى نفس الوقت قرأت فى جريدة اليوم السابع كلمة مختصرة لجناب القمص / صليب متى ساويرس .. يحذر فيها من حضور هذا المؤتمر نظرا لأنه يحوى مجموعة أشخاص معادين للكنيسة و يحوى أفكارا مخالفة للعقيدة . ولا أعلم كيف صرح قدسه بهذا قبل إنعقاد المؤتمر و سماع محتواه . ما علينا .
الحق يقال ما كنت أنوى لحضور هذا المؤتمر نظرا لقناعتى الشخصية بطاعة نص الكتاب المقدس فى عدم إيجاز الطلاق .. و لكن بعد التفكير قادنى فكرى إلى أن حضور مثل هذا المؤتمر قد يتيح أمامى فرصة الخوض فى معاناة و مشاعر هذه الفئة من أصحاب القضايا و خصوصا أنها فئة ليست بقليلة و إن كان تصريح نيافة الحبر الجليل الأنبا بولا بأن عددهم لا يتجاوز الـ 4000 متقاضى ، إلا إنى أرى أن هؤلاء الـ4000 يتبعونهم أطفالا و زوجات أو أزواج و بهذا يصبح عددهم أضعافا مضاعفة إن صح التعبير .
إذن فلماذا لم نسمعهم ؟ لماذا نتركهم هكذا خصوصا و أن القائمين على تنسيق هذا المؤتمر متمسكين بالكنيسة و الوجود فيها و يملاؤن الدنيا صراخا و أنينا رغم أن السُبل واسعة و الطرق الأخرى متاحة للتخلص من كل معاناتهم بلا صراخ و لا ضجيج .. و أعيد و أكرر هم متمسكون بالكنيسة بكل قواهم فكيف نطلق عليهم معادون للكنيسة !!!!!! .. أما من جهة أنهم يحملون أفكارا مخالفة للعقيدة .. فلنا الحق أن نسمع هذه الأفكار و لهم الحق أن يتكلموا فهم أصحاب قضية لا يُستهان بها .. ليست قضية كنيسة و زواج كنسى فقط بل هى قضية مجتمع و أسرة يجب الحفاظ عليها على إعتبار أنها نواة المجتمع .. و خصوصا أننا نملك العديد من الآباء المحنكين فى الخدمة و أيضا العديد من كبار مستشارينا النفسيين و الحقوقيين .. و فى نفس الوقت على حد تعبير نيافة الأنبا بولا أنهم فئة محدودة العدد رغم أنى أرى الآلاف و الآلاف على سلم الأسقفية يوميا أمام المجلس الإكليريكى و لكن طالما هكذا إذن فالمعادلة محسومة .
كان المؤتمر يحوى أشخاصا قانونيين و حقوقيين و مستشارين نفسيين و جناب القس / رفعت فكرى لتوضيح الجانب الروحى . و تم تفنيد بنود اللائحة المقدمة من الكنيسة لقانون الأحوال الشخصية الموحد لغير المسلمين و أوضح أحد المحامين أن بعض بنود اللائحة مخالفة للدستور و ليست فى مصلحة المتقاضى القبطى .
أما من الناحية النفسية فقد أوضح أحد الأخصائيين النفسيين أننا فى مجتمع يدعى الإهتمام بالطفل و صحته النفسية و الجسدية و العلمية فكيف لمجتمع مثل هذا ينشأ فيه الطفل فى أسرة مشحونة بخلافات و مخالفات لفظية قد تلوث سمعه و تلوث مستقبله بالكامل بتصرفات مشينة من تبعات ما يشاهده و ما يلقاه من جو مكدر دائما بين أم و أب لا يدركان مسئوليتهما و رعايتهما لأبناء يجب أن يشبوا أسوياء فى مجتمع يحتاج إلى تصحيح مسار و تنوير و تطوير .
ثم تكلم جناب القس / رفعت فكرى عن قدسية الزواج ، و أوضح سيادته رفضه الشخصى لفكرة الطلاق على الإطلاق ، و يجب أن يتعلم الطرفان التسامح و المغفرة و التعايش و التكيف مع الآخر لإكتمال الجو الأسرى المنشود . كما أشار إلى الآية القائلة ( من جمعه الله لا يفرقه إنسان ) موضحا أنه ليس كل جمع بين طرفين فى الزواج ننسبه إلى الله .. فربما جمعتهما خطية ، أو ظروف معينة أجبرتهما على الإرتباط عنوة .
و فى النهاية أوضح سيادته إلى ضرورة وسطية الفكر بحيث يتم الزواج مدنيا تحت مباركة الكنيسة و صلواتها للعروسين فى ظل قناعتهما لإحتياجهما لطلب البركة و تدخل الرب كطرف أول و أساسى فى الإرتباط .
إنتهى المؤتمر و عدت متألمة و متأملة فى مصير هؤلاء .. و خضت فى تفكير عميق أرجو أن تشاركونى و لا بأس من تصحيح الفكر إذا كان خاطئا .. فأنا دائما أقف عند نص الكتاب المقدس و أقول سمعا و طاعة ، و أقدس النص الكتابى تقديسا كاملا .. و لكن عند التفاسير فأنا لست مجبرة لإعتناق مدرسة معينة من التفسيرات إلا ما يدركه عقلى ، كما أن التفسير ليس ملزما لى بتقديسه أيا كان المفسر مع إحترامى للجميع .
فكرت فى الآية القائلة ( إن من طلق إمرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزنى ، و من يتزوج بمطلقة يزنى ) .. و نص الآية صريح أنه لا طلاق إلا فى حالة زنا أحد الطرفين .
ثم تطرقت لآية أخرى نصها ( من نظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه ) .. إذن النظرة و الشهوة فى نظر الكتاب المقدس هى زنا . ألا يحل للغالبية العظمى الطلاق هنا ؟ يكفى الإعتراف من أحد الطرفين أو كلاهما بأنه نظر و إشتهى و يحق له أن يطلب الطلاق من الكنيسة بناء على منطوق الآية . فهل هذا يعقل ؟ و إن كان هكذا أفلا نطبق هذه و لا نطبق تلك ؟
ثم أمسكت بالكتاب المقدس لأستخرج منه أى موقف يدل على إتمام مراسم زواج داخل الكنيسة أو بين جماعة المؤمنين فلم لأجد .. بداية من البشائر و حتى سفر الرؤيا . و لم يُذكر موقف واحد فى الكتاب المقدس قام فيه السيد المسيح بعمل إكليل و إتمام طقس معين للعروسين و لا تم هذا أيضا فى سرد أحداث الآباء الرسل و لكن هذا لا ينفى أننى أقدس سر الزيجة المقام فى كنيستى أو أى كنيسة أخرى . فكلها طقوس مباركة لطلب البركة و حلول الروح القدس لبركة العروسين و جعل الإثنين واحدا .
إذن فما الحل ؟
هل الزواج المدنى هو الحل ؟ أنا شخصيا أرى أنه نقمة و ليس نعمة .. لماذا ؟ لسبب بسيط ألا و هو إحتواءه على بنود لا تمت بصلة لأمن و سلام الزوجين أو الأطفال .. فمثلا يحلل الطلاق لبند ( إستحالة العشرة و إستحكام النفور ) و هنا أتعجب !!!! إستحالة العشرة يكثر فيها الكلام عن دخول طرف ثالث فى حياة أحد الطرفين فيبدأ هذا الطرف فى خلق مشكلات و إبتداع نفور من أى نوع .. أو أن تشكو زوجة من بخل شديد للزوج أو عصبية زائدة أو أن يشكو زوج من نكدية الزوجة ، أو إهمالها أو عدم نظافتها .... إلخ .. و يصبح طلب الطلاق هنا سداح مداح مفتوح لأتفه الأسباب كما نرى فى مجتمعنا الآن .. ناهيك عن تبعات هذا الطلاق من تشريد أطفال و ظاهرة أطفال الشوارع ..
أرى أنها مشكلة شديدة التعقيد و تحتاج إلى وقفة سريعة و مؤازرة عالية من الكنيسة دون ضجر و لا ملل . و كفانا سماع أقوال من يقول : ( اللى عاجبه أهلا وسهلا و اللى مش عاجبه فالطريق واسع أمامه ) .
يا كنيستى .. ويا آباء كنيستى أناشدكم بالإهتمام بهذه القضايا كل قضية على حدة .. فهؤلاء لا يريدون حلولا بعيدة عن الكنيسة .. بل هم أبناء الكنيسة و لتعتبروهم ما تعتبرونه .. معادين أم مشاكسين أم مهاجمين أم أصحاب قضية جارحة .. أيا كان إعتباركم لهم فهم أبنائكم .. و الكنيسة أمهم .. فأى أم لا تسعى إلى ضم أبنائها ؟ أى أم لا تحنو على أبناءها ؟ أى أم تغلق باب بيتها فى وجه أبناءها ؟
و أخيرا أتضرع قائلة : يا ملك السلام إعطنا سلامك .. قرر لنا سلامك .. و إغفر لنا خطايانا . |