هناك شائعة تتردد دوما تقول إن المطرب تامر حسنى يدفع لأولئك الذين يهتفون له، ويصدحون وراءه، ويحثون الجمهور على أن يتجاذب إليه ويتهافت عليه. وهذه مسألة تكررت فى مسيرة الفن العامرة بالمنافسات الشرسة بين المطربين، وسعى كل منهم إلى استلهام كل الحيل، التى يجود بها فن العلاقات العامة وعلم الدعاية، حتى لو رأى فيها البعض ما يجافى الأخلاق، وينتهك القيم النبيلة.
وهناك أكثر من شائعة تبين أن جمال مبارك هو الذى يدفع ويحرك الذين يجمعون التوقيعات لترشيحه للرئاسة، ويعلقون الملصقات فى الميادين والشوارع والأزقة والحارات والعطوف، وحتى على شواهد القبور التى يسكنها الملايين. وكما لا يمكن لتامر حسنى أن يعترف بأنه وراء من يحركون الجمهور وراءه، فإننا نسمع من بعض رجال الحزب الحاكم نفيا لوقوفهم وراء الحملة المناصرة لمبارك الابن، ويقول لنا من يتصدى لها إنه مقتنع بما يفعل، ويحاول أن يوهمنا أن كل هذه الأموال التى تسهل له المضى فى حملته هى من تبرعات المتحمسين للوريث.
الفارق بين جمال وتامر، أن الثانى فى صوته بعض انسياب وطلاوة وحلاوة تسهل مهمة من يصنعون له الإعجاب، وأنه لم يرث الطرب عن والده، إنما يحاول ويسعى، دون أن يجبر الجماهير على أن تهتف له، وتتغنى باسمه. وحتى لو كان هناك من يرى أن فى صوته نعومة لا تليق بطرب أصيل، وفى حركاته رخاوة لا يجب أن تكون فى مطرب يحترم الفن ويسمو به على الغرائز، فهناك من يروق له أن يسمعه ويراه كما هو. أما الأول فإن صوته السياسى نشاز، ويطلب ويلح وراء ما ليس بوسعه أن يقوم به على خير وجه، ويطمع فى أن يرث حكم بلد كبير ليعيدنا إلى «ملكية مقنعة».
وليس لدى جمال من الإمكانات والقدرات ما يسهل مهمة من يروجون له، فهو لم يشق مسارا مستقلا، ولم يبن مؤسسة ترفعه وتصنعه، ولم يتبن خطابا يُشعر الجمهور العريض بالاطمئنان، وأحاط نفسه بمجموعة يتوزع موقف الناس منها بين متحفظ عليها وممتعض منها وكاره لها، كما أنه دس أنفه فى السياسات العامة، وأدار الحكم من خلف الستار، فلم نر معه تقدما ولا نهضة ولا خروجا من الأزمة الطاحنة التى نعيشها، وكل ما جرى هو تحقيق نسبة نمو ذهبت عوائدها إلى جيوب أصحاب الحظوة من رجال الأعمال،
والفئات المرتبطة بالنظام الحاكم. وجمال متحمس لمسارات وخيارات لو جاء إلى السلطة ونفذها لشرد ملايين العمال والموظفين والصحفيين والأطباء والمهندسين، ولزادت فى عهده الأمية، لأنه غير راض عن إنفاق الدولة على التعليم، ولتكدس فى زمانه المرضى، لأنه ينادى بتراجع دور الدولة فى الإنفاق على الصحة، ويريد أن يتخلص مما بقى من أموال الشعب فى مشروع «الصكوك» المشبوه.
لكل هذا لا يتوفر لمن يروجون لجمال ما يتهادى لمن يهيجون الجمهور الصادح طربا لتامر، لكن بين جمهور الاثنين قواسم مشتركة، فالواقفون رقصا حول تامر كثيرون منهم متحمسون لجمال. إنهم أبناء الطبقة الجديدة التى تربحت وترفهت وبطرت بعد أن ملأت بطونها وجيوبها من أموال الشعب، وتنتظر على أحر من الجمر أن يأتى جمال رئيسا لتزداد غنى وبطرا،
بينما يتهاوى ملايين جدد تحت خطوط الفقر والقهر والجهل والمرض. وسيقول البعض إن هناك شبابا فى الحزب الوطنى يتبنى مشروع جمال وهم ليسوا من جمهور تامر، وسأقول هذا صحيح، لكن هؤلاء لا يؤمنون بمسار جمال ومشروعه، لأنه لا يوجد مسار ولا مشروع، وليس بوسع أحدهم أن يشرح لنا ما هو «الفكر الجديد»، والأغلبية الكاسحة من هؤلاء شباب يبحث عن منفعة بعد أن سُدت أمامه السبل القويمة والمستقيمة للعيش.
أما التشابه الكبير بين جمال وتامر فهو فى إدراك كل منهما المبالغ فيه لذاته. فتامر يعتقد أنه ملك متوج على عرش الطرب، ويريد أن يفعل كل شىء لنفسه، لأن لديه اعتقاداً بالاكتفاء، فيكتب الأغنية ويلحنها ويغنيها ويتراقص بها ويصنع دعايتها ويدعى نجاحها الكاسح، ويتيه بها عجبا. أما جمال فلديه شعور زائف بأن مصر تحتاج إليه، وأنه الأصلح لتولى منصب الرئاسة، وأنه الأكثر فهما للأمور كافة، والأعلى تقديرا لما ينفع البلد، وأن كل من ينتقدونه إما جهلاء أو مغرضين.
ولذا نراه يقف فى مؤتمرات الحزب ويجلس فى اجتماعات أمانة السياسات كأنه الواحد الصحيح والبقية أصفار، وهو الملك ودونه المسوخ، فعلى الجميع أن ينصت إن تكلم، وعلى الكل أن يسارع فى التنفيذ إن أمر، فالخصخصة طريق الرخاء، وتراخى دور الدولة طريق المجد، ومشروعه الدعائى الفاشل عن الألف قرية الأكثر فقرا هو الملجأ والملاذ، وكل ما يتبناه من أقوال لا تترجم إلى أفعال، هو الصدق الخالص والصواب المطلق.
تامر مغرور، أو هكذا يصفه بعض نقاد الفن، أما جمال فيسكن تحت جلده ديكتاتور كبير، يروضه الآن بشق الأنفس، لكن إن حكم سيخرجه من عقاله ويطلق له العنان، فيعيدنا إلى الوراء فى كل شىء. وليغتر تامر ما شاء له فغروره على نفسه، أما غرور جمال فهو كارثة على دولة كاملة.
غنى عبده الحامولى للخديو توفيق، وعبدالوهاب للملك فاروق، وأم كلثوم ارتبطت أكثر هى وعبد الحليم بعهد عبدالناصر، واستمر عبدالحليم مع السادات الذى أدت سياساته إلى إنتاج عدوية، وغنت لطيفة لمبارك الذى أنتج عهده «أبوالليف»، ومن يدرى لعل جمال مبارك يفكر إن جاء إلى السلطة فى أن يكون المطرب المفضل لعهده هو «تمورة».
نقلا عن المصري اليوم |