بقلم: رؤوف مكاري تفشي العنف في مصر في الآونة الأخيرة بصورة ملحوظة لا تخطئها العين؛ لدرجة أن الحديث عنه أصبح أمر طبيعي من مسلّمات الحياة التي نحياها، الأمر الذي اعتبره علماء الاجتماع بمثابة "ظاهرة" تجتاح المجتمع المصري بكافة طبقاته ومستوياته.
وأنا هنا لا أتحدث فقط عن العنف البدني، ولكني أتحدث ايضًا عن العنف النقاشي الذي يمكن أن تشاهده في برامج "التوك شو"، ولاسيما عندما يكون محور الحديث عن قضية أو اختلاف في الرؤى بين طرفيها.
أما عن العنف البدني.. فلا تخلو صفحة الحوادث في كافة الجرائد اليومية أو الأسبوعية من الحديث عنه، فهذه زوجة اشتركت مع عشيقها في قتل زوجها، وهذا محام استأجر مجموعة من البلطجية للاعتداء على والده بماء النار، وهذا زوج ذبح زوجته كالشاه، وهذا مذيع يقتل زوجته بالرصاص.. إلخ، وهكذا تزداد الجرائم عنفـًا وتنوعـًا في أساليبها بصورة غير مسبوقة، لا تفرق بين متعلم وأُُميّ، أو بين غني وفقير.
أما عن العنف النقاشي.. والذي لا تخلو منه أي قناة فضائية؛ فيكفي لك عزيزي القارئ أن تتابع أي قضية نقاشية وتشاهد الحوار بين طرفيها، وتلاحظ أسلوب الحوار لتجده بعيدًا تمامًا عن أدبيات الحوار والنقاش الموضوعي، ويكاد يصل للشجار.
لقد وصل الأمر -كما طالعتنا جريدة "الأهرام"- لأن يطلب السيد نقيب المحامين التعاقد مع شركة أمن خاصة لفض أي شجار قد يحدث بين السادة المحامين أثناء اجتماعتهم ومناقشتهم، ولاسيما بعد حدوث عدة وقائع استدعت ذلك.
وإذا اتفقنا على أن العنف قد أصبح ظاهرة مجتمعية، إذن فلكل ظاهرة أسبابها، ولا يمكن حلها إلا بتحليل أسبابها، وهنا نأتي لعرض أسباب ظاهرة العنف من وجهة نظرنا.
أولاً: الظروف الاقتصادية
ما من شك أن للظروف الاقتصادية دور في تفشي ظاهرة العنف؛ فانخفاض دخل الفرد وبالتالي الأسرة، واضطرار رب البيت للعمل في أكثر من وظيفة حتى يتمكن من سداد احتياجات أسرته، وقضاء ساعات كثيرة في العمل تحرمه من الجلوس مع أسرته، كل هذا أدى إلى استنفاذ كامل طاقته البدنية والذهنية في العمل؛ الأمر الذي أدى إلى القضاء على أي فرصة لحوار موضوعي مع أهل بيته؛ الأمر الذي قلل من قدرته في التعامل مع أي مشكله حياتية عادية، وبالتالي عدم التعامل معها من خلال حوار موضوعي.
كذلك فقد أصبحت المرأة الآن شريكـًا اقتصاديـًا مُهمـًا، وبالتالي فُقد الحوار الأسري أفقيـًا بين الزوج وزوجته، ورأسيـًا بينهما وبين أولادهما، وبالتالي فقدت الأسرة المصرية -وهي نواة المجتمع- أي فرصة لحوار موضوعي، وأصبح الجميع مجنيـًا عليه.
ثانيـًا: النظام التعليمي
أيضًا للنظام التعليمي دور في تفشي ظاهرة العنف؛ فالنظام التعليمي في مصر يعتمد في المقام الأول على التلقين وعدم إعمال العقل أو الابتكار وإجراء الأبحاث، وبالتالي عدم القدرة على التعامل مع المتغيرات المحيطة، وبالتالي أنتج النظام التعليمي في مصر شخصية مهزوزة غير قادرة على التعامل وفق أسانيد العقل والمتغيرات الاجتماعية.
ثالثـًا: وسائل الإعلام
يهدف الإعلام من حيث المبدأ إلى بناء الشخصية من خلال تقديم مواد إعلامية تُعظم من القيم الإيجابية، وتقديم شخصيات نموذجية يحتذي بها المشاهدون، أما عن الواقع فهو مختلف تمامـًا؛ فنحن أمام نوعان مختلفان من الإعلام.. فهناك الإعلام الحكومي الموجه، والذي له أجندته الخاصة ولا يمكن تجاوز بنودها بأي حال من الأحوال، وبالتالي فرض قيود على وجهات نظر بعينها، أما الإعلام الخاص فلا يوجد له رقيب أو حسيب، فلا مجال لتطبيق ميثاق الشرف الإعلامي، وكل ما يهمه هو الإثارة فقط لجلب المزيد من الإعلانات، دون مراعاة لأي اعتبارات أخرى.
فدائمـًا ما يركز هذا النوع من الإعلام على القضايا السلبية وبث روح اليأس والفشل للمشاهدين، كذلك استقبال ضيوف يكون همّهم الأول هو فرض وجهة نظرهم بأساليب بعيدة تمامـًا عن الموضوعية؛ من علو الصوت أو الطرق على المنضدة أو المقاطعة المستمرة دون أن يعوا أن هناك تأثيرًا سلبيـًا ينتقل إلى المشاهدين؛ يجعلهم أكثر عنفـًا في معاملاتهم الحياتية.
فمنذ أيام قليلة أتيح لي أن أشاهد قناة مصر العربية، والتي تم بثها بمناسبة مرور خمسون عامـًا على إنشاء التليفزيون المصري، وتم عرض أكثر من برنامج حواري في فترة الستينيات للمذيعات "سلوى حجازي"، و"أماني ناشد" في قضايا مختلفة، وكم كان الحوار حضاريـًا وراقيـًا، وتمنيت لو عاد الزمان للوراء مرة أخرى.
رابعـًا: بُطء العدالة
ما من شك أن العدالة البطيئة هي ظلم بيّن؛ فتنفيذ القانون بسرعة وصرامة يؤدي إلى حصار ظاهرة العنف؛ فهناك -وللأسف الشديد- اعتقاد راسخ لدى المواطن العادي بأن حقه الذي لم يحصل عليه بنفسه قد لا يحصل عليه بالقانون، وبالتالي نصّب المواطن نفسه قاضيـًا لأخذ حقوقه، ولكن بأسلوبه الخاص، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في جرائم الثأر؛ فلو تم الحكم بصورة سريعة وحازمة بما لا يتعارض مع القانون في جرائم النفس بصفة عامة؛ فإن ذلك سوف يؤدي إلى حصار تلك الظاهرة.
خامسـًا: غياب القدوة وانتشار الفساد
ما من شك أن غياب القدوة وانتشار الفساد يؤدي إلى تفشي ظاهرة العنف؛ فعدم وجود قدوة يتطلع إليها الشعب أدى إلى اهتزاز ثقة الناس في مَن يحكمون، كذلك فإن انتشار الفساد وارتباطه بمسؤولين رسميين ونواب الشعب؛ الذين يُفترض فيهم المحافظة على مقدرات الوطن، قد ساعد على بروز ظاهرة العنف.
وهنا لا يمكن أن ننسى المظاهرات واعتصامات عمال شركة "المحلة الكبرى"، وكذلك الاعتصامات الأخرى الذي أصبح لها عنوان أمام مجلس الشعب، والذي كان من أهم أسبابها فساد مسؤوليها والسطو على حقوق العمال، وهنا أحيي المجهودات الواضحة للوزيرة "عائشة عبد الهادي" وزيرة القوى العاملة في معالجة هذه الأمور.
والآن.. وبعد استعراض أسباب ظاهرة العنف في المجتمع المصري... ما هو الحل...؟؟
لا أزعم عزيزي القارئ أنني أقدم حلاً، ولكن ما أستطيعه هو التأكيد على الحلول التي طالب بها علماء وأساتذة علم الاجتماع في أن حل ظاهرة العنف في مصر ليست مسئولية الحكومة فقط، فهي مسئولية مجتمعية يشترك في حلها الجميع.. الحكومة والمعارضة، ومنظمات العمل المدني، ومجلس الشعب، ورجال الدين، والقضاء... إلخ.
فلنعتبر أن حل هذه المشكلة بمثابة مشروع قومي يهدف إلى استعادة طبيعة الشخصية المصرية المعهودة، والتي سلبتها عوامل داخلية وخارجية، فبدون الحل المجتمعي واقتناع المجتمع بخطورة هذه الظاهرة؛ فلن تُحل.. وأخشى من التباطؤ أو الانتظار لحلها لأن هذا سوف يؤدي إلى استفحالها بصورة قد نعجز على حلها في المستقبل.
فهل ننتظر... أم نبدأ في العمل؟؟! |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت | عدد التعليقات: ٤ تعليق |