CET 00:00:00 - 12/08/2010

المصري افندي

ليس بينهما إلا الناس وتصرفات الناس
بقلم: د.يحيى الوكيل

 محصورًا في سيارتي الواقفة بين آلاف السيارات المتراصة فوق "كوبري أكتوبر" في القاهرة، والمحركات دائرة تهدر آلاف الجالونات من الوقود، وتضيف إلى حرارة الجو فيحـًا؛ وإلى الهواء الخانق تلوثـًا، لم أملك إلا التأمل فيما حولي، ولم أحب كثيرًا ما وصلت إليه.

 كنا قد نبهنا في صحيفة "الأقباط متحدون" -منذ أسابيع عديدة- إلى ما هو حادث الآن من إصابة شوارع القاهرة بجلطة مرورية لابد لها من أن تؤدي إلى شل العاصمة تمامـًا، وقد حدث؛ أما لماذا لم تتخذ الجهات المعنية إجراءًا لتفادي هذا فلا أعلم، ولكننا دائمًا نبني قراراتنا وإجراءاتنا في هذا البلد على ردة الفعل، ولا يملك معظم صناع القرار أو المشاركون فيه أية قدرة على الرؤية المستقبلية المبنية على تحليل الوقائع الآنية.

 والآن.. وبعد أن وقعت المشكلة، لا أدري إن كان أحد قادر على حلها.
لكن بقدر ما ننتقد الحكومة لفشلها في العلاج الوقائي للأزمات، لابد أيضًا أن نقر بسبب هذه الأزمة بالذات في بداية شهر رمضان وخلاله، وهو الناس.

 تكدس السيارات بهذا الشكل ليلة رمضان ليس له إلا سبب واحد، وهو تكالب الناس -وبشكل شبه هيستيري- على شراء ما اصطلح عليه بـ"لوازم رمضان"؛ ولكي لا أطيل على القارئ بتفصيل مجمل تلك اللوازم، يكفي أن أقرّب له الصورة بمقارنة لوازم رمضان بما يلزم لمقاومة حصار يفوق "حصار لينينغراد" -سان بطرسبرج حاليـًا- والذي امتد لشهور طويلة، والأغرب أن هذه اللوازم تُستهلك في خلال شهر فعلاً.

 هذا التكالب على شراء السلع يتبعه زيادة في الأسعار طبقـًا لقانون العرض والطلب، وليس بالضرورة نتيجة لجشع التجار فقط، فتزيد تكاليف الحياة على الجميع؛ ومنهم الفقراء والمساكين المفترض أن شهر رمضان قد فُرض صيامه للعطف عليهم وتحسين ظروف حياتهم ومأكلهم ومشربهم؛ ولو لشهر في العام، لكن ما يحدث فعلاً أننا نُحمّل رقيقي الحال ما لا يطيقون، بحيث لا يكون أمامهم إلا التسول وقبول العطايا.
فهل هذا هو مفهوم العطف على الفقراء في رمضان؟!

ما زلت على الكوبري، ولم أقطع مسافة تزيد على الثلاثمائة مترًا في حوالي الساعة، وأمامي سائقين مشتبكان في مشادة بسبب التشاحن على أولوية المرور في مسافة لا تتعدى الخمسة أمتار.

 بدأت المشادة بالألفاظ.. والتي أخذت منحىً تصاعديـًا –أو بالأحرى تنازليـًا- على مقياس السفالة، ثم تطورت إلى الاشتباك بالأيدي، والذي ساهم فيه بالطبع أعداد من قائدي السيارات؛ ربما لمقاومة الملل الذي يستشعرونه من طول الانتظار.

 الطريف في الأمر أن الطرفين الأصليين للمشاجرة كانا أقل شراسة في الشجار من المتضامنين معهما!!

 كل ذلك وفي ليلة رمضان، فطفقت أفكر فيما سيحدث في نهار أيام الشهر، حيث الأعصاب ملتهبة من أثر شدة الحر والرطوبة والعطش والجوع والضيق بمشاكل الحياة؛ الحرب الأهلية الأولى في العالم بين سائقي الأجرة والملاكي؟

 في طريقى ذهابـًا وإيابـًا لاحظت الإفراط في إنارة المساجد كمظهر من مظاهر الاحتفال، وكذلك بعض الأماكن التي ما زال الناس فيها يمدون أسلاك الكهرباء -المسروقة طبعـًا- من أعمدة الإنارة الحكومية؛ والمحملة بعشرات المصابيح الكهربية الملونة، أو ينيرون فانوسـًا رمضانيـًا كبيرًا من شرفات منازلهم؛ مع الحرص على سرقة الكهرباء الحكومية في أغلب الأحوال.

 ولما سألت كيف يتسق الصيام مع سرقة الكهرباء، كان الرد أن الله غفورٌ رحيم، فأخرست نفسي ولم أعلّق.

 لدى عودتي إلى المنزل كنت سعيد الحظ بأن لا أُحبس في المصعد لما يزيد عن الساعة، قضاها جاري الذي وصل بعدي بدقائق لانقطاع الكهرباء عن العمارة التي نسكن فيها؛ وهو أمر طبيعي لزيادة الأحمال على شبكة الكهرباء؛ لتشغيل أجهزة التكييف في هذا الحر الرهيب، و"تزيين" المساجد، وحتى الشوارع.. كما كانت الشوارع المحيطة بجامعة الأزهر في مدينة نصر مزينة بألف نور.

 أضف إلى ذلك الطاقة الكهربائية المطلوبة لتشغيل ملايين أجهزة التليفزيون ساعات طويلة لمتابعة عشرات المسلسلات والبرامج الدينية، والتي حاصرتني إعلاناتها على الكوبري وكأنها المنتج القومي الرئيسي للبلد كلها.

 طبعـًا يعني انقطاع الكهرباء عدم تمكني من العمل، والذي يتطلب استخدامي للكمبيوتر وشبكة الإنترنت، وتخيلت كم ستمتد فترات انقطاع الكهرباء لدى وصول التحميل على شبكات الكهرباء إلى أقصاه أثناء رمضان، وكيف سيؤثر هذا على وصول المياه إلى الأدوار العليا في المنازل، وكيف سيؤثر على عملي؛ والذي يحتاج إلى الكهرباء كما يحتاج الفلاح إلى فأسه.
ربما أن هذا لم يعد مهمـًا عند الكثير من الناس؛ المهم المسلسلات.

 لو أن ما سبق استمر لكان رمضان شهرًا من العذاب، ولكان شهرًا فظيعـًا عوضًا عن أن يكون شهرًا فضيلاً.

 الحل لن يكون في يد الحكومة، لكنه في يد الناس الذين يجب أن يتعاملوا بمحبة وهدوء وفضل يليق بالصائمين؛ الحل في يد الناس الذين يجب أن يفهموا أن مبدأ الصيام هو في ترشيد الاستهلاك لا في زيادته، وأن هذا الترشيد يجب أن يطبق على استهلاك المواد الغذائية كما يطبق على مشاهدة التليفزيون.

إما هذا.. أو أطعموا المساكين كفارة ودعكم والصيام.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق