بقلم: أماني موسى
عاد عم سعيد إلى بيته من بعد جلسة مطوّلة على قهوة السعادة مع أصحابه وبعد ما انتهوا من لعب الدومينو والطاولة وشرب الشيشة، ولكنه فوجئ أن أولاده قافلين التليفزيون على غير العادة وكلاً منهم يتكأ على الكنبة في صمت أما الست ابتسام فكانت قد انتهت من جوالاتها اليومية مع المطبخ والصحون والتقلية وكانت نايمة وباللحاف الأحمر متغطية.
فسأل عم سعيد أولاده قائلاً: خير...قافلين التليفزيون يعني وساكتين كمان؟؟؟ يبقى أكيد حد فيكم عمل مصيبة، وضحك أصغرهم وقال ( لا يا بابا إحنا ساكتين احتراماً يعني لرجوع سينا لينا، أنت مسمعتش التليفزيون ولا إيه يا بابا؟؟ دي سينا رجعت تاني لينا ومصر اليوم في عيد!!).
ولكن سرور كان ساكت لا باين عليه علامات فرح أو حتى حزن، فاقترب منه أبوه وسأله مالك أنت كمان منزلتش انهاردة للقهوة ولا قعدت قدام الكومبوتر ولا حتى بتتفرج على التليفزيون، إيه مزعلك ولا إيه هيحصلك أكتر من اللي أنت فيه؟؟ فأجابه سرور بأنه مش عايز يتفرج على التليفزيون خالص انهاردة لأنه زهق، كل ما يقلب أي قناة يلاقي يا إما أغنية وطنية عن تحرير سينا يا إما فيلم عربي وهندي ومحمود ياسين اللي الرصاصة لسة في جيبه من سنة 73
فقاله أبوه باستغراب (وماله لما نحتفل بسينا ورجوعها وناخد أجازة أهو إحنا المستفيدين، وبعدين ما دي حتة من بلدنا ولازم نفرح بردوة) فصرخ سرور في وش أبوه وقاله ( أه نفرح وماله.... ما هو دة اللي إحنا فالحين في طول الوقت نغني على أمجاد وانتصارات زمااااان ونتباهى بالآثار بتاعة الفراعنة ونقول يا سلام شايفين مفيش حضارة كانت زي حضارتنا... يعني طول الوقت عايشين في الماضي لأن معندناش حاضر ولا مستقبل لأن مستقبل البلد اللي هما شبابها تلات أرباعهم ضايعين زي حالاتي يا عم سعيد لا شغل ولا جواز ولا حتى ثقافة وأخرنا نتفرج على هيفا ونانسي عشان ننسى).
وبعدين ترجع تقول لي وماله ونفرح؟؟!!، متهيألي يا با أنه أولى من الغنى والعيش على ذكرى أننا نبص كمان للمستقبل ونخطط له عشان نتباهى بالماضي ونفتخر كمان بالمستقبل.
واستكمل صراخه قائلاً: تقدر تقول لي إزاي أغني وأقول (منقولش إيه أديتنا مصر ونقول ها ندي إيه لمصر) وهي أصلاً مدتنيش حاجة ولا حتى خليت عندي حاجة عشان أديها لها؟؟؟
ولما التليفزيون مقلوب كدة على تحرير سينا مش من باب أولى يهتموا بالشباب والجيل الغلبان دة اللي هما هيحرروا سينا المستقبل؟؟ مش باب أولى يحرروا العقول اللي بقيت خلاص مغيبة وعاملة دماغ؟
فصمت عم سعيد ونظر للأرض بحزن ولم يجد ما يرد به على ابنه لأنه شعر بحجم المرارة اللي جواه وقال بصوت واطي (خسارتك يا بلدي وخسارة شبابك اللي بعتيهم وباعوكي)!!!!
عادي في بلادي: بقى الانتماء موضة قديمة وغيابه لأسباب مش معروفة حيث الدايرة مغلقة بإلقاء الاتهامات والأسباب للوطن تارة وللمواطن تارة أخرى. |