بقلم : مرثا فرانسيس
أحلم بأن تسترد الأرض حيويتها وخضرتها وأن تمتلئ مروجها نضارة وأن تتلون الأزهار بألوان واضحة محددة ، فقد أضحت الألوان شاحبة ،وكأن هموم الناس ومشاكلهم تُحزن أرضنا وحدائقنا، وتضفي عليها هذا الثوب الباهت ، الذي يصعب عليك تمييز لونه بالتحديد .أحلم أن يهتم الإنسان بالحفاظ على الطبيعة الجميلة ؛كأن يكتفي بالنظر للورود والزهور في أماكنها والتخلي عن امتلاكها في يده ، وأيضاً بأن يمتنع من تلقاء نفسه عن إلقاء كل مايشوه جمال الحدائق ومداخل العمارات والشوارع .
أحلم أن يصبح النيل صافياً رائقاً ،يعكس زرقة السماء فيصير مريحاً للنظر مهدئاً للنفس ، مريحا ًللعين ، وأن يعود أجمل مكان يمكنك أن تهرب اليه إذا شعرت بالضيق أو الملل أو الغضب ، فتهدأ قليلا ً ريثما تجد سببا ً أو حلا ً لما تشعر به . أحلم أن تمتنع كل السفن عن القاء بقاياها ليحتويها النيل رغماً عنه فتتحول مياهه التي يشرب منها ملايين البشر الى مأوى للفضلات والميكروبات أشكالاً والوان .
أحلم. بأن تتغير المنظومة التعليمية في البلاد العربية ، فيزداد ذكاء الأطفال طردياً مع نموهم العمري والدراسي وليس العكس ، أحلم بأن يحب أطفالنا المدارس والتعليم وأن يُشبع التعليم احتياجهم للمعرفة العملية والإبداع وأن يصقل كل المواهب والقدرات التي بداخلهم ، أحلم ان يعتبر اولادنا عدم الذهاب للمدرسة عقابا وتأديبا وليس العكس ، أحلم بأن تتغير اتجاهات المدرسين فيكون التدريس بالنسبة لهم هو امتداداً لدورهم كآباء وأمهات، وتنمو وتتوطد جسور الصداقة والإحترام بينهم وبين التلاميذ والتلميذات ، أحلم بأن تنتعش حصص الرسم فيُبدع اولادنا ويكتشفوا مواهبهم وأن تعود للحياة حصص الموسيقى ، فيخرج من بينهم مايكل انجلو و موتسارت وباخ العرب ، أحلم الا تنتفخ عقول أولادنا بمعلومات جافة تنتهي صلاحيتها بمجرد الخروج من الإمتحانات ، بل أن يبحثوا ويكتشفوا ويتعلموا طرق الحصول على المعلومة والبحث عنها في كل مصادرها ، أحلم بأن لا نفتخر بكثرة الكتب المدرسية المكدسة في شنط التلاميذ والتي تؤدي أول تأثير لها في تشويه العمود الفقري للطفل ، بل نفخر بعقول أولادنا الواعية وقدرتهم على التعامل مع الأحداث وتحمل المسئولية وصنع القرارات الهامة لمستقبلهم ،
وأحلم بأن يمتزج مايتعلمه أولادنا بمدارسهم بما يقابلوه في حياتهم العملية ، فيتعلمون كيفية تجنب الأخطار والأمراض وتكون لديهم الإرادة لرفض مايؤذيهم ليس خوفا من عقاب بل اختيارا لما هو لصالحهم .أحلم بأن يأتي اليوم الذي يصبح فيه الطفل العربي حراً مبدعاً خلاقاً قادراً على العطاء ،قابلاً للتفاهم والحوار والتعلم ، مستعداً للإنجاز ولمضاعفة طموحاته لليوم وللمستقبل ،أحلم أن تُعطَى له الحرية والمسئولية فيتعلم كيف يختار وكيف يتحمل مسئولية اختياراته ، يقبل ان الحياة مزيج من الصعب والسهل ،ويعرف كيف يواجه الحياة وكيف يُخرج نفسه من المآزق الصعبة ، ويكتسب مهارة إيجاد حلولاً بديلة وليس حلولا ملتوية أو خادعة.
أحلم بأن تتحرر المرأة العربية من أغلال الموروثات والعادات العقيمة وأن تكسر بيدها الصورة الدونية التى وُضعت بها رغماً عنها وأن تعرف كيف تثق بنفسها وبإمكانياتها وبقدراتها المبدعة وأن تتسع دائرة طموحها وأحلامها فتسعى للإستقلال المادي وتهتم بتنمية قدراتها ولاتنحصر أحلامها في حدود دور الزوجة والتابعة ،وأن تُطلق لأفكارها وإبداعها العنان فتتغير المجتمعات العربية بما يحققه نصف المجتمع المعطل وهو قادر على العطاء ، فكلما ازدادت فعالية المرأة ومشاركتها للرجل في كافة المجالات ، كلما استطاع الرجل أن يفكها من حصار ذهنه الذي يحدها في دور واحد فقط ، وعندما تتسع هذه النظرة سيأتي اليوم الذي تسير فيه المرأة بجانبه وليس خلفه تابعة له و يدرك الرجل ان المرأة شريكة معه يشجع انجازاتها، ويفرح ويفتخر بنجاحها ويكون أول من يساندها، ويعترف بدورها الهام في الحياة وفي المجتمع ، احلم بأن يتعلم الرجل مهارات جديدة في تعامله مع المرأة فيقبل أن يتقاسم معها مسئوليات البيت والأولاد ليتيح لها فرصة القراءة أو الدراسة أو القيام بالأبحاث وغير ذلك من اهتماماتها التي كثيراً ماتعيقها عن اتمامها كثرة شئون المنزل .
أحلم بأن تزيد مفردات لغة الحوار بين أفراد الأسرة فتكثر كلمات التشجيع والمدح والثناء والشكر حتى على الأشياء البسيطة وتختفي لغة الإساءة واللوم والذم والإنتقاد والشتم ، وأن تكثر تعبيرات الحب بين الأزواج والزوجات وأيضا الأولاد ، ليت الجميع يدركون تأثير كلمات الحب واللمس والأحضان وتأثيرها السحري على الأطفال ،فلا نبخل بهذه التعبيرات الهامة على احبائنا ولا نخاف أن يؤدي هذا الى افسادهم فالطفل الذي يشبع بالحب والقبول والتقدير سواء كان ولداً ام بنت ، ينشأ طفلاً سوياً متأكداً أن مكانته لدى عائلته لن تهتز إذا أخطأ وان محبتهم له لن تتأثر بأخطائه وأحلم بأن تمتلئ البيوت دفئاً ورحمة ً وحنانا وأن تتبدل أصوات الصراخ والعنف والعصبية الى فرح وضحك حتى على الزمن. أحلم بأن يزداد التواصل بين الأزواج والزوجات فلا يكونا غريبين تحت سقف واحد بل جسداً واحداً مندمجاً متناغماً وتكون الصداقة والإحترام والمودة هم اساس العلاقة بينهما . ولا تقوم بينهما الصراعات والمنافسة والبقاء للأقوى ولكن معاً تتحقق الآمال، وتتضاعف السعادة لأنها لأثنين ويقل الألم والضيق بسبب المشاكل والظروف ليس لأنها ستختفي بل لأن الألم يقل اذا قُسم على اثنين .
أحلم بأن يكون الحب هو شريعة الحياة ، ان يكون هو الحافز الأول والوحيد للعطاء ،أن يكون هو الدافع لقبول الآخر سواء المختلف في الجنس او في العقيدة او في العرق . أحلم أن يكون الحب هو البنية الأساسية للمجتمع متمثلاً في أفراد هذا المجتمع من افراد أو عائلات ، أحلم ألا تُحَد كلمة الحب في العلاقة بين رجل وامرأة فقط بل تمتد وتتسع لتشمل الأصدقاء والزملاء والأقارب والجيران ، احلم بأن يتضع الإنسان ، وأن يوازن بين امكانياته العقلية والعلمية وبين محدوديته البشرية ، التي مع كل الإجتهاد والعلم والعمل والتقدم ،تجعله يقف مكتوف الأيدي امام أمور كثيرة أعلى من هذه المحدودية البشرية . احلم أن يسعى الإنسان للمعرفة والإكتشاف وفك ألغاز أمور الحياة المختلفة قدر المستطاع دون أن ينكسر بالكبرياء
أحلم بأن يعم السلام الأرض ، أن يكف الناس عن الشجار والحرب والإغتصاب والتحرش والإعتداءات والإساءات ، أحلم بأن تتصافح الأيدي بدلاً من أن تمتد للآخر لتصفعه أوتطعنه من الخلف اولتسلب ممتلكاته ، أحلم بأن ينزع كل إنسان الأقنعة التي يتخفى بها في كل مناسبة ويقبل أن يعيش حقيقياً صادقاً مع نفسه ومع الآخرين وأن يتنازل عن دور الحاكم في إدانة ومحاسبة الغير دون أن يفكر مجرد التفكير في مراجعة نفسه . |