بقلم: ميرفت عياد
تمتزج رائحة العرق البغيضة في هذا الجو الحار، مع غلاء المعيشة وحالة الفقر الذي يعيش فيه معظم أفراد الشعب المصري؛ لتنتج لنا زجاجات من العطور المركبة المجهولة المصدر، والتي تُباع على الأرصفة، ويُقبل عليها الكثيرون لرخص أسعارها بالنسبة إلى كبر حجمها؛ فتنتشر محلات تركيب العطور في كثير من الأحياء، كما أن زجاجات العطور المجهولة المصدر تفترش الكثير من الأرصفة في الأحياء الشعبية.
والحقيقة أننى في مرة من المرات استفزني الزحام الشديد حول أحد البائعين الذي ينثر زجاجات العطور على الرصيف، ويقف حوله الكثيرون يستنشقون الروائح ويقررون أي منها يشترون، والكل يقبل على الشراء، وسألت إحدى السيدات: هل تلك العطور جيدة؟؟ فأجابتني بيقين شديد واقتناع، بأن رائحتها جميلة وحجمها كبير، وثمنها أكثر من ممتاز ولا يتعدى العشرون جنيهـًا.
ولكن هذه الإجابة استفزتني أكثر، لأنه لا يُعقل أن تكون هذه العطور جيدة وآمنه ورخيصة بهذا الشكل الذي تتكلم به هذه السيدة، وإذا كان هذا صحيحـًا فبالتالي جميع مصانع العطور في مصر والعالم ينصبون ويسرقون خلق الله، ولكن هذا أمر لا يُصدق؛ لذلك قررت أن أنتظر حتى ينفض الزحام، وسألت البائع عن مصنع هذه العطور، فأجاب بكل فخر بأنه هو الذي يقوم بتصنيعها بنفسه من أجود الزيوت الطبيعية، ويبيعها بسعر زهيد، محققـًا هامش ربح قليل حتى يستطيع أن يروّج لبضاعته.
والحقيقة أنني لا أخفيكم سرًا أن هذه الإجابة استفزتني أكثر؛ فقررت أن اسأل صديقة لي خريجة كلية علوم، لعلها تقول لي معلومة أستطيع بها كشف أمر تلك المنتجات الرخيصة، وبالفعل قالت لي ما كنت أتوقعه؛ فهذه المنتجات لكي تُباع بهذه الأسعار الزهيدة يتم تصنيعها من مواد خطرة وغير آمنة، وبالتالي فهي تؤدي إلى العديد من الأمراض؛ مثل حساسية الجلد، كما أن بعض الزيوت المستخدمة في هذه العطور تؤدي إلى حدوث مشاكل في الجهاز التنفسي.
والحقيقة أنني هنا أيقنت أن رائحة العرق الإنساني أهون بكثير من محاولات تدمير الصحة، والتي تُقبل عليها فئة عريضة من الشعب المصري، دون أن يدركوا أن رخص المنتج إن دل إنما يدل على أنه مُصنَّع من مواد رديئة تضر بهم وبصحتهم على المدى الطويل؛ فكفى تدميرًا في صحة هذا الشعب الذي لم يعد يقوى على الاحتمال. |